Monday 23/06/2014 Issue 15243 الأثنين 25 شعبان 1435 العدد

إلى المهندس الإداري التحويلي وزير الصحة بالتكليف

د. علي بن فارس العمري

لقد ظلت ومازالت جهود المخلصين في وزارة الصحة حثيثة في تحقيق رضا المواطن ولكنها لم تفلح، وظل المسؤولون يعيشون في دوامة إرضاء العاملين وتم تغيير سلم الرواتب ومنح الأطباء بدلات التميز ولم يفلح تغيير سلم الرواتب في تحسين الخدمة وتحفيز العاملين وأصبحت النتيجة شماعة أن الوزارة طبيعة عملها خدمية ولن تفلح في تحقيق رضى المستفيدين مهما كانت الخطط، فهل يفلح المهندس في صناعة تجربة جديدة وثقافة جديدة كما فعل في وزارة العمل، من وجهة نظري يستطيع ذلك إذا مارس ذات الدور وذات الفكر وذات الرؤية في وزارته الأولى التي كانت مبنية على القيادة التحويلية وليست التطويرية والترقيعية وهو ماجعل معالي المهندس الأقرب لدور المنقذ و الخبر الأسعد للمواطن والعامل الصحي على حد سواء.

معالي الوزير كنت وزيرا تحويليا في وزارة العمل فهل ستفعلها في وزارة الصحة كما يريدها خادم الحرمين رعاه الله؟ هل ستترك بصمة تذكرها الأجيال ويسجلها التاريخ ؟ هل سترفع ليست المعاناة الظاهرة على السطح كنقص الأسرة بل معاناة عميقة تحت السطح لن تعلمها إلا إذا كنت شخصا فقيرا لا يعي حقوقه ولا يعرف طريقه وليس لديه معرفة أو محسوبية ليجد العناية الصحية الكافية؟ معالي الوزير أدناه إحدى عشرة نقطة تحتاج ذهنك الصافي وعبقريتك المعهودة أسأل الله أن ينفع بها، لم أجمعها من خبرتي الطويلة في مجال الطب العلاجي والوقائي وإنما بسبب اهتمامي بالفكر الابتكاري في المجال الصحي.

أولاً: احذر يا معالي الوزير من الوقوع في فخ هالة التخصص الطبي التي تفرض عليك طاعة المختصين الفنيين باعتبار أنك غير طبيب فمعضلة الوزارة ليست الجانب الفني فقد كفتنا المعايير العالمية ذلك وماعلى كل جهة صحية إلا الالتزام والتنفيذ، ولا أظن أن منظمة الصحة العالمية عندما زارتنا بسبب كورونا أضافت شيئا جديدا إنما أخبرتنا اننا غير ملتزمين بالمعايير، وهذا جانب فكري ومهني وبناء عليه لن يحل معضلة الوزارة مقترحات المختصين والمنظمات العالمية وإنما أصحاب الفكر الابتكاري والمهني أيا كان مصدره ولو كان المختص قادرا على التغيير للمسه المستفيد منذ سنوات.

لقد لمس المستفيد والوطن على حد سواء خدمات وزارة العمل لأنها قائمة على الفكر الابتكاري والمهني وقوة التنفيذ ولا أخفيك سرا يا معالي الوزير ان لدي شعور انك ربما تقع في فخ هالة التخصص الطبي المشار اليه خاصة بعد تجاوبك مع عدد من الأطروحات النفعية المغطاة بهالة التخصص الطبي.

ثانياً: حديث المهتمين بترهل الوضع الصحي وتذمر المواطن من الخدمات الصحية يدور حول وجود فلان وعلان ومع تأكيدي على أهمية التغيير والتقييم والمحاسبة ولكن التجربة أثبتت ان تغيير القيادات فقط لا يكفي لأي وزير أو مسئول وإنما على الوزير ان يعلن عن تغيير تحويلي في الأنظمة قائمة على الابتكار وصوت المراجع ونابذا للفكر التقليدي، فمن يستطيع ذلك يبقى، ومن لم يستطع يقال، وهذه رسالة تدل على ان زمن لبس البشوت والعناية بجمال المكاتب والاحتفالات قد ولى ومما يسهل تنفيذ هذه النقطة دراسة ميدانية تشخص قوة فكر وابتكار القيادات الصحية الحالية تمهيدا للتغيير المطلوب وأظنك فعلت ذلك في وزارة العمل فهل ستفعله في وزارة الصحة؟.

ثالثاً: معالي الوزير سأفصح لك عن سر واحد فقط من خمسة أسرار ربما لا يدركها من يقبع في برج عاجي يدير قسمه او إدارته الصحية وهو ان هناك سلوكيات غير مهنية قد تنحصر في قسم وقد تضرب منشأة صحية برمتها وخاصة المشهورة منها وأقصد بالجانب المهني سلوكا خارقا لميثاق المهنة ويمس أمانة ووطنية العامل، وهناك طريقة كفيلة بالتشخيص السريع لهذا الوضع وهي بمجموعات التركيز للخط الأول للخدمة والمستفيدين على حد سواء، وهذه الطريقة طريقة معتبرة في البحث العلمي ودرجة مصداقيتها عالية.

رابعا : ملف التأمين للأسرة السعودية يحتاج من يحسمه برؤية استراتيجية تأخذ في الاعتباركافة الاحتمالات وتغلق كافة الثغرات وتحتاط لكافة المشاكل ولا تلتفت لأي طرح أو فكر تقليدي وإنما فكر هندسي وأنت لها يا معالي الوزير، ومما يسهل تحقيق ذلك قاعدة الثلث، وهي ضم ثلث أفضل ما في نظام الشرق وثلث أفضل ما في نظام الغرب وثلث صناعة وطنية من خلال اجتماع خبراء الثلث الأول والثاني والثالث على طاولة واحدة كورشة عمل لا تقل عن شهر وتجربة في مدينة واحدة لعينة لا تقل عن مائة الف اسرة سعودية يندر تحركها خارج المدينة لمدة سنة لنعلن عن نموذج تأمين رائد خلال عام، يامعالي الوزير الا تستحق الأسرة السعودية ان يقدم لها ما قدم لملايين غير السعوديين في ضمان خدمة صحية كريمة.

خامساً: الكيف أهم من الكم وكلاهما مهمان الا ان معظم تقارير الإنجاز في الصحة تجدها عن الكم، وفي الصحة أيضا مصلحة المريض يجب أن تسبق مصلحة الطبيب والعاملين الصحيين وكلاهما مهمان الا ان معظم الأطروحات تركز على منافع العاملين، يا معالي الوزير مكتب تنسيقي احترافي في مدينة أو قرية خير من خدمة تضر بالمريض او فيها هدر في المال العام دون جدوى، فالمواطن يسعى لأسباب الشفاء وليس لأحقية العلاج ,او دخول مستشفى مترهل او حاصل على شهادة الاعتماد بتمثيلية اثناء التقييم. معالي الوزير إذا مرضت او مرض والدك او والدتك هل ستتجه إلى أقرب مستشفى إلى منزلك حتى ولو كتب عليه معتمد ام ستتجه إلى الخيار الوحيد في ذهنك، إن الأمانة توجب أن يكون معيار خيارك هو معيار خيار المواطن في أي منطقة من مناطق المملكة، كما أكدت على ذلك توجيهات المقام السامي مرارا وتكرارا، ومما يسهل تحقيق ذلك مقترح تكوين مجالس إدارات للمراكز الصحية لكل مجموعة من الأحياء مبنية على معايير التنافس الربحي همها الأول ضمان وجود خدمة نوعية للمواطن ومصلحة المريض والتنسيق له وتسهيل خدماته التي يحتاجها خارج المركز ومواصلاته وسكنه في الموقع الأفضل لعلاجه داخل وخارج المملكة تزامنا مع تفعيل تخصص طب الأسرة لتقليل التكلفة على المدى البعيد وتحسين جودة الخدمة.

سادساً: الوقاية خير من العلاج وهنا تكفي الإشارة إلى المشروع الوطني الريادي (تاج الصحة الوقائي) الذي افتتحه خادم الحرمين منذ عدة سنوات ضمن مشاريع وزارة الصحة وتم اعتماده من منظمة الصحة العالمية وهو أكبر مشروع وقائي على مستوى الخليج بل على مستوى منظمة شرق البحر المتوسط صمم بطريقة علمية واحترافية للوقاية من السكري والضغط وارتفاع الدهون والتدخين وأمراض شرايين القلب والحوادث، وتم وضع مجسم له في أكبر دوار في مدينة البدء قبيل زيارة خادم الحرمين لها بمبلغ كبير, وقد اطلعت وتابعت كافة تفاصيله لروعته، هل يعقل يا معالي الوزير أن يهمل هذا المشروع الوطني الكبير والحيوي ولا يعلم عنه أحد الآن عدا عدد من العاملين في إحدى إدارات وزارة الصحة، إن أمر معاليكم بإحضاره من الأدراج إن كان مازال موجودا وتنفيذه للوقاية من الأمراض التي تفتك بالمجتمع سيجعل الوقاية من تلك الأمراض هدفا استراتيجيا حيث إن عدد الوفيات يوميا بالعشرات بسبب تلك الأمراض، ولمعرفة حجم الفجوة في التخطيط ما علينا سوى المقارنة بين حجم تلك الأمراض المزمنة الفتاكة والتحرك لها وحجم مشكلة كورونا والتحرك لها، إلا أنني في الوقت ذاته أعتز كطبيب سعودي ببرامج وزارة الصحة في مجال الأمراض المعدية والتطعيمات وصحة الأمومة التي أشاد بها الجميع.

سابعاً: القطاع الخاص عنصر حيوي في مسيرة التنمية لكن وضعه الحالي أساء لمهنة الطب والأطباء والمرضى على حد سواء وهذه الإساءة تتم اذا كان دور الوزارة إداريا ما بين صادر ووارد وليس دورا تنمويا لهذا القطاع في جانبه الفني والمهني، لقد حان الوقت يا معالي الوزير ان ينقل هذا الأمر لوزارة العمل مؤقتا ليشمله نظام نطاقات في الجانب المهني للمراكز الطبية حتى يعلم المواطن مهنية مقدم الخدمة ومما يسهل ذلك وضع حزمة من الدعم المالي والتنظيمي للمنشأة المهنية التي تمارس الطب المبني على البراهين ولديها نظام محاسبة لمن يستغل المريض او يقدم خدمة لا يجيدها كمرحلة أولى، يلي ذلك مرحلة التصفية علما أن المرحلة الأولى يمكن ان تنجز في أشهر كما هو الحال في إنجازات وزارة العمل المتلاحقة.

ثامناً: يا معالي الوزير هل يعقل أن تتجه كافة دول العالم المتحضر إلى التمركز في الخدمات التخصصية الجراحية الدقيقة وتتجه وزارة الصحة إلى توزيع التخصصات الجراحية الدقيقة في المناطق، أي منطق يريد ان يبرر تسهيل الوصول إلى الخدمة بهذه الطريقة على حساب ضمان الخبرة التراكمية الجراحية التي تضمن للمريض جودة الخدمة وتحسن حاله بعد الجراحة، هل يستطيع أحد ان يقدم لمعاليكم دراسة مثلا عن رأي المرضى ممن عمل لهم تلك الجراحات الدقيقة كجراحات العمود الفقري في تلك المناطق ما هو حالهم الآن، بل إنني على اطلاع على حالات جراحية دقيقة عديدة لم يكتب لها النجاح في مراكز متخصصة وتدعي الخبرة القديمة، بل عدد من تلك المراكز لم تستطع ان تقوم بدورها الدقيق داخل العاصمة فأين أمانة من يسمح بعمل جراحات دقيقة في المناطق الحدودية بل ويتباهى بنجاح واحدة منها؟ اذن ما هو الحل ؟ الحل يا معالي الوزير هو الأمانة العلمية في اتباع المعايير والتوصيات العالمية وليس الأهواء الشخصية، في كندا التي مساحتها أضعاف مساحة السعودية وفي بريطانيا بدأ مشروع إغلاق التخصصات الدقيقة في المناطق وتم إلزام كافة الأقسام بإعلان نتائج جراحتها على مواقعها الالكترونية ونشر في ذلك عدد من المقالات العلمية التي أكدت ان وجود إخلاء طبي احترافي وخدمات مساندة له ومراكز محدودة متخصصة هي الطريق الأمثل والآمن للمرضى والأكثر جودة والأقل كلفة.

يا معالي الوزير هذه النقطة خصيصا أنقل الأمانة فيها من عنقي إلى عنقك لأنها مشارط جراحية تخترق أعصاب وقلوب وبطون المواطنين ومضاعفات لاحقة ومعاناة أسر دون دراسات حيادية لاحقة تقيم الأداء لتلك المنشآت التي تدعي الخبرة، بل إنني على اطلاع بتعيين طبيب ضعيف جراحيا رئيساً لقسم في منطقة لأن المختص الاحترافي رفض العمل في تلك المنطقة لأن عدد الحالات فيها قليلة وذلك قد يؤثر على خبرته الجراحية.

تاسعاً: تطرح وزارة الصحة منافسات ومشاريع بالمليارات ولا يلمس المستفيد التميز في التنفيذ فالكراسات المطروحة تقليدية بينما المبالغ خرافية، لماذا يصمم مستشفى الكبار بنفس تصميم مستشفى الأطفال واستراحة الكبار مثل استراحة الصغار بل ووجبات الطعام متشابهة، لقد شدني ذات مرة عندما وجدت في احد مستشفيات الأطفال العالمية أن عمال النظافة يرتدون ملابس السوبر مان الكرتوني اثتاء العمل ويضع الأطباء على انوفهم زنارا عند الدخول إلى المستشفى ستجد هذه الثقافة والأنظمة في المنشآت الحضارية فقط، يا معالي الوزير ورقة واحدة تضاف لكل كراسة منافسة بعنوان عشرة عناصر ابتكارية يلزم بها المنفذ للمشروع يستحقها الإنسان السعودي والمليارات قادرة على ذلك.

عاشراً: على الرغم أن هذه النقطة هي الأكثر تجربة ونجاحا على مستوى الأنظمة الصحية المتقدمة في العالم لكن لم يتبنها أي وزير إلى الآن وهي إلغاء المركزية وتحويل دور الوزارة إلى رقابي ومحاسبة ويمكن أن يتحقق ذلك بفصل ميزانيات المناطق واستقلاليتها ومنح صلاحيات الوزير لمديري الشؤون الصحية بالمناطق، هذا القرار يمكن الوزارة من توفير50 % من وظائف الوزارة كحد ادنى والاستفادة منهم في المنشآت الصحية الجديدة، هذا القرار التحويلي أحدث نقلة نوعية في طريقة الأداء والتقييم والمحاسبة والسرعة في حل المشاكل في أنظمة عديدة ومنذ فترة وعدد من اساتذتي في الصحة ينادون به وإني على ثقة انه سيمكن المواطنين والمجتمع والوزارة على حد سواء من محاسبة المناطق كما يذكي روح التنافس بين القيادات في المناطق علما أن إدارات الوزارة حاليا تأثيرها محدود في المناطق فمديرو الشؤون الصحية هم الأكثر صلاحية وتأثيرا في مناطقهم أكثر من وكلاء الوزارات وقادتها. ليتك تفعلها يا معالي الوزير فتربط مديري الشؤون الصحية بك لمدة عام فقط لتتمكن من الوصول الأسرع إلى احتياجات ورغبات المواطن.

إحدى عشرة: وقد جعلتها الأخيرة لأنها الخطوة الأولى في التخطيط وهي جمع مليون معاناة وفكرة من مليون مواطن ومريض من جميع مناطق المملكة ليخرج منها يا معالي الوزير مالم يخبرك به أصحاب التخصص أو المستشارون أو الخبراء العالميون او حتى منظمة الصحة العالمية، إنها الخطوة الطبيعية والأساسية في المجال الصحي لأي قائد تحويلي وإنك لتعجب من يخطط لرفع معاناة شخص ولم يستمع لمعاناته، ولا يحتاج هذا المشروع يا معالي الوزير إلى منافسة لاختيار شركة بمليار ريال لجمع المليون صوت بل فقط لثلاثة آلاف ريال تكلفة برنامج استقبال مليون رسالة تحوي معاناة أو مقترحا ليخرج منها مائة مشروع ابتكاري تحويلي يلمسة الوطن والمواطن وليس خططا وأوراقا رائعة في الأدراج وأرقام تواصل مجانية ومواقع الكترونية ربما ليست الاختيار الأمثل للتواصل مع المستفيد، كما هو الحال مع استراتيجية وزارة الصحة التي هي الأجمل والأروع ربما على مستوى العالم وأجزم أن 90 % من العاملين في كافة المناطق لا يعلمون عنها شيئا فضلا ان يعلمها ويلمس اثرها المستفيد، فإلى متى يا معالي الوزير ونحن منذ مائة عام كلما أتى وزير وعجز عن خطط التحويل السريعة وعدنا بخطة هي الحل الشامل ولكن بعد السنة الخامسة، سنة مغادرته للوزارة.

وختاماً: فإن تلك النقاط لا تقلل من جهود المخلصين الحالية في الوزارة كل بحسب قدراته الابتكارية والإدارية وجلده في المتابعة والتنفيذ الا ان هذه المرحلة والأمانة الملقاة على الجميع وأنا واحد منهم تتطلب أن نكون إيجابيين ولو بالكلمة فلدينا كل الإمكانات أن نكون الأفضل في ظل قيادة سخية داعمة والله يسدد خطاكم ويجعلكم مفاتيح للخير والسلام عليكم.

- نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع