Saturday 12/07/2014 Issue 15262 السبت 14 رمضان 1435 العدد

شعر

أَحْزَانُ البَدْوِ الرُّحّل تَتَشَّجَرُ في شُرُفاتِ النّسيم..

إلى..

رُوح الشاعر سُليمان الفُلَيّح:

سيرة:

منذُ السُّلَيْكِ وما مِنْ مَهْمَهٍ سَلَكَهْ

يُنَاكِفُ الكَوْنَ كيْ تَرْضى به السَّلَكَهْ..

كلُّ الجِيَادِ تَخَلَّتْ عن أَعِنّتِهَا

إلا سُليمانَ صانَ العَهْدَ إذْ أَلَكَهْ..

فَيَا لَهُ مِنْ نَبيلٍ كُلَّمَا أَزِفتْ

للبذْلِ ساعةُ فَتْحٍ للنَّدَى مَلَكَهْ..

وكُلَّمَا حَضَرَتْ لِلْعَزْمِ سانِحةٌ

مِنَ المَضَاءِ.. تَحَدّى رَهْبَةَ الهَلكَهْ..

وَإِنْ تَنَاثَرَتِ الأَفْلاَكُ مِنْ نَسَقٍ..

تسَاقَطَتْ زُمَرُ التَّنْجِيمِ والفَلَكَهْ..

فَلَمْ يَلُذْ بِحجَابٍ لا إلهَ لَهُ..

ولا تَعلَّقَ بالمِصْبَاحِ أو دَلَكَهْ..

قد كانَ فارسَ هذا القاعِ مكتفياً..

لا القَاعُ أَنْصَفَهُ ولا الّذي سَلَكَهْ..

ولا دَهَاقِنَةُ الصَّحْرَاءِ إذْ رَكَضُو..

صَوْبَ الأَظِلّةِ أَوْدَوْا بالّذي عَلَكَهْ..

تكوينُهُ عَرَّفَ الإشْرَاقَ في زمنٍ

ضَلّت أَسَاطِينُهُ في حمأةِ الحَلكَهْ..

يا مَنْ رَسَمْتَ بِسِفْرِ النُّورِ سيرتَهُ..

أغْدِقْ مِنَ النُّورِ لي أَغْدِقْ لَهُ وَلَكَهْ..

قَدْ هَامَ فيه حَمِيمُ النَّثْرِ مُحْتَفِياً

وأَلْهَبَ الشّعرُ في تَخْليكٍ الملَكَهْ..

أَمَامَ جِدارِيّة الفُقْدان:

ليتَ الذين نُحِبُّهُمْ..

إنْ غَادَرُوا..

أخذوا من التوّديع ظِلاًّ وافِراً..

وتَوَقَّفُوا..

بربيع دربٍ مَهَّدَتْهُ قلوبُنا..

لِتَشُدَّ أيديَهُمْ نُفُوسٌ أَقْفَرَتْ برحيلهم..

وَنُقِيمَ أُمْسيةً

ونُنْشِدُ كلَّ ما لمْ نُبْدِهِ

من حقهمْ..

ليت الذين نحبُّهم..

إن دَرْهَمُوا..

يَسْتَأْثرونَ بودِّنا..

لو ساعةً..

لنقولَ ما لم يَسْمَعُوهُ..

لِيَسْمَعُوهُ..

وهم على دُوَّارةِ الأنفاسِ..

لا يَسْتَمْطِرُونَ مَدِيحَنَا..

لا يَسْأَلونَ بقية الإعجابِ

في خطراتنا..

أَنْ تَسْتَفِيقَ..

لِلَحْظَةٍ لا تَسْتفيقْ..

ليتَ الذين نحبُّهمْ..

وَأَدُوا الطريقْ..

ليت الذين نحبهم

مَرُّوا على سَجّادة الوُدّ التي..

تمتدّ في أعماقنا..

ليُغَادِرُوا أَدْنى حَوَافي وَجْدِنا..

ولِيَقْرَأُوا عند الفِرَاق - على الأقلّ -

(الله لا يبينْ غَلاَكْ)

تلك التي جَمَدَتْ على عبراتنا

عند العناقْ..

وليعلموا:

تاريخُهُمْ ليس الذي بَخِلَتْ يَنَابيعُ الوُجُودِ

بِسَقيهِ..

وتوقفت عنه أَحَابِيلُ الحياهْ..

لكنه..

في ذلك الشوق المَدِيدِ..

إلى المُحَيّا..

والسؤالِ..

والانْشِدَاهْ..

لكنَّهْ..

في نبتةِ الإِكْبارِ

في وَهَجٍ..

من الترحيبِ.

قد شَرُفَتْ يَدَاهْ..

أواهُ..

معذيرةً..

أحبةَ عمرنا..

إنا وُجِدْنا مجبرينَ

بحقبةٍ..

لا تكتفي مِنْ مقتنا..

فَزَمانُنا..

زمنُ الصدودِ

إذا تكتّلَ.. ثم .. رابْ..

زمنُ القطيعة..

إذْ يخامِرُها التّرابُ..

في كل يومٍ..

نَذْبَحُ الوُدَّ الذي يحتار في أحوالنا..

وَنُشيحُ عن وَصْلٍ الذينَ..

إذا اسْتَشَاطُ البينُ قربَ نَدِيّهمْ..

ضجتْ لَهُ - أو قُلْ به - زُمَرُ النحيبِ

وعافت الآصالُ أصلَ وجودنا..

أوَّاه..

معذرةً..

أحبةَ عمرنا..

إنّا وجدنا مكرهين بغابةٍ

من المدنِ التي لا تستحي

مِنْ سِيرةٍ للشَّوق في أمشاجنا..

فبرغم مائجة الحنين..

ويرغم آهاتٍ تُبِينْ..

وبرغم موجعةٍ من الندم المُهِينْ..

تَصْطَادُنا المدنُ الكئيبةُ

ذاهبينَ..

وآيبينْ..

تغتال فينا ما تَبَقّى

من كراماتِ القُرى..

وحفاوةِ الريفِ الأمينْ

فَزَمَانُنَا..

فصلٌ من المَوْتِ البطيءِ..

والانْقِراضْ..

ومكانُنا..

رَدَهَاتُ غَمٍّ

يَنْتَهى عَجْزاً..

ودوراتِ افْتِرَاضْ..

اللهَ..

يا هذا الذي..

رَحَلَتْ به أَسْبَابُهُ

صَوْبَ النّجاهْ..

قد عِشْتَ أَحْوالَ البُدَاةِ..

فصِرْتَ عَرَّاباً..

لأَحْزَانِ البُدَاهْ

أَسْكَنْتَ حزنَكَ

في القصيدِ..

فظل يَحْزَنُ مَنْ قَرَاهْ..

وبعثتَ حزنَ البيدِ..

صوبَ مدائنِ الغفلاتِ.. مُنْتَفِضاً

فأيْقَظَ من رآهْ..

ستظلُّ في عَبَقِ الأَهِلَّةِ..

مُورِقاً بالنُّبلِ

في روح البَيَانْ..

سَتَظَلُّ

عنواناً

لأزمنةِ الغِنَاءِ

والافْتِتَانُ..

مَوّالُ شعرك..

نبضُ نثرك..

مُسْتِحيلٌ أَنْ يُعادَ بلا افْتِتَانْ..

اللهَ..

يا هذا الذي

غَنّى لكلّ الأسوياءْ..

وتَلَبَّسَتْ ألحانُهُ..

أحوالَ كلِّ الأشقياءْ..

سَتَظَلُّ..

في جمَل الدواوين التي لا تُجْتَوَى كلماتُها..

شَلاَّل مِحْبَرَةِ الإباءْ..

سَتَظَلُّ في تَنْويع تلك الأُمْسِياتِ

مُنَزّهاً بالشَّأْنِ..

عن كلّ الذين إذا اسْتَكَانوا للسُّدَى..

نَبَذَتْهمو فِقْراتُها..

وبقيتَ في عين التّلقّي..

تفتدي بيت القصيدِ..

فلا يُبارِحُكَ الفِدَاءْ..

نَمْ..

يا رفيقي..

قُرْبَ مكرُمةِ الرَّسُولْ..

فوَسَائدُ الرحماتِ..

والغُفْرَانِ

تَعْرِفُ مَنْ تُوَسّدُهُ..

عَلَى فُرُشِ القَبُولُْ..

سَنَظَلُّ بَعْدَكَ مُشْرَعِينْ..

نَرْتَادُ أبوابَ الرّضا..

ومقابضَ الصّبرِ الجميلْ..

لا الشّمسُ..

مُوقَفَةٌ على أَحْزَانِنَا..

أبداً..

ولا القمرُ الحزينْ..

لا تَبْتَئِسْ..

سَيَمُرّ قربَ مُصابِنَا غيثُ العَزَاءْ..

نعم..

سنعتمر العَزَاءْ..!

إذْ.. كيف تعتمرُ البَيَاضَ..

وتقتفي أَثَرَ الذين تواتروا صوب الرَّجَاءْ.

ونظلّ غَرْثَى قربَ قبركَ..

مُبْلِسِينَ بلا رَجَاءْ؟!

موَّال شعركَ..

نبض نثركَ..

مُسْتَحِيلٌ..

أَنْ يُقَارِبَهُ العَفَاءْ..

ورحيقُ عمركَ..

طيبُ ذكركَ..

مستحيلٌ أَنْ يُفَارِقَهُ الوَفَاءْ..

خاتمة:

ليت الذين نحبُّهُم..

إذْ عافَتِ النَّفَحاتُ في أقدارهمْ..

ما بيننا..

يَسْتيقظون.. لِلَحْظَةٍ..

ليباركوا هذا النَّشيجَ بمَلْكِهِمْ..

أو يَرْفُضُوا بفَمِ المَلاَكْ..

ياليتهم..

يَسْتَيْقِظُونَ..

فيَسْمَعُونَ - عَلَى الأقل-:

(لَوَ الله.. الّلي.. فاض..

واغْرَقْنِي غَلاَكْ)..

***

الرياض، الأحد 18-10-1434هـ

- عبدالله بن عبدالرحمن الزَّيد