Wednesday 25/06/2014 Issue 15245 الاربعاء 27 شعبان 1435 العدد
25-06-2014

الملك عبدالله: لا فوضى خلاّقة بعد اليوم

بالمعنى المجرد من العمل فإن الفوضى الخلاقة مصطلح سياسي عقدي يقصد به تكوّن حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمَّدة الإِحداث..

إن التوجه الأمريكي المأخوذ أصلاً من أدبيات الماسونية القديمة الذي ظهر جلياً في السنوات الأربع الأخيرة لم يكن وليد لحظة أو مشروع حزب الديموقراطيين الحاكم في أمريكا،

فلقد أدلت في عام 2005 وزيرة الخارجية السابقة لحكومة بوش الابن كونداليزا رايس بحديث موسع لجريدة واشنطن بوست أذاعت فيه الرغبة الأمريكية بنشر الديموقراطية في العالم العربي، والبدء بتشكيل شرق أوسط جديد، ويتم ذلك عبر نشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأمريكية.

ومع اندلاع الثورة التونسية انطلق زمن ما يسمى بـ«الربيع العربي» والذي دعمته بكل وضوح الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بحزب الديموقراطيين والذين عرفوا بنزعتهم المائلة لحكم الجماعات الدينية فأوصلت الإخوان المسلمين الكرسي في تونس ابتداءً رئيساً وحكومة، واتبعت ذلك بتواصل العمل على استكمال مشروع الربيع العربي في دول أخرى «مصر - اليمن - ليبيا - سوريا» بإيصال جماعة الإخوان الإسلامية للحكم، كما عملت على إتمام مشروع سيادي في المنطقة يضمن تنفيذ مصالحها التامة وتوفير المناخ المناسب لنشر الديموقراطية وسير الربيع العربي للنجاح تحت لواء ديني كاذب، اختارت فيه التقارب مع ايران مقابل قبول وتسهيل التفاوض على برنامج إيران النووي.

فظهرت على السطح القوى السيادية الجديدة للشرق الأوسط الأمريكي «ايران - تركيا - مصر الإخوانية» بتنسيق قطري مستمر، خصوصاً في نشر ثقافة التغيير الديموقراطي في الدول العربية كافة.

كما ظهرت النزعة الدينية أيضاً بالتنسيق مع إيران على تفكيك القاعدة وإنشاء فصائل وجماعات كثيرة تعمل على حماية أنظمة الحكم الدينية، والعمل على تغيير الأنظمة المستعصية بقوة السلاح ونشر الفوضى.

وبالنظر لكون استمرار المخطط يعني وقتاً طويلاً من الصراع الدموي بين الشرعية والحرية الديموقراطية وهذا ما يعطي انعكاساً سلبياً بالنسبة للقوى الإقليمية في المنطقة، وتحديداً الخليج إما بوصول محتمل لتيار هذا المخطط أو بتعطل مصالح استراتيجية في تلك الدول الضحية، والعنصر الثابت حالة «اللا استقرار أمني واقتصادي» في المنطقة.

فإن تعاوناً إقليمياً في اتجاهات شتى لا يمكن استبعاده لمواجهة هذا المخطط سريعاً وإيقافه، وهو فعلاً ماتم، وأعطى مساراً معاكساً لمسار المخطط بظهور تيار (سعودي - مصري جديد - إماراتي) واضح وجلي أسقط ابتداءً حكومة الإخوان في مصر وأفشل التعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع ايران وتركيا أثمر عن تخبطات في الادارة الامريكية

وافقت طفوح الأزمة الأوكرانية على السطح والمعارضة الروسية لخارطة أمريكا في سوريا، والتي فشلت أساساً بعدم قدرة الادارة الامريكية على إصدار قرار رسمي بتوجيه ضربة عسكرية الى سوريا واكتفوا فقط بهدنة مع النظام لسحب الأسلحة الكيماوية هناك مقابل عدم توجيه ضربة عسكرية والقبول بالتفاوض مع المعارضة في جنيف.

كان التذبذب الكبير في طريقة إدارة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في هذه الفترة واضحاً وذا عوامل عديدة لم تحسن الادارة الامريكية قراءتها قبل الشروع في مخططها، علاوةً على حجم الاختلاف في الافكار بين البيت الأبيض ومجلس الشيوخ «الكونغرس» أظهر كم أن الادارة الامريكية أجبرت على التخبط علناً في اتخاذ قرار الضربة العسكرية الموجهة لسوريا ثم العودة بعد ذلك في القرار بعد اجماع مجلس الشيوخ على رفضه.

وظهر التخبط مجدداً باستهجان القيادة الانتقالية في مصر والدعوة الى عودة حكم الاخوان وتعطيل صفقات اقتصادية بين البلدين ثم العودة مرة أخرى للاعتراف بالقيادة العسكرية الجديدة في مصر التي أتى بها التيار الاقليمي المعارض في الشرق الأوسط.

تلى ذلك المعارضة الخجولة للإرادة الشعبية الليبية بقيادة اللواء خليفة حفتر، قائد عمليات جيش الكرامة الليبي لمواجهة الميليشيات المتمردة، ولكن الدعم الكبير والتأييد بالمقابل من دول المعارضة الاقليمية بالشرق حتى في هجومه على البرلمان الليبي جعل أمريكا تهدئ من موقفها بشكل مثير للدهشة.

وما يفسر هذا الرضوخ الأمريكي أخيراً لعدم استكمال المخطط هو لهجة الخطاب الذي وجهه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك السعودية، والذي استهجن فيه هذا المخطط بوضوح وأعلن سقوطه.

ثم وجه الرصاصة الأخيرة في نعش الإدارة الأمريكية باعتبارها من المتخلفين عن مؤتمر مانحي مصر الذي دعا إليه الملك خارجين عن التعاون معهم في المرحلة المقبلة، وليس لهم مكان في خريطة المنطقة، واضعاً الأمريكيين وعناصر مخططهم في المنطقة في مأزق الخضوع الجبري أو إعلان المواجهة السياسية، ربما بمخطط جديد يتمثل في تقسيم العراق أو إعادة ترتيب المخطط من اليمن أو تونس.

مقالات أخرى للكاتب