Wednesday 18/06/2014 Issue 15238 الاربعاء 20 شعبان 1435 العدد
18-06-2014

نوازل في فقه الجهاد

فقه الجهاد سنة شرعية، وحقيقة كونية، أضلت فيها أفهام، وزلت فيها أقدام، عندما لم يعرف متحمسوها أحكامه المؤصلة، وقواعده المقررة، وشروطه المبينة، وآدابه المتبعة، - ولذلك - كان من الواجب إعادة تعريف مفهوم الجهاد بمصطلحه الأوسع - مرة أخرى -، وضبطه بالأدلة الشرعية، كما تحدث عنه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكما فهمه السلف الصالح، مع ضرورة التعقل في هكذا قضايا كبرى تهم الأمة.

ولا يفهم من هذه المقدمة أننا نخذل، أو نهون من مكانة الجهاد في الإسلام، أو نضعف معاني العزة، أو نساهم في تغييب الكرامة الإسلامية.

لقد أحسن - معالي الشيخ - عبدالله المطلق - عضو هيئة كبار العلماء - في أطروحاته لبرنامج « همومنا «، الذي بث - قبل أيام - عبر القناة الأولى من التلفزيون السعودي، وأبدع في الاستدلال، ووفق في تنزيل النصوص الشرعية على الواقع ؛ حماية لدين الأمة من الفوضى الفكرية التي حصلت، وحفظا لكرامتها، وعملا على تأمين الحياة الكريمة لأفرادها، وسدا لأبواب الفتنة العظيمة على المسلمين. - فالجهاد - وإن كان ذروة سنام الإسلام، وشعيرته الكبرى، إلا أنه وسيلة لأن تكون كلمة الله هي العليا، وليس مقصودا لذاته؛ لأن الشريعة جاءت بحفظ النفوس، وإقامة الدين، والأخذ بأسباب القدرة، كل ذلك؛ من أجل تحديد درجة المرحلة التي يجب أن نتعامل معها، ونتكيف من خلالها؛ ليبقى ديننا ثابتا، لا يستطيع العدو اجتثاثه. وهذا من سعة منهج الإسلام، أنه يتعامل مع من يريد حربا، أو سلما، وفق الضوابط الشرعية، وتحقيقا للمصالح المعتبرة، ودرءا للمفاسد المحتملة. وهذا مصداق لقول - معالي الشيخ - عبدالله المطلق، حين بيّن: « أن تعقيدات الحياة، وتشابكها بين الدول، والمجتمعات، تتطلب القدرة على الفرز، والمعرفة، عبر المعلومات، والخبراء، ولجان التقييم، وعبر مختلف المؤسسات، كي يتخذ ولي الأمر القرار، - وهذا يعني - بأن من يتصرفون بوحي فردي، يدفعون دولهم، ومجتمعاتهم نحو الصدام، - وأحياناً الفشل -،وبالتالي - فإن الجهاد - اليوم - يحتاج إلى دراسة، ورؤية استراتيجية ؛ لبيان الجهاد الإيجابي، وتجاوز السلبيات التي تقود إلى الفشل».

إن تضييع الشرائع بسبب ممارسات أتباعها الخاطئة، وتطبيقاتها على الواقع، قد يسبب كثيرا من الاختلاف، والافتراق، التي قد تضر الأمة، والدعوة، من حيث أراد أصحابها نفعها. وقد تدفعهم تصوراتهم القاصرة إلى أعمال غير منضبطة بضوابط الشرع، فيستباح الحمى، وترخص الدماء، وتهون الأمة عند أعدائها. وتأمّل على سبيل المثال: خروج بعض الشباب إلى مواقع الجهاد دون إذن ولي الأمر، ودون علم، وبصيرة بعواقب الأمور، ودون الرجوع إلى أهل العلم الربانيين، كيف أدى بهم من السوء على أنفسهم، وعلى بلادهم - ما الله به عليم -، وربما أودت بالدعوة من أصلها. وهذا ما يجعلنا نؤكد، على أن الجهاد في هكذا حالات، لا يعود على مقصوده، وهو إعلاء كلمة الله، وإعزاز دينه، وأهله إلا بالنقض، كقتل المسلمين، وسبى نسائهم من غير مصلحة لهم.

إن حماية النظام العام للدولة، لا يكون إلا بدرء الفتنة عنها، ومنع البغي الذي قد يحدث داخلها، عندما يهدد أمنها، وكيانها، ونظامها؛ ولأن الأحداث قد تتكشف عن أمور غير متوقعة، فإن الإيجابية تستدعي وحدة الرأي، والنظر، ضمن منهج بناء متكامل ؛ لتتوازى فيه كل الجهود المخلصة، وتتوافق فيه كل الاجتهادات الصائبة ؛ من أجل درأ المفاسد، وجلب المصالح في حدود الإمكان، والطاقات البشرية. وهذا المعنى، هو الذي ختم به معاليه حديثه، بأن: « تعقيدات الحياة، وتداخلها، وتشابكها، تتطلب أن يكون هناك عمل مؤسسي، وأن يكون القرار لولي الأمر، وليس لغيره، كون ولي الأمر لديه مصادر المعلومات، والاستخبارات، والتقييم السياسي، والاقتصادي - الداخلي والخارجي -، وهو وحده يستطيع تقدير مصالح الأمة «.

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

مقالات أخرى للكاتب