Wednesday 25/06/2014 Issue 15245 الاربعاء 27 شعبان 1435 العدد
25-06-2014

سابك.. وبراءات الاختراع

تجاوزت شركة سابك حاجز العشرة آلاف براءة اختراع حسب خبر أعلنته قبل أيام قليلة، لتصبح أكبر مالك لحقوق الملكية الفكرية بين شركات الشرق الأوسط، ويشمل الرقم ما تم اعتماده من البراءات وما هو مسجل ليتم اعتماده لها، والرقم يُعد تطوراً ملفتاً للشركة لأنه يعطيها تميُّزاً على نظيراتها عالمياً، خصوصاً أنها باتت من العشر الكبار في عالم صناعة البتروكيماويات.

لكن هل تكفي الزيادة ببراءات الاختراع حتى تحقق سابك التميُّز وتنمو أرباحها وترتفع كفاءة تشغيل خطوط إنتاجها لتتجاوز أي مزايا تحفيزية تحصل عليها بإنتاجها المحلي لتكون منافساً قوياً بالسوق العالمي؟.. ومن الجدير ذكره أن كل الشركات العاملة محلياً بصناعة البتروكيماويات تحظى بالتحفيز الحكومي إلا أن سابك تختلف عنهم بحجمها وقِدمها ووزنها المحلي والعالمي، فقد مضى على تأسيس سابك 38 عاماً، وتُعد شركة شبه حكومية بسبب الملكية الكبيرة لصندوق الاستثمارات العامة فيها، وهي الذراع الاستثمارية الحكومية محلياً، مما أعطاها ميزة كبيرة بالتمويل والقوة التي أسهمت بتوسعاتها على مدى أربعة عقود تقترب من إكمالها ليصل إنتاجها في العام الماضي 68.5 مليون طن من مختلف قطاعاتها، إلا أن البتروكيماويات بقيت تُشكّل النسبة العظمى من الإنتاج في حدود 60 بالمائة، مما يعني أن المرحلة القادمة ستدخل الشركة فيها بالتحديات الحقيقية في تنويع إنتاجها خصوصاً بالمنتجات المتخصصة النهائية.

فلدى سابك خطة إستراتيجية خلال العشرة أعوام القادمة لتصل بحجم إنتاجها إلى 120 مليون طن حسب المعلن في الخطة، وستُشكّل المنتجات المتخصصة حوالي 25 بالمائة، لكن هل يمكن الوصول للإنتاج المعلن بالخطة بحجمه وتفاصيله ضمن الإطار الزمني المعلن؟.. فمن الواضح أن التحدي كبير ويتطلب الكثير من الجهد والانتقال لفكر جديد كي تتمكن من تحقيق أهدافها التي ترتكز على التنفيذ ومواكبة تطورات الصناعة العالمية وتطورات الاقتصاد الدولي، وكذلك احتياجات الاقتصاد المحلي الذي يحتاج لفتح الملايين من فرص العمل وزيادة الصادرات لتنويع الاقتصاد.

وإذا كانت سابك قد بدأت أولى خطوات تحوُّلها للتركيز على المنتج النهائي من خلال الاستحواذ على وحدة البلاستيك من جنرال إلكتريك والتي أصبح اسمها سابك للبلاستيكيات المبتكرة بصفقة اعتبرت الأكبر التي نفذتها شركة عربية أو شرق أوسطية بمبلغ وصل إلى 44 مليار ريال، وذلك قبل سبع سنوات إلا أن الأثر الحقيقي لتلك الصفقة لم يظهر محلياً من خلال ما ذكرته سابك عبر رئيسها التنفيذي المهندس محمد الماضي بأن أحد أهم فوائد الصفقة هو نقل التقنية للمملكة، فلم يُفتتح أي مصنع يخص هذه الوحدة محلياً حتى الآن، فيما يجري العمل حالياً لإنشاء أول تلك المصانع التابعة لتلك الشركة.. أما على الجانب الآخر فإن الأثر المالي على نتائج سابك أيضاً غير معروف إلا في معلومات تُعد قديمة حيث تكبدت الشركة خسائر في أول عامين من استحواذ سابك عليها بحوالي 10 مليارات ريال، فيما أظهر تقرير يعود إلى إتش إس بي سي أن البلاستيكيات المبتكرة حققت أرباحاً في عام 2010 بلغت قرابة 130 مليون ريال تقريباً، ومن بعدها لم يعد يظهر أي أرقام توضح ما تساهم به هذه الصفقة الكبرى على أداء الشركة المالي وما تضيفه لأرباحها بعد توحيد القوائم المالية مع بقية قطاعات الشركة، فإذا كانت تكلفة الصفقة تجاوزت حاجز 50 مليار ريال ما بين قيمتها وما بعد ذلك من تكاليف الهيكلة وتحمل الخسائر فإن المنطق الاستثماري يقول بأن الربح الصافي الذي يجب أن ينعكس على سابك منها يجب أن لا يقل عن 3 مليارات ريال على أقل تقدير حتى يعود رأس المال المستثمر في مدة متوسطها 15 عاماً على أبعد تقدير.

أما من الناحية الصناعية فإن اقتصاد المملكة بحاجة لإدخال صناعات متخصصة تُنتج محلياً وتدخل بصناعة السيارات وغيرها من المنتجات الأخرى الطبية والإلكترونية لكي نكون منافساً عالمياً وتفتح فرص العمل أمام الشباب السعودي وتتعمّق الشراكات مع الكيانات الكبرى في عالم صناعة السيارات والأجهزة الطبية والإلكترونية والتي تقوم البلاستيكيات المبتكرة بها حالياً، لكن من مصانع الشركة بدول أخرى ومسئولية سابك بذلك كبيرة لأنها حجر الزاوية بالصناعة السعودية وأساس ملكيتها حكومي هدفه من الأساس أن تكون سابك هي عماد وركيزة بنهوض الصناعة المحلية، وإذا كان جزءٌ من ذلك تحقق فإنه يُعد مرحلة سابقة لا تشفع للمستقبل كثيراً إذا لم تتسارع الخطوات لافتتاح عشرات المصانع للمنتجات النهائية من قبل سابك ومن تتشارك معهم في هذا الجانب، بالإضافة إلى إعادة النظر بمصانع الشركة الحالية بالمملكة لتطوير أدائها من حيث التشغيل والتقنية وكفاءة استهلاك الطاقة، لأنه عامل مهم ومساند كبير لتوفير ما يمكن توفيره من الطاقة لدعم تخفيض الاستهلاك وتوجيهه لكي يخدم قيام مصانع أخرى لسابك أو غيرها.

سابك تبقى شركة رائدة بالاقتصاد الوطني وحققت نجاحات كبيرة في الأعوام الماضية منذ تأسيسها، لكن التوازن ما بين أسباب النجاح من بداية انطلاقتها والتي شكّل التحفيز دوراً بارزاً فيها، وما بين التوجه للمنافسة المستقبلية سواء برفع كفاءة التشغيل وتنويع المنتجات لتصل إلى الآلاف كما هو الحال لدى شركة داو كيميكال التي يصل عدد منتجاتها إلى 5000 منتج يبقى التحدي كبيراً أمامها ويتطلب جهوداً جبارة ومرونة عالية بالخطط وأساليب تنفيذها واستقطاب كوادر بشرية بكفاءة عالية والتركيز على زيادة إنتاجها محلياً لكي يتحقق الهدف الأساس من تأسيسها كقائد للركيزة الثالثة بالاقتصاد السعودي المتمثّلة بالصناعات البتروكيماوية وتطوراتها والتي ما زالت أقل من التوقعات في ناحية المنتجات النهائية، فعدد مصانع البلاستيك حالياً حوالي 800 مصنع تبلغ مبيعاتها 20 مليار ريال وتُصدّر 15 بالمائة من إنتاجها والتي يملكها مستثمرون محليون، وتُصنف ما بين متوسطة أو صغيرة، وتعتمد بشكل أساس على سابك بالحصول على المواد التي تحتاجها لتصنيع منتجاتها، مما يُوضح بشكل جلي أن أمام سابك وغيرها من الشركات الكبرى مهام كبيرة للمساهمة الفاعلة بنهوض الصناعة المحلية ودعم نجاح الإستراتيجية الصناعية والتي تهدف لأن تُشكّل 20 بالمائة من الناتج المحلي وتوفر فرص عمل ضخمة للمساهمة باستيعاب الشباب السعودي الذي يبلغ عدد من يدخلون سوق العمل منهم سنوياً أكثر من 300 ألف، مما يعني أن الشركات الإستراتيجية الوطنية كسابك عليها دور كبير للمساهمة بتوفير فرص العمل وتنويع الإنتاج وزيادته بالاقتصاد المحلي.

مقالات أخرى للكاتب