Saturday 12/07/2014 Issue 15262 السبت 14 رمضان 1435 العدد

ديوان (جنان حنايا) لمحمد جبر الحربي

المرأة بنكهة زمنية

عن (دار المفردات) للنشر والتوزيع بالرياض صدر آخر دواوين الشاعر / محمد جبر الحربي الموسوم بـ(جنان حنايا) بطبعته الأولى سنة 1433هـ . ويقع هذا الديوان الأنيق، بطباعته وتصميم أغلفته الخارجية وصفحاته الداخلية، وإخراجها الرائع الذي جمع بين الشعر والفن التشكيلي بأُسلوب متناغم يوثق العلاقة فيما بينهما. ويتضح لنا من ذلك تركيز الشاعر على الفنون البصرية من تعدد الألوان، ودرجات إضاءتها وظلالها وما ترمز إليه، وأشكال الخطوط وأحجامها وإيحاءاتها وطريقة رسمها، وضرورة أن يحتويها ديوانه، بحيث جعل لكل نص من نصوصه الشعرية لوحة تشكيلية ترافق هذا النص أو ذاك، ولابد أن تعكس شيئاً مما يتضمنه.

وعلى الرغم من غرابة عنوان الديوان (جنان حنايا) أو غموض هذا المسمى، إلا أن مضمونه كان واضحاً على أي حال, وهذا على العكس مما خلفه عنوانه في ذهن القارئ من غموض أو انطباع يشي برمزية مبهمة ومفرطة في تفاصيلها .

وبخفة ظله الشعري يستلنا الحربي معه - كقراء- رويداً رويداً إلى حيث عالمه الشعري الجميل، ويدلف بنا من ضبابية العناوين إلى شمس الشعر لننسى معه أو نتناسى العناوين تماماً، ونتذكر الشعر فقط، لنتذوق المعنى الحقيقي له.

ويأتي هذا الإصدار بعد غياب طويل للشاعر عن النشر المطبوع امتد لسنين طويلة, مستأنفاً رحلته الشعرية مع الكلمة من جديد وبثوب جديد أيضاً نسج خيوطه الحريرية الناعمة من عالم المرأة وأُنوثتها وإنسانيتها, والتفاصيل الاجتماعية والزمانية والمكانية وظروفها المحيطة بها، بل إنه قد توغل في وصف أدق تفاصيل حياتها اليومية التي ربما تبدو لبعضنا وكأنها هامشية أو أنها (عادية) وليست ذات أهمية.

إلا أن الشاعر كشف لنا عبر تناوله لمثل هذه التفاصيل أهميتها بالنسبة للمرأة على الأقل، وماذا تعني لها بالضبط؟

ولذلك تشبعت جميع نصوص الديوان عن آخرها بجوانب كثيرة من حياة المرأة اجتماعياً ونفسياً وعاطفياً وسلوكياً، لدرجة أن من يقرأ هذا الديوان لن يجد شيئاً آخر غير المرأة، فهي مادته الأساسية، ومحوره الرئيسي الذي تدور حوله جميع نصوصه. يؤكد ذلك استشهاد الشاعر بقطعة نثرية اجتزأها من أَحد مؤلفات الفقيه والأديب والعالم العربي الأندلسي الشهير (ابن حزم) رحمه الله حول المرأة يقول فيها:

« ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن مالا يعلمه غيري, لأني ربيت في حجورهن, ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلاَّ وأنا في حد الشباب وحين تفيّل وجهي، وهن علمنني القرآن وروينني كثيراً من الأشعار ودربنني في الخط ....................» (1)

وقد جعل الحربي من هذه المقالة لابن حزم حول المرأة افتتاحية رآها مناسبة لديوانه هذا جاءت بعد غلافه الأول مباشرة، والتي هي أول ما يقع عليه نظر القارئ قبيل شروعه بقراءة نصوصه.

ويأتي نص بعنوان ( هُنَّ ) كأحد أبرز نصوص الديوان المحلقة في عالم المرأة وأُنوثتها والغوص في أدق تفاصيل حياتها وتكوينها الطبيعي والنفسي والعاطفي والعقلي كجنس بشري له خصوصيته وعالمه الخاص به:

( هُنَّ النساءْ

قُلن السَّحابْ؟!

قلت السَّحابْ

وَسموتُ مرتفعاً بنخبي

هُنَّ النساء فتننّي

وَصَرعْنَ لُبِّي

أَحْيينني وقتلنني

وأَتينَ قبلي في الحديث

وفي الطريق وفي التشكي

في التعلق والترقق

لَمْ يجْدنَ طريدة غيري

ولمْ آبهْ بغير حديثهن

وبوحهن، ملكنني، وأَضَأْن قلبي ) . (2)

لقد جعل الشاعر هنا في هذا النص تحديداً من (نون النسوة) التي شحن بها عن آخره إيقاعاً فنياً يدمج بين الشعر واللغة بتناغم يوفق بين المعنى المجرد للأنوثة لغوياً وبين المعنى الفني لها شعرياً. ومن أبرز الملامح الفنية في هذا الإصدار هو قيام شاعره بالربط الوثيق بين (المرأة) و(الزمن) بشكل واضح وجلي، بحيث يندر أن يخلو نص من النصوص أو مقطع من المقاطع النصية من ذكر المرأة بمعزل تام عن الزمن وتقسيماته الجزئية : سنة, شهر, أسبوع, يوم, ليلة, صباح, مساء, ساعة.....إلخ.

ومثل ذلك شائع بكثرة في جميع نصوص الديوان حتى بدا لنا - كقراء - وكأن المرأة قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الزمن الحقيقي الذي نعيشه أو أن الحياة بدونها ستتوقف عن الاستمرار إذ لا حياة بدون امرأة، ما دمنا - جميعنا- نؤمن بأن المرأة طرف أساسي في المعادلة الفطرية : (الرجل + المرأة = الحياة)!!.

ومن أبسط الأمثلة على ذلك نص تحت عنوان (ساعتان فقط) جاء من ضمنه قوله:

(ساعتان من العمر ريانتانِ

طلبتهما بعد قول السلام

يا حبيبي الجميل كأشجار قلبي

وأمطار بوحي

أَعطني ساعتينِ

أُرتِّب روحي

أَشدُّ مع المد غَيْمِ جروحي

أُسبح ربّي، أشكره أَنْ نَجَوْتُ

أَمدّ القوارِب

أَسحبها عن مياه لِنَهْر أَنيس

كَأُنْس به كنت أَصبو إِلَيْكَ

سَبَحْتُ به بالعيون

فَكان كَحُسْنكِ بالفضل يَسْبي

ساعَتْينِ أُربِّي ) . (3)

لقد أظهر محمد جبر الحربي اهتماماً بالغاً في المرأة من خلال ديوانه هذا وكأنها المخصوصة به - وحدها - دون الرجل فاحترم أُنوثتها وقدر مشاعرها، وارتقى بمخاطبته ومناجاته لها عن ميوعة التعبير وسذاجته وسطحيته، وعن أن تكون مجرد رمز لمتعة جسدية مستهلكة، أو شهوة عابرة، لتكون أرقى وأسمى وأبعد من هذا كله، فتعددت صورها ومواقعها من رؤيته كشاعر، بحيث كانت هي الحبيبة وهي الأم والأُخت والابنة، والزوجة قبل أن تكون أي شيء آخر.

***

(1) الديوان, ص 3

(2) الديوان, ص 12

(3) الديوان، ص 30

- حمد حميد الرشيدي