Sunday 29/06/2014 Issue 15249 الأحد 01 رمضان 1435 العدد
29-06-2014

اللهم بلغنا رمضان

في أواخر شهر شعبان من كل عام، تستيقظ المشاعر بعد طول سبات، وبعد انقطاع عن الكثير من الممارسات التي قطعت النفس عهداً على ممارستها ثم طوتها غياهب النسيان، في أواخر شعبان عادت النفس تستذكر تلك الوقفات الإيمانية التي مرت مستعجلة في شهر رمضان الماضي، وقفات مع تلاوة القرآن، مع صلوات التراويح، مع التهجد في آخر الليل، مع الصدقات والزكوات، مع تفطير الصائم.

تستيقظ المشاعر للتذكر تلك الركعات والدعوات، تتذكر تلك الدموع والعبرات، خاصة تلك التي تنهمر عندما تقترب أيام رمضان ولياليه من الرحيل، تتذكر المناجاة وأوقات الرحمات، تتذكر تلك السويعات التي خلت فيها النفس مع كتاب الله قراءة وتدبراً، تتذكر تلك الأمنيات التي عزمت على المزيد من الطاعات، وتلك النوايا الحسنة على الالتزام بالسير فيما تحلى به من آداب رمضان وقيمه وأخلاقه.

ولروعة هذا الشهر وما يحدثه في النفس من تحولات، ترفع أكف الضراعة، وتلهج الألسن بالدعاء الكريم (اللهم بلغنا رمضان، وتقبل منا صيامه وقيامه)، نعم اللهم بلغنا رمضان، وتقبل منا صيامه وقيامه، ووفقنا فيه لكل عمل صالح يرضيك عنا.

وعند لقاء الأحبة والزملاء والأصدقاء يدعوكل واحد منهم للآخر بالدعاء نفسه، مشاعر إيمانية فياضة تغمر النفوس، الكل يحدوه شوق وأمل أن ينال شرف حظوة الصيام والقيام في شهر رمضان المبارك، والتمتع بتلك الصور الإيمانية التي تسري في الجسد، تجدد نشاطه، وتقوي عزائمه، وتقربه من مولاه، وتزيح عن كاهله ما قد علق به من آثام وزلات وعثرات الأيام الخاليات، فهذه وتلك مما يعد من عثرات السلوك البشري التي قل من ينجو منها، فسقطة هنا أو سقطة هناك أمر متوقع طالما أن الإنسان يتحرك في محيطه الاجتماعي الذي لن يخلو من مثيرات ناشزة عن الأطر الشرعية التي تحكم سلوكه بصفته البشرية والإسلامية.

في هذا الشهر الكريم تتغير العادات الرتيبة الآسرة، وتتجدد الممارسات الجامدة الكئيبة، فيه تخل عن الأنماط المألوفة، سواء في المأكل أو المشرب، زمناً وكماً ونوعاً، وفيه تحل بأنماط أخرى جديدة، تغير فيها الزمان والكم والنوع.

محروم محروم من بدأ شهر رمضان باستعدادات عالية، وهمة وثابة، ورغبة جامحة في تتبع أوجه الخير، ومع توالي أيام رمضان ولياليه، تبدأ استعداداته تتلاشى، وهمته تخبو، وعزيمته تفتر، ويتراجع إلى ما كان عليه سابقا من عادات فاسدة، وجلسات السمر الطوال والأنس مع الأصحاب في الاستراحات.

محروم من فتحت له أبواب المغفرة والجنان، ولكن لانقياده خلف شهوات النفس الأمارة بالسوء، يعرض عن هذه الأبواب بكل إصرار، ويهرول إلى ما ألفته نفسه المهلكة خلال العام، وزينته من عادات وسلوكات أقل ما يقال عنها أنها عديمة الجدوى والفائدة دنيوياً - إن لم تكن ضارة - ومحبطة للأعمال الصالحة التي يحرص المسلم على التزود بها لآخرته.

محروم من يدرك رمضان الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ومع هذا يصر على تضييع الفرص الإيمانية الخيرية الكثيرة عددا ونوعا، يجدد فيها إيمانه، ويزيد بها من حسناته، وفوق هذا وذاك يظل أسير نفسه الأمارة بالسوء وعاداتها اللاهية الغارقة في تضييع الساعات الطوال فيما لا خير فيه ولا فائدة.

محروم من يدرك رمضان وكاهله مثقل بالإساءة للآخرين، غيبة ونميمة، وأكل حقوق، وتعد على المال العام والخاص، قطيعة رحم، قلب موحش، ولسان حاد ينهش الأعراض، ويفرق بين الأحبة والأصدقاء.

فهل من يقظة وصحوة تستجيب للعزائم التي جدت في هذا الشهر الكريم؟

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب