Monday 23/06/2014 Issue 15243 الأثنين 25 شعبان 1435 العدد
23-06-2014

في أزمة المخاض العربي

حين يدرك الإنسان ما يريد، وحين يرى بعينه تحقق أو دنو تحقق ما يحلم به ويرغبه فإن أي قوة قاهرة تظهر لتعيده إلى ما قبل الإدراك والرؤية ستفشل حتما ولكن ليس بالسهولة أو السرعة الآمنة.

فمن الطبيعي حين يدرك الإنسان حاجته ورغبته ثم ينفعل لتحقيقها حتى يراها أو يتلمس ملامحها فإنه لاشك سيبقى مخلصا في سعيه لتحقيقها وحين تتم مواجهته بقوة أقوى منه لثنيه وردعه فإنه وبحسب مدى قناعته سيزداد إصراراً وعزيمة، وهذا القول ينطبق على الشعوب حين تستيقظ وتغضب ثم ترى ملامح طموحاتها تتحقق، وهو أيضا ما نراه راهن الوقت في أكثر من قطر عربي يعيش اليوم حالا مضطربة في أمنه واستقراره، وحينما ابتدئ بالإنسان ثم أتحول إلى الشعوب لأصف حالها فإنما أردت التزود بعلم النفس والاجتماع في فهم واقع مضطرب يعيشه اليوم وطننا العربي وصل في بعض الأحيان إلى حد تكميم الأفواه ومنع المختلف حتى وان لزم الحياد، بل إن تهمة الإرهاب التي صدرت في خضم الثورة الفرنسية (1789م) في عهد (ماكسمليان روبسير) الذي أعدم فيما بعد يعاد استصدارها اليوم، وهو فعل مأزوم يعبر عن طغيان حال من الفشل في الرؤية بشكل واضح أو ربما رغبة في التعامي عن الحقيقة للقفز عليها، الثورة الفرنسية التي دامت اثني عشر عاما من المآسي الإنسانية بين الثورة والثورة المضادة انتهت إلى نتيجتها المنطقية والطبيعية بانتصار إرادة الشعب الساعي لتحقيق طموحاته.

ولكن، وبعد أربعة قرون، الم يظهر التقدم في العلوم وتطوروعي الإنسان خيارا ثالثا يجنبنا خياري الانتصار والهزيمة لطرف على حساب الطرف الآخر؟

بلى، حين ينضم صاحب السلطة والنفوذ إلى تطلعات الناس ويتزعمهم لتحقيق هذه التطلعات فإن ذلك يحقق اللامنطق الذي تشترطه الثورات للنجاح ويختصر الزمن والمحن والتضحيات إلى أدنى درجاتها، لكن هذا يتطلب زعيما حقيقيا تصنعه وتزعمه الأفعال لا الشعارات، فالثورة في حقيقتها حالة غضب على واقع مرفوض، وإذا كان واقع كل شعب محكوما بسلطانه فإنه من غير المنطقي أن يتزعم صاحب السلطة الثورة على واقعه، لكن هذا حدث، حين رفض شارل ديغول تولي السلطة بعد فوزه بالانتخابات بنسبة ضئيلة فإنه اختار أن ينضم للشعب على السلطة فصار زعيما استطاع أن يحقق نتيجة كاسحة من الأصوات في انتخابات رئاسة الجمهورية، وحين اختار المهاتما غاندي أن يعيش واقع شعبه ويختار تطلعاته أصبح الزعيم الخالد للشعب، إذن هي علاقة نفسية واجتماعية بين الناس قبل أن تفصلهم الفئوية والنخبوية، والرسالة متى كانت صادقة عرفت طريقها إلى القلوب، لكن ما نراه بكل أسف هو استخدام السلاح والسجون والإقصاء وأحكام الإعدام بالجملة وكأننا في حالة تنظيف الكون من معكرات المزاج، إن الإنسان الفرد ليشعر وكأنه اختطف من واقع يرغب في إصلاحه إلى واقع لا منطقية له، وفي علم النفس فإن هذا يولد حالة من اثنتين، إما الاستسلام للاستلاب والهلوسة أو الخروج اللا إرادي عن المنطق والعقل إلى حد الانتحار، يقرر (غوستاف لوبون) مؤلف كتاب (روح الثورات) أن الخروج عن العقل والمنطق هو الشرط الأساسي للثورة، ويدلل على ذلك بتوافق الطبيب والفلاح والمهندس والزبال والقاضي والعسكري واليميني واليساري والملحد والمتدين في بوتقة واحدة لتحقيق هدف محدد، وهو في صورته هذه أمر غير منطقي لكنه حدث ويحدث ويتكرر حدوثه، الثورة الفرنسية والروسية في القرن الماضي والثورة التونسية والمصرية في وقتنا الراهن كلها توحدت في لا منطقية تجمعها، وإذا كنا نشاهد اليوم تفرق ثوار الأمس وتضادهم فليس ذلك إلا عودة للمنطق والعقل التنافسي الفئوي والنخبوي، البعض يراه نجاحا للثورة المضادة وعودة للوراء، وهذا أمر خيالي يلجأ اليه الرافض للتغير المستيقظ في وعي الشعب سعياً لإعادته للسبات من جديد بالسجن والقتل والإقصاء والزيف الإعلامي، أي انه يعيد بناء واقع مرفوض خرج المختلفون أصلا ضده بواقع اشد وأقسى، وكأنه بشكل لا إرادي يهيئهم من جديد للخروج عن المنطق والعقل والاتحاد مرة أخرى في مواجهته ولكن بشكل أقوى وأقسى.

الإنسان، الفاعل والمفعول به هو المتضرر، الشعب والسلطة والدولة هم المتضررون، الجميع إذن متضرر، فالخروج عن المنطق والعقل هو في الحقيقة ذهاب إلى المجهول بإصرار وعناد وإرادة قد نقول: إنها جنونية أو انتحارية لكنها تتقوى وتتصلب بكل قطرة دم تسال، ولا يمنع ذلك إلا العودة للمنطق والعقل، العقل والمنطق يقول: إن من الحقوق المشروعة للناس أن تنعم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتي لا يمكن أن يحققها قاهر متسلط.

Hassan-Alyemni@hotmail.com

Twitter: @HassanAlyemni

مقالات أخرى للكاتب