جامع المجمعة روضة من رياض العلم

لقد سعدت بمعاصرة عدد من القضاة في المجمعة وهم رجال علم وأدب ووفاء - ومن ضمنهم العالمان الجليلان الشيخ عبد الله العنقري والشيخ عبد الله بن حميد - رحمهما الله- وقد توليا القضاء في المجمعة.

وقد تولى الشيخ عبد الله العنقري قاضياً في المجمعة وبلدان سدير عام 1324هـ، وبقي في القضاء فترة طويلة، وكان خلالها نشطاً في نشر العلم والتأليف والتدريس في جامع المجمعة، وقد قرأ عليه الكثير من الطلاب، ولقد حضرت دروسه بعد صلاة الفجر، وكنا نقرأ عليه بعض المواد العلمية كالفقه والتوحيد والحديث، وقد تخرج على يديه كثير من العلماء أصبحوا فيما بعد قضاة في مختلف مناطق المملكة.

والشيخ العنقري محب للعلم والمعرفة حتى التي لا تتعلق بالفقه والقضاء، ومن ذلك الأنساب والتاريخ، وقد كان الملك عبد العزيز يرسل إليه ويستشيره ويحضره مع كبار العلماء.

ثم خلف الشيخ عبد الله العنقري الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد حيث عين قاضياً في المجمعة وسائر منطقة سدير 1360هـ وكان رحمه الله محافظاً على أوقات التدريس ومواصلاً للجلسات العلمية بعد أوقات الصلاة والشيخ عبد الله عرفته، وأنا صغير فهو من الشخصيات العلمية وكرس كل طاقاته العلمية للعلم والإفتاء والقضاء والبحث العلمي وكان ذا هيبة ووقار، وما زال طلبة العلم الذين تعلموا في حلقاته في المجمعة وبريدة ومكة المكرمة يتذكرون تلك الحلقات وما زلت أذكر حلقته العلمية في أحد مساجد المجمعة حيث كان يرتب الطلاب بعد صلاة الفجر في دروس معينة في التوحيد والفقه ومصطلح الحديث إلى طلوع الشمس وبعد صلاة الظهر يعتمد حلقة أخرى في قراءة كتب التاريخ وبعد صلاة العصر في الفقه وبعد صلاة المغرب يخصصه لعلم المواريث حيث يدرس الطلاب الفرائض ويعطي كل واحد مسألة ويكلفه بقسمتها، وقد كان عدد الطلاب أكثر من ثلاثين طالباً ولا تختلط الأمثلة والمسائل وقد يلجأ بعضهم إلى مسائل أسهل ولكن سرعان ما يذكره الشيخ بمسألته ويحاسبه على ذلك، وقد تخرج عليه علماء أعلام في المجمعة وكلهم تولى مناصب في ميادين القضاء، وعندما انتقل إلى القصيم كانت له حلقات علمية واسعة.

ولقد استمرت صلتي به وزيارته والسلام عليه في الرياض ومكة المكرمة وكان ذا حاسة ذواقة ومرعفة واسعة باللغة وفقهها وعروضها فقد قال لي أحد تلاميذه أن أحد الشعراء دخل عليه وألقى قصيدة بين يديه وبعد أن انتهى من إلقائها نقدها الشيخ وأصلح أزوانها وبعدها تراجع كثير من الشعراء ممن تجود قريحتهم ببعض القصائد.

وبعد: فهذا قليل من كثير وغيض من فيض من الذكريات عن هذين العلمين حيث كانت سيرتهما خيرة مباركة وبقيت مآثرهما ملء السمع والبصر، وكل شخصية علمية مميزة جديرة بأن تروى سيرته وتسرد حكاياته وتتلى مآثره ومحامده وحسناته، رحم الله مشايخنا وعلماءنا وأسكنهم فسيح جناته.

ولقد تولى إمامة هذا الجامع مجموعة من العلماء الأفاضل وهم: المشايخ حمود التويجري وعبد الله الصانع وعبد العزيز بن صالح وعثمان بن حمد الحقيل وعبد العزيز الناصر التويجري وسليمان العسكر وأحمد الدهمش ومحمد بن ردن البداح وسليمان الدخيل.