Saturday 12/07/2014 Issue 15262 السبت 14 رمضان 1435 العدد
فيصل بن محمد العواضي

فيصل بن محمد العواضي

بتقديم أمين عام اتحاد المجامع اللغوية العربية

12-07-2014

الرفاعي يثير أخطر الأسئلة عن أمومة اللغة العربية لكل اللهجات السامية

من الصدف التي تكررت في حياتي ولم أجد لها تفسيرا التقائي مع الأديب والكاتب والباحث الأستاذ عبد الرحمن محمد الرفاعي في مجالين من مجالات أبحاثه المتعددة كان اللقاء الأول معه في كتابه الحميني الحلقة المفقودة في امتداد عربية الموشح الأندلسي والذي صدر في مطلع القرن الرابع عشر الهجري وعندما اطلعت عليه وجدته يحكي عما في أعماقي من قناعات توفرت لدي أدلتها وبراهينها وكنت أول من كتب عن هذا الكتاب وإن كان عرضا سريعا لا يرقى إلى مكانة الكتاب والآن أجدني التقي مع الباحث الرفاعي في كتابه الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية وقد تعمقت لدي قناعة بهذا الأمر من مصدرين الأول تخصصي في دراستي الأكاديمية بالتراث الشعبي والذي وضعني على تماس مع هذا الموضوع والثاني اهتمام عززته عوامل قد تكون مصادفة مثل اطلاعي على مفردات في اللهجة الكردية ولا أقول لغة يستخدمها أبناء منطقتي في أقصى جنوب الجزيرة العربية في اب باليمن وبنفس المعنى اللغوي وكذلك الحال في الأمازيغية التي تستخدم حرف المسند أساس الحرف العربي وكذلك ما أفادني به الباحث الجليل في اللسان العربي الدكتور صادق رئيس اتحاد الكتاب الأردنيين من أن جامعة يابانية متخصصة بالألسنة توصلت الى حقيقة أن اللغة الحميرية (العربية القديمة) هي أصل كل اللغات منها تفرعت السريانية والعبرية واللاتينية أم اللغات الأوروبية..

وأستميح القارئ الكريم عذرا على الإطالة في المدخل الذي أردت منه الدخول إلى عالم الكتاب والكاتب و أخذ القارئ في سياحة فكرية عبر هذا السفر النفيس الذي قال عنه الأستاذ الدكتور كمال بشر نائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة الأمين العام لاتحاد المجامع العلمية اللغوية بالوطن العربي في التقديم الذي صدر به هذا الكتاب «إنه لمن دواعي سرورنا أن نقدم إليك أيها القارئ مثل هذا العمل الجاد المتميز الذي يتناول عبر – الزمان والمكان- تأريخ لغتنا العربية الشريفة ولا غرو أن يصدر عن باحث أصيل صادق أمضى ما يقارب ربع قرن من عمره في إعداده ووصف الدكتور بشر صنيع الرفاعي بأنه يعيد إلى أذهاننا ما صنعه أسلافنا من العلماء العرب كالكسائي وأبوعمر والخليل وأضرابهم حيث دلفوا إلى البادية يجمعون اللغة من الألسنة جمعا مباشرا.

يتناول الكتاب في ثمانية فصول مسبوقة بتمهيد ومتلوة بملحق يوضح بعضا من نماذج النطق المستعمل في ميدان الدراسة جنوب المملكة وقد جاء في التمهيد عرض بعض المفاهيم المستعملة في التاريخ اللغوي خاصة مع محاولة تحديد مدلولها الصحيح ومنها كلمات فينيق، كنعان، أشور،بابل،آكاد،عبري،سرياني،فهو يأخذ مثلا كلمة فينيق أنها تعني المستكشف الذي يخرج لاستكشاف مواطن الخصب والطرق المؤدية إليها فهي بهذا المعنى صفة وليست نسبا لأقوام بعينهم.

كما تناول الباحث في التمهيد تأريخ الهجرات العربية التي خرجت من جنوب الجزيرة العربية وتتبع مسارها وإلى أين انتهت هادفا من وراء ذلك تتبع مسار اللغة واللسان الذي انتقل مع القوم من موطنهم الأصلي واستقر معهم في مواطنهم الجديدة التي استقروا فيها.

وقد واجه الباحث عددا من الصعوبات جاء على بعض منها في التمهيد للكتاب مثل صعوبة البحث الميداني وما يحتاجه من الجهد والوقت والمال الى جانب وعورة المنطقة التي أجرى فيها البحث وهي المنطقة الجنوبية من المملكة إلى اليمن بجبالها ووديانها.

بعد التمهيد الذي طرح عددا من الأسئلة وأجاب عنها وإن بشكل مقتضب لكنه مطمئن ويقيني ينتقل الباحث إلى الفصل الأول من الكتاب الذي خصصه للحديث عن وحدة الجنس والموطن الأول وعن أسباب الهجرات العربية الأولى ومواطن القبائل التي هاجرت مثل العماليق والآراميين والكنعانيين وكيف أنه لا تزال هناك شواهد حية في المناطق التي رحلوا عنها لاستعمال اللغة واتفاق القبيلين على صيغ موحدة.

أما الفصل الثاني من الكتاب فجاء بعنوان «بين الآرامية والعبرية» ويتناول فيه الباحث أوجه الاتفاق بين اللهجة الآرامية والعبرية من جهة وبينهما وبين اللغة العربية من جهة أخرى وأثبت الباحث فيما أورده من أدلة أن اللغة العربية هي لغة نبي الله إبراهيم ولغة كل أبنائه من بعده.

فيما تناول الفصل الثالث عروبة النسب الإبراهيمي وما يتصل بها ليخلص إلى أن لغة القرآن الكريم هي لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام بينما استغرق الفصل الرابع الإجابة على سؤال هل السريانية لسان عربي.

ونأتي إلى الفصل الخامس من فصول الكتاب الذي ركز فيه الباحث على اللهجة الرهاوية واستعرض بعض القضايا اللغوية مثل ضمير المخاطب أنت مع المقارنة بين بعض الألفاظ في كل من الرهوية والسريانية والعبرية.

ويصل بنا الباحث إلى الفصل السادس من الكتاب الذي يعد أهم فصلا فيه بل هو لحمة الكتاب وسداه كما وصفه مقدم الكتاب ففيه يتحدث الباحث ببسط وتوسع حول فكرة الأمومة اللغوية

(أمومة اللغة العربية للغات السامية) مستعرضا الخصائص اللغوية بين الراحلين عن الجزيرة العربية وبين القاطنين فيها ويطول بنا المجال لو أردنا التوقف ولو قليلا عند هذا الفصل لقوة ما أورده الباحث من حقائق وأدلة دامغة تؤيد ما ذهب إليه.

وفي الفصل السابع تحدث الباحث عن قبائل طيئ والمنطقة القديمة ويعرض فيه لقضايا تتصل بطيئ وموقع الجرف او الجوف والاستعمال الطائي أو الجرفي طيئ السريانية.

وينتهي الكتاب في فصله الثامن بالحديث عن تأثير اللهجات الجنوبية في لسان مكة نطقا وكتابة مدللا على تشابه الحركات وانتهى فيه إلى أن اللسان المكي صورة مستنسخة من اللسان الجنوبي.

وهذا الجهد الذي بذل فيه الباحث قرابة نصف قرن من عمره واستدل بعشرات الكتب لمؤلفين عرب ومستشرقين ونصوص توراتية جاء في هذا الكتاب الذي هو بمثابة دعوة لكل الباحثين في اللغة أن يلتقطوا منه خيوطا كثيرة يمكن أن توصل في النهاية إلى إثراء موضوع المشترك بين الألسنة واللغات بما يقرب بين البشر بعيدا عن محاولة فرض بعض البشر تقريب المسافات عبر هيمنة التقنية والمعلوماتية وما أفرزته العولمة.

مقالات أخرى للكاتب