Friday 20/06/2014 Issue 15240 الجمعة 22 شعبان 1435 العدد

عيون متدفقة منذ عشرات السنين وبحيرات جافّة عمرها 40 ألف سنة

رحلة أكاديمية لقسم الجغرافيا بجامعة القصيم إلى عيون الأسياح التاريخية

الأسياح - تركي الفهيد:

قام قسم الجغرافية بجامعة القصيم خلال الفصل الدراسي المنصرم - في إطار نشاطه العلمي السنوي - برحلة إلى محافظة الأسياح 50 كم شمال شرقي مدينة بريدة بالقصيم، و(الأسياح): عيون تسيح مياهها على وجه الأرض دون رافع أو دافع، وكانت تسمى قديما باسم «النباج» والنباج قبل الإسلام مورد ماء ترده القوافل العربية، وبصفة خاصة قبيلتا عبس وتميم، ووقع فيها العديد من المعارك بسبب صراع القبائل على الماء.

وتعد محافظة الأسياح الآن البوابة الشرقية لمنطقة القصيم، وهي الوجهة المفضلة لهواة الرحلات البرية؛ نظرا لتنوع تضاريسها ووجود النفود (الكثبان الرملية) والأودية والبحيرات القديمة والطبيعة الخلابة، وكذلك العيون التي يسيح ماؤها على وجه الأرض، فضلا عن الرياض الجميلة مثل روضة عين بن فهيد، وروضة حمام في التنومة، وروضة أبا الورود، وروضة حنيظل، وغيرها من الرياض الجميلة التي يمتلئ بعضها بالمياه على مدار السنة، وحاضرة الأسياح هي مدينة عين بن فهيد، ويبلغ عدد سكان المحافظة والقرى التي تخدمها البلدية أكثر من 27 ألف نسمة كما يبلغ عدد المساكن أكثر من 5 آلاف، وكان للدكتور أحمد بن عبد الله بن محمد الدغيري أستاذ (الجيومورفولوجيا) والاستشعار عن بعد المساعد ورئيس قسم الجغرافيا بجامعة القصيم حديثا حول الرحلة وأهدافها، هذا الموجز.

أهداف الرحلة

زيارة بلدية محافظة الأسياح للوقوف على الخطة الإستراتيجية لتطوير المحافظة، التي على ضوئها يتمكن قسم الجغرافية من تحديد ما يمكن أن يقدمه وما يمكنه الإسهام به في المجالات التنموية من منظور أكاديمي تطبيقي.

وترسيخ سياسة الجامعة والقسم في التعاون مع المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، والدفع بالخطة الإستراتيجية للجامعة إلى حيز التطبيق على أرض الواقع بما يخدم المجتمع، ويرتقي بمستوى التنمية البيئية.

رغبة أعضاء القسم في التعرف على مقومات التنمية الشاملة ومعوقاتها في هذه المحافظة المتميزة، وذلك من خلال دراسة أوضاعها الجغرافية الراهنة، وتتبع تطورها الجغرافي والتاريخي والأثري من خلال القرى والقصور القديمة، التي مازالت صامدة تتحدى الزمن وتنطق بعبقرية الموقع الجغرافي المتميز في الماضي والحاضر.

الوقوف على النظام (الهيدرولوجي) القديم للمحافظة من خلال دراسة العيون المائية القديمة، وما آلت إليه أوضاعها، وهل يمكن إعادتها للخدمة والاستفادة منها إذا ما دفعتنا الضرورة لذلك؟ خاصة وأن بعضها مازال يعمل بكفاءة عالية، وسيظل محورا من محاور التنمية الزراعية بالمحافظة.

الرغبة في دراسة بعض الظواهر الطبيعية داخل المحافظة وفي محيطها مثل الكثبان الرملية التي تبدو بشكل مثالي، وذلك لمعرفة الثابت منها والمتحرك الذي يمثل خطرا أو تهديدا مباشرا لعمران المحافظة وأنشطتها الاقتصادية، فضلاً عن دراسة البحيرات القديمة التي كانت تزخر بالمياه والكائنات الحية، والتي يمكن الاعتماد عليها من منظور أكاديمي تطبيقي في فتح مغاليق الماضي، والتخطيط للحاضر والمستقبل على أسس علمية راسخة.

وقد وصل فريق العمل بلدية المحافظة وكان في استقبالهم عبد العزيز الهبدان (رئيس بلدية محافظة الأسياح) وعبد الله بن صالح الفهيد (عضو المجلس البلدي) وصالح بن عبد العزيز الزيد (مدير فرع الزراعة بالأسياح).

خطوات الزيارة

في البداية رافق رئيس البلدية فريق العمل بزيارة لسد مارد الحديث والقديم» الذي يقع شمال روضة عين بن فهيد التي تتجمع بها مياه الأودية القادمة من الشمال، ونظرا لخطورة السيول وحماية لقصر مارد قام سلطان مارد بإنشاء هذا السد لحماية قصره، ولحجز المياه للاستفادة بها في مجال العمل الزراعي، وأقيم السد الحديث في نفس موقع السد الأثري القديم، وهذا بلا شك يعكس دقة اختيار موقع السد القديم، وقامت البلدية بإنشاء متنزه الأمير فيصل بن بندر بجوار هذا السد.

ثم توجه بعد ذلك فريق العمل لزيارة بعض القرى والقصور القديمة ومعظم العيون المائية القديمة أبرزها: عين بن فهيد: التي حفرها محمد بن فهيد في فترة حكم الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، ثم حفر أبناؤه وأحفاده من بعده عشر عيون أخرى، مازال بعضها يفيض بالمياه حتى الوقت الحالي.

ثم انتقل فريق العمل لزيارة قصر مارد الذي تفوق على أمثاله من القصور في المحافظة من الناحية الهندسية، وهو بالفعل من المواقع الأثرية المميزة التي يرجع تاريخها لزمن الدولة العثمانية، ويقع هذا القصر شرقي عين بن فهيد، كما زار فريق العمل عددا من القرى القديمة مختلفة الطراز المعماري، أبرزها قرية التنومة القديمة، وهي أقدم قرى الأسياح على الإطلاق، وفيها حدثت موقعة التنومة الشهيرة. ثم توجه فريق العمل إلى زيارة نفود المظهور وتلك القيعان الفاصلة بينها وتمت زيارة مواقع بعض البحيرات (البليستوسينية ) البائدة والتي كان لقسم الجغرافيا قصب السبق (عام 2011) في تحديد أعمارها ودراستها دراسة تفصيلية تضمنت تحديد فترة نشاطها الذي قدر بـ 32-40 ألف سنة مضت (Aldughairi, 2011 حيث كانت أرض الاسياح تعج ببحيرات شاسعة، وهنا عرض الدكتور الدغيري نتائج دراسته موضحا أبعاد تلك البحيرات، وأعمارها، وشواطئها القديمة وخصائصها الهيدرولوجية، وكل ما يتعلق بالظروف البيئية المحيطة بها آنذاك، غير أن أهم الظواهر التي استحوذت على الانتباه (والحق أنها جديرة بذلك) هي ظاهرة العيون المائية الطبيعية (ينابيع الطوفا Tufa) الموجودة بقيعان تلك البحيرات، التي قال الدكتور الدغيري عنها بأنها كانت عيوناً نضّاحة تندفع منها المياه وتملأ تلك البحيرات إبان الفترات الرطبة التي عمت أرض الاسياح والقصيم بعامة قبل مايقارب10 آلاف سنة مضت، وحيث هي في الزمن المعاش يتراكم حولها تكوينات معدنية متعددة منها الكوارتز وكربونات الكالسيوم (10%)، ويشكل الجبس نحو (84%) من تلك التكوينات، وهذه المعادن انطلقت مع المياه المتدفقة كمواد ذائبة، ثم تماسكت واندمجت حول تلك العيون إبّان مراحل جفاف البحيرات ونضوب مياه العيون قبل ما يقارب 5000 سنة (Aldughairi, 2011 والواقع أن تلك العيون تعكس تطورا هيدرولوجيا وجيومورفولوجيا لا تخطئه عين المتخصص، ولا يرتاب في تميزها وقراءة تطورها، فالحاضر مهما بلغت حداثته يظل مفتاحا للماضي مهما بلغ بعده وقدمه، وفي جانب آخر من الرحلة عرض الدكتور الدغيري لتطور نفود الثويرات والمظهور واصفا إياها بأنها كثبان رملية طولية وقبابية كانت في قمة تراكمها وبنائها أبان الفترات الرطبة العائدة إلى خمسين ألف سنة مضت حيث كانت الرمال أشبه ما تكون ببيئة غنية بالغطاء النباتي والاحراج وتحوطها تلك البحيرات المذكورة أنفاً.

والواقع أن هذه الرحلة توافرت لها مقومات النجاح بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم معاونة المسئولين في البلدية وفرع الزراعة بالأسياح، ولهذا حققت الرحلة كل الأهداف التي خرجت من أجلها، ويسعى القسم في الوقت الراهن لوضع إستراتيجية أكاديمية توجه لعلاج معوقات التنمية الشاملة في تلك المحافظة، من خلال أبحاث تطبيقية جادة، وإدراج تلك المعوقات كمحاور دراسية لبرنامج الماجستير المعمول به في القسم.