Sunday 06/07/2014 Issue 15256 الأحد 08 رمضان 1435 العدد
06-07-2014

داعش من التفكيك النفسي إلى إعلان الخروج على الأمة

في عام 2010 وقبل أن تُظهر داعش نفسها كرمز للمتطرفين في العالم وتعلن قيام الخلافة الإسلامية ومبايعة مجهول العين البغدادي خليفة على المسلمين.. كانت بحاجة إلى بناء قاعدة جماهيرية، خصوصاً في المملكة العربية السعودية وليبيا..

.. حيث سهولة استقطاب الشباب للجهاد. استخدمت داعش عدداً من الوسائل التي ساهمت في تشكيل عقيدة التنظيم لاحقاً. من أهمها التفكيك النفسي الذي يعتمد على العقل كجزء حيوي مرن لديه القابلية للتفكك عن طريق تفريغه من أي فكر ثم إعادة تنظيمه وتشكيله لضمان استمراره في الاتجاه المحدد له. التفكيك النفسي الذي استخدمته داعش مبني على ستة عناصر الأولى: الإغراق ومفهومه ملأ العقل بسيل من المعلومات والأفكار والمشكلات السياسية والعقدية حتى يصبح العقل في حالة شلل تام ليكون مهيئاً بعدها لزرع الفكر المتطرف.

الثانية: التشتيت وهو مهم في مرحلة التفكيك لأنه يُعنى بإفشال أي محاولة للمجند في إدراك أو فهم أي حقيقة أو اتخاذ موقف تجاه قضية معينة. الثالثة والرابعة: مرحلتا الإلهاء والتهميش, الإلهاء يعتمد على محو كل معلومة لا يرغب التنظيم بها وتحويل انتباه المجند إلى غيرها ثم يتبعها مباشرة مرحلة التهميش التي تهدف إلى التقليل من شأن القضايا الكلية والمسلمات الشرعية والتركيز على الأمور الثانوية (لذلك تجد الكثير من الشباب الصغار في السن المؤيدين لداعش عندما تحاججه في المسائل العقدية الكبرى لا يملك القدرة على نقاشك ويسعى لتحويل انتباهك للقضايا الثانوية التي يُحسنها).

الخامسة والسادسة: مرحلة التثبيت وإنكار الذات وغايتها هي زرع الأفكار الخاطئة المتطرفة التي لا تؤدي إلى ممارسة فعلية, وإيهام المجند بأمرين الأول بأنه محمّل بالخطايا والآثام قبل انضمامه للتنظيم ويجب عليه أن يكفّر عنها والثاني إنكار المجند لنفسه وأنه لا شيء من دون التنظيم وقائده, والهدف من هذا هو أن يكون لدى المجند مخزون فكري متخبط ثقيل على النفس يجبره على سرعة الاستجابة إلى توجيهات القادة في العمليات الانتحارية مثلاً (لذلك يلاحظ على المجندين السعوديين القبول والتسليم والعمل مباشرة على الإساءة لأنفسهم بتفجيرها والإساءة للآخرين بقتلهم, وهذه العمليات الانتحارية لا تأخذ وقتا طويلا للإقناع سوى فترة قصيرة عقب انضمامهم الفعلي للتنظيم).

التفكيك النفسي التي تستخدمه داعش يؤدي إلى ما سماه العالم الهولندي ميرلو قتل العقل, وذلك لأن هذه العملية تخلق لدى المجند خضوعا لا إرادياً لأي توجيه أو أمر.

ولذلك التنظيم الداعشي لا يرغب في الأشخاص الذين تصعب السيطرة عليهم.

العقيدة الداعشية خارجية بالفطرة ترتكز على التكفير وهو قوتها وسلاحها الصلب, العقيدة الداعشية مرت بثلاث مراحل الأولى التي تنص على تكفير الحاكم ومعاونيه وجيشه ومن والأهم فقط, وبقية الناس على معصية وإثم ولكنهم لا يكفرون, الثانية كل من ليس على عقيدتهم فهو كافر ولو قبِل بهم ولكنه كفر دون كفر ليس مخرجاً من الملة ولكنهم مرتكبون لجرم أعظم من الكبيرة, الثالثة تكفير عموم المسلمين إلا من كان معهم وقبِل بعقيدتهم, والأخيرة آخر عقائدهم, هذا المنهج التكفيري المتطرف جداً يعتبر هدفا إستراتيجي أكثر من كونه عقيدة, تمت دراسته بعناية ويخضع للعوامل الداخلية والخارجية وحسب الظروف والأحوال.

الدواعش هي سلالة ذلك الرجل الذي اتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أربعة نفر» وفيه «فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال: اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته؟ أيأمنُنى الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدَعون أهل الأوثان. يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد».

وفي صحيح ابن ماجة قال ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج قرن قطع. قال ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلما خرج قرن قطع, أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجال.

هذا الحديث يدل على ظهور تلك الطائفة بين فترة وأخرى حتى يخرج في آخر طائفة منهم الدجال, كما قال ابن عمر عن النبي صلى الله وعليه وسلم أكثر من عشرين مرة, ومعنى قطع أي استحق أن يقطع. وذكرُ خروج الدجال فيهم مهم جداً لأنه يدل على أن هذا الفكر الذي تتبناه هذه الفئة فكر مبني على باطل لا مراء فيه.

ولهذا التنظيم أوصاف لا يعجز العاقل عن إدراكها منها قتلهم لأهل الإسلام كما في الحديث السابق في البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ومنها أيضا تنزيل آيات الكفار على المؤمنين كما ذكره البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال رحمه الله في كتابة استتابة المرتدين باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، وقول الله تعالى «وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتّقون»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.

ومنها أيضا ما ورد في الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم).

قال النووي سفهاء الأحلام أي صغار العقول وقال السيوطي ضعاف العقول وقال ابن الأثير السفه الخفة والطيش, وهنا معنى لطيف يدخل في معنى سفهاء الأحلام أنه من ضعف عقولهم وخفتها وطيشها أن لدى الدواعش أحلام أكبر من عقولهم كحلم الخلافة الإسلامية.

لقد ارتكب الدواعش أعظم جريمة في الإسلام عندما أعلنوا الخروج على الأمة الإسلامية بإعلان قيام الخلافة أولاً ومبايعة رجل مجهول العين ثانياً, فهم ولا وشك بُغاة ظلمة مفسدون في الأرض. لقد أمعن هذا التنظيم في القتل واستباح دماء المسلمين وأعراضهم, فكم من امرأة مسلمة طاهرة لم تقبل بهم ولم تبايعهم أصبحت بإسلامها غنيمة يتقاسم عرضها المهووسون بالمعاشرة الجهادية.

إنّ إعلان البراءة من المذهب والتنظيم الداعشي واجبٌ شرعي على كل مسلم, وإنهم والله لن يتوقفوا عن استباحة دماء المسلمين حتى يضعوا راياتهم السود حول الكعبة وعلى أسطح بيوتنا, وإنّ إيقافهم والتنكيل بهم فيه حفظ لدماء أعزها الله بالإسلام.

مقالات أخرى للكاتب