Friday 20/06/2014 Issue 15240 الجمعة 22 شعبان 1435 العدد
20-06-2014

الموصل: البرهان الساطع على طائفية المالكي

لو تخيلنا ما يحدث في العراق على أنه مسرحية من الميلودراما السوداء لكان ما حدث في الموصل هو نقطة التنوير التي تفك ما خفي من الغاز وأحداث المسرحية، التي بطلها بدون منازع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. نقطة التنوير هنا تثبت لمن كانت لديه شكوك حول طائفية المالكي

بأن طائفيته كانت هي السبب الأول والأخير لما حدث في الموصل وما يحدث في العراق من مآسٍ يندى لها الجبين. وإلا فكيف لجيش نظامي بحجم الجيش العراقي ذو التاريخ العريق أن يفر أفراده تاركين خلفهم مدينة بحجم مدينة الموصل أمام تنظيم إرهابي يدعى الدولة الإسلامية للشام في العراق والشام.

بيد أن محاولة فهم ما حدث في الموصل يستدعي تفكيك الصورة الكاملة لما حدث إلى محاور أربعة رئيسة لفهم مكنوناته، وهذه المحاور هي وحسب الترتيب المنطقي للأحداث هي الدور الأمريكي، الدور الإيراني في تخريب العراق، طائفية المالكي وبالبزوغ المثير للشك والريبة للدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش «. ومع الترتيب المنطقي لتسلسل الأحداث بمحاورها الأربعة التي تتقاطع بين بعضها البعض، ومع ذلك تبقي حقيقة واحدة بأن جوكرها وعرابها هو رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

تدخلت أمريكا في العراق وكان ثمن تدخلها فاتورة غاية في الضخامة سواء بعدد جنودها الذين قتلوا أو جرحوا، أو بتكاليف الحرب التي بلغت مئات البلايين من الدولارات. وأثرت حربها في العراق على اقتصادها الوطني وما يزال هذا التأثير قائماً. وكان أحد شعارات حربها بأنها ستجلب الحليب والعسل وديمقراطية ستحسدها عليها شعوب المنطقة، للشعب العراقي المغلوب على أمره. لينتهي الأمر بانسحابها بعد كل هذه التكاليف الباهظة تاركةً ورائه العراق فريسة للإيرانيين وساسة طائفيين لا هم لهم سوء مصالحهم الشخصية التي لا تبني بلاداً ولا تنصف عباداً. ولعل هنا يطل سؤال في غاية الأهمية وهو لماذا ضحت أمريكا بكل هذه التضحيات لتنسحب من العراق وتسلمه لإيران التي زاره رئيسها السابق محمود أحمدي نجاد تحت الحراب الأمريكية، وقبل انسحابها منه!؟ ما هي الإستراتيجية الخفية من وراء تدخل أمريكا في العراق ومن ثم انسحابها منه وتسليمه لإيران!؟ لعل جزء من الإجابة على هذا التساؤلات يكمن في ثلاث نقاط هامة وداله، الأولي وهي أنه وبعد ما حدث في الموصل من فرار لميلشيات المالكي أمام داعش تحدث الرئيس الأمريكي باراك اُوباما من أمام البيت الأبيض لوسائل الإعلام موضحاَ بأن هناك دلائل علي انهيار في معنويات الجيش العراقي وبأنه ليس هناك نية للتدخل لدى أمريكا عسكرياً في العراق. النقطة الثانية وقبل أن يستوعب الجميع تصريح الرئيس أٌوباما حول استبعاد تدخلاً عسكرياً أمريكياً في العراق، أرسلت أمريكا سفينة لمشاة البحرية الأمريكية لمياه الخليج تتبعها بوارج حربية وسفن مساعدة. النقطة الثالثة ولعلها مفاجأة المفاجآت وهي ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن الولايات المتحدة تضع في عين الاعتبار التعاون العسكري مع إيران في ما يخص بالوضع العراقي. كل هذه النقاط لعلها تعني بان المرحلة الثانية من الإستراتيجية الأمريكية بالتعاون مع إيران في الشأن العراقي انتقلت من مرحلة السرية للعلنية.

بالنسبة للدور الإيراني في العراق لعل المحرك من وراءه حقد لا يعرف نهاية ضد العراق بسبب الحرب التي نشبت بين البلدين في حقبة الثمانيات واستمرت لثمان سنوات، لم تضر البلدين فقط بل منطقة الخليج العربي قاطبة. ووجدت إيران في المالكي كنزاً حقيقاً لتنفيذ مخططاتها الانتقامية من العراق، ففتح لها أبوابه مشرعة لتنفذ فيه ما أرادت بعد أن استلمت فيما يبدو توكيلاً أمريكياً في المضي قدماً نحو تقويض آمن العراق وجعله يدور في دوامة من العنف والاضطرابات لا نهاية لها. ومع أحداث الموصل صرحت علناً بأنها ستقوم بتقديم كل أنواع الدعم العسكري لحليفها القابع في بغداد. وقطعاً سال لعاب قادة طهران بعد الإعلان الأمريكي الذي فاجأ الجميع حول تعاونهما معاً في الشأن العراقي، والأيام القادمة قطعاً مترقب لها أن تكون مليئة بالتطورات منذرة بصيف شديد السخونة.

المحور الثالث والأهم لما آل إليه العراق من فوضي عارمة هو شخصية المالكي التي تتصف بعلامتين فارقتين هما لب وأساس لكل ما يشهده العراق من أحداث قوضت أمنه القومي وسلمه الاجتماعي، العلامة الأولي كونه طائفياً حتى النخاع، ولم ينكر طائفيته ابدأ، وشاهد الجميع ذلك في حملته على الأنبار التي وصفها بالمقدسة وبأنها صراع بين أنصار الأمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه وبين أنصار يزيد، فضائع مليشياته في ديالي وتلعفر والفلوجة والردمادي والصقلاوية وقائمة لا تنتهي من المناطق العراقية. العلامة الثانية كونه إسقاطياً، بمعني أنه يسقط فشله الذريع في حكم العراق على الآخريين سواء ممن وصفهم بأنهم عملاء من سياسيين وعسكريين عراقيين، ودور لدول المنطقة التي تقاضت عن إساءات المالكي وأعلنت جميعها مساندتها لوحدة التراب العراقي مؤكدة بأن الإقصاء هو من وما يزال من وراء كل ما يشهده العراق من قلاقل لا ترضي أحداً. وفوز ائتلاف المالكي بالانتخابات البرلمانية الأخيرة وما شابها من عوار لعل أبرزه عدم مشاركة جزء واسع من الشعب العراقي في التصويت بسبب استحالته من خلال حملات ميلشيات المالكي المدبرة لإقصاء شريحة واسعة من الشعب العراقي في حقها في التصويت. وكان رد فعله على أحداث الموصل المزيد من التصعيد الطائفي وصب الزيت على النار وفتاوى محرضة وأطفال مغرر بهم يحملون الأسلحة، بدون أن يعوا بأن من يحرضهم يقودهم ويقود العراق إلى شفا حرب أهليه طاحنة يكون تقسيم العراق هو نتيجتها الطبيعية. ولا بد من الإشادة هنا بالدور العاقل المتزن النابع من غيره وطنية خالصة تضع مصلحة العراق فوق كل مصلحة أخرى، وذلك فيما جاء في بيان علماء العراق الذي دعي إلى تحكيم العقل والبعد عن التحريض المسيس الذي يقود العراق نحو الكارثة، خصوصاً والمشهد السوري المأساوي ما زالت نتائجه المفجعة أمام الأنظار.

برهنت أحداث الموصل بأن السحر انقلب على الساحر، وبان طائفية المالكي ارتدت إليه, ومع هذا لا أحد لديه ذرة عقل ومنطق وإنسانية يبرر الطائفية من أي طرف كان فهي بغيضة، مُنته لا ينتج عنها سوى الخراب والدمار. يبقى سر الظهور السريع والمتسارع للمحور الرابع الخاص بالأزمة العراقية والمتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش»، أمراً محيراً فكيف تمكن هذا التنظيم الذي لم يكن يُسمع عنه إلا لماماً وبين الفينة والأخرى، بأن يصبح وفي أقل من سنة تنظيماً في غاية القوة والوحشية مكنته من إسقاط إحدى أكبر المدن العراقية، ومن ثم الزحف نحو العاصمة نفسها، ومع تصاعد لقوته ومقدرته على الساحة السورية، واضحى يمثل هاجساً أمنياً لكل دول المنطقة.

أخيراً، تبقي مشكلة العراق الكبرى هي شخصية المالكي الطائفية الإقصائية الإسقاطية التي تقود العراق إلى المجهول وحرب طائفية لن تبقي ولن تذر. شرب المالكي حليب السلطة وببدو جلياً أنه لن يفطمها لا في القريب العاجل ولا في المستقبل المنظور، ليبقى العراق على فوهة بركان شديد الانصهار، لا يُعرف متى وأين سيثور.

Alfal1@ hotmail.com

باحث اعلامي

مقالات أخرى للكاتب