Thursday 19/06/2014 Issue 15239 الخميس 21 شعبان 1435 العدد
19-06-2014

الاستيطان .. الحلم الإسرائيلي وخفايا الصراع

من يملك ذاكرة جيدة أو حديدية كما يقال، لا بد أن يتذكر خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي ألقاه يوم الخميس الرابع من يونيو للعام 2009م الموافق (11 جمادى الآخرة 1430هـ)، من مسرح القاعة الكبرى في جامعة القاهرة بمصر، وكان موجهاً إلى العالم الإسلامي، وذلك بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

لن أشغل بالكم لاستحضار عناصر ذلك الخطاب (التاريخي) كما وصفه بعض الإعلاميين العرب المتفائلين. ولكني سأستحضر جزئية تتعلق بـ(الصراع العربي الإسرائيلي)، وهي مسألة المستوطنات الإسرائيلية، أو بلفظ آخر المستعمرات اليهودية، أو المغتصبات الفلسطينية.

لقد طالب أوباما في ذلك الخطاب الدول العربية بمساعدة الفلسطينيين على الاعتراف بـ(شرعية) إسرائيل، مؤكداً أن مبادرتهم للسلام بداية مهمة، ولكن ليست نهاية مسؤولياتهم. والمقابل حسب الخطة الأميركية رفض (استمرار المستوطنات)، ولك أن تلاحظ أنه لم يطالب بـ(إزالتها)، رغم أنها غير قانونية بقرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة، كالقرار الشهير رقم (449) الصادر العام 1979م. لذلك فالمستوطنات ما زالت مستمرة وبوتيرة أقوى من أيام 2009م، وهو العام الذي ألقى فيه أوباما خطابه.

فما قصة هذه المستوطنات؟ التي أصبحت عقدة مفاوضات ما يسمى السلام، ولماذا دولة الكيان الصهيوني تعتبر الاستيطان ركيزة أساسية في إستراتيجية احتلال فلسطين وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، أو الحلم التوراتي؟ وما علاقة الاستيطان بالتسوية السلمية وبالذات اتفاقية أوسلو؟. البحث في خبايا أجوبة هذه الأسئلة سيكشف فشل السياسة العربية في طريقة إدارة الصراع مع الإسرائيليين، كما يكشف سبب العجز الأميركي والغربي عموماً في وقف الاستيطان الصهيوني، وأن الغرب بشقيه (الأميركي والأوروبي) شريك في تمادي إسرائيل بهذا الاستيطان لفرض سياسة الأمر الواقع، الرامية إلى تغيير التركيبة السكانية لصالح المشروع الصهيوني.

فقبل أيام أصدر نتنياهو قراراً ليس جديداً ولا مفاجئاً، ألا وهو بناء أكثر من 1500 وحدة سكنية في إطار عزم الحكومة الإسرائيلية بناء أكثر من 3000 وحدة سكنية استيطانية رداً على حكومة الوفاق الفلسطينية، ما يوسع الاستيطان اليهودي على حساب الأراضي الفلسطينية ويُحرج الغرب وبالذات الإدارة الأميركية، التي راحت تتأسف -كالمعتاد- في تصريحاتها السياسية. وعندما أقول: (الأراضي الفلسطينية) فليس إقراراً بشرعية الاحتلال بأن هناك أراضي غير فلسطينية، إنما لأن واقع الاستيطان تم على ثلاث مراحل تاريخية خلال عقود الاحتلال الصهيوني لفلسطين (من بدء الطلائع اليهودية وحتى المستعمرات الصهيونية). لهذا فعندما تسمع الساسة العرب، أو دعاة السلام مع إسرائيل، أو مسوقو التطبيع مع الصهاينة وهم يتحدثون عن (الاستيطان في الأراضي الفلسطينية)، فهم يقصدون ما بعد نكسة حرب 1967م، التي أفضت إلى احتلال القدس والضفة وغزة والجولان. وهم بذلك يستبعدون أراضي فلسطين الأخرى، التي تأسست عليها ومازالت دويلة الكيان الصهيوني، بإعلان قيام دولة إسرائيل العام 1947م، ومن ثم حرب النكبة العام 1948م.

وباستعراض تلك المراحل الثلاث فإن الاستيطان اليهودي بدأ في نهايات الخلافة العثمانية، ومروراً بالاحتلال البريطاني لفلسطين حتى إعلان قيام إسرائيل، حيث بدأ فعلياً العام 1920م، وهذه الفترة تمثل المرحلة الأولى. المرحلة الثانية بدأت من حرب النكبة وحتى حرب النكسة أي قرابة 20 عاماً. أما المرحلة الثالثة فهي منذ هزيمة العرب بحرب 1967م، وحتى يومنا هذا، وهي الفترة التي شهدت حركة استيطانية واسعة في القدس والضفة والقطاع، وعلى مستوى جميع الرؤساء الإسرائيليين، الذين كانوا يتسابقون في تأكيد ولائهم لإسرائيل، سواء بتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، أو دفع عجلة الاستيطان الذي نشط بشكل كبير حول المدن التي يزعم اليهود أن لهم حقاً تاريخياً فيها.

لهذا فالعرب والفلسطينيون من مؤيدي عملية السلام والمفاوضات مع الإسرائيليين لا يرفضون الاستيطان ما كان قبل العام 1976م، إنما ما بعد هذا التاريخ، على اعتبار قبولهم بـ(مبدأ حل الدولتين) الذي أعلن بتوصية أممية العام 1947م، ومن ثم أعيد إحياؤه وتأييده من قبل الإدارة الأميركية في ولاية جورج بوش الابن العام 2001م، وعلى أساس هذا القبول العربي فإن أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة، هي التي احتلت عام النكسة، وتحديداً (القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان). هذا هو الموقف العربي (الرسمي) الذي أعلن بشكل واضح في قمة بيروت العام 2002م، بمبادرة شهيرة هي العلاقات مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة العام 1967م. ولكن ما موقف إسرائيل والغرب من هذا الموقف أو تلك المبادرة؟

الغرب رحب كما هو متوقع، ولكن إسرائيل رفضت المبادرة على لسان المجرم شارون، لأن كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعتبر الاستيطان إستراتيجية أولى وركيزة أساسية بالنسبة لدولة إسرائيل من ناحيتين، الأولى أن وجود المستوطنات وتمددها يهيئ الأرضية الجغرافية ويمهد السيادة السياسية لقيام دولة إسرائيل الكبرى، والناحية الأخرى أن البؤر الاستيطانية والمستعمرات الصهيونية تُسهم بشكل فعال في تمزيق النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني، وهذا يتضح من واقع خطط بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، ففي الضفة الغربية تصبح مناطق السلطة الفلسطينية معزولة داخل الممرات الإسرائيلية، التي تربط المستوطنات، وفي القدس تكرس لتهويدها وتذويب الوجود العربي الإسلامي. لذا فالمتمعن في الرؤية الإسرائيلية للاستيطان يجد أنها تقوم على ركيزتين، طرد الفلسطينيين من أراضيهم وهدم بيوتهم، وإحلال الإسرائيليين مكانهم، من خلال ثلاثة أساليب، عن طريق الاستيلاء على أرض صاحبها غائب، أو وضع اليد عليها بحجة أنها من أملاك الدولة، أو مصادرة الأرض أو البيت بحجة المصلحة العامة كبناء جسر، أو تعبيد طريق أو غير ذلك. والغريب أن أكبر حركة مصادرة للأراضي تمت عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد العام 1979م.

أما على مستوى إحلال الإسرائيليين فيتم من خلال تقديم حزمة من الامتيازات المالية والوظيفية للسكان والعاملين في المستوطنات، فضلاً عن أن الحكومة الإسرائيلية تركز على ثلاثة اعتبارات طبيعية عند وضع خطط بناء المستوطنات، المياه، والأرض الزراعية الخصب، والحجارة، بحيث تكون مقومات اقتصادية للمستوطنات.

بعد كل ذلك تبدو الصورة واضحة تماماً، فالعرب عاجزون تماماً عن إيقاف الاستيطان السرطاني، سواء بسبب حالة الاضطراب التي تعيشها كثير من بلدانهم، أو بسبب ضعف الموقف العربي الرسمي من واقع مؤامرات قممهم، وبالتالي انعكس ذلك على الموقف الفلسطيني الذي مازال يعيش تداعيات حالة الانقسام بين فتح وحماس، في المقابل، الغرب لا يريد الضغط على دولة إسرائيل أو إجبارها على تغيير سياساتها بحكم التزاماته التاريخية بحماية وجودها، والصهاينة ماضون في الاستيطان، خصوصاً أن اتفاقية أوسلو الموقعة 1993م، لا تنص على منع بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات الحالية كما يقولون. لذا لا تصعق إذا علمت أن إسرائيل استهدفت استيطان 800 ألف يهودي حتى العام 2012م، ونحن الآن في منتصف العام 2014م وعليك الحساب.

moh.alkanaan555@gmail.com

تويتر @moh_alkanaan

مقالات أخرى للكاتب