Wednesday 16/07/2014 Issue 15266 الاربعاء 18 رمضان 1435 العدد
16-07-2014

عيون تحمي الثغور

أفضل من يقوم بتأمين الحدود، والعمل على منع المتسللين من الدخول من وإلى أراضينا، هم قوات حرس الحدود؛ ولأن لولي الأمر حظًا وافرًا من النظر في مصالح الدولة؛ لحمايتها بسد الثغور، وحماية البلاد، ومقاتلة الأعداء، كونهم الأعلم بمسائل السياسة الشرعية، فقد نصت الأعراف، والاتفاقيات الدوليَّة على ضرورة حماية، وتأمين الحدود الدوليَّة بين الدول المجاورة؛ لمنع المتسللين، والمخربين، ومنع التهريب الذي يضر بالمصلحة العامَّة لهذه الدولة، أو تلك. وعلى كلٍّ دولة أن تفكر في موضوع كيفية حماية، ومراقبة، وتأمين حدودها الدوليَّة مع الدول المجاورة بقوات حرس الحدود، التي صممت لهذا الواجب، إضافة إلى الواجبات الأخرى التي قد تكلف بها هذه القوات، وعليه يجب أن يعطى الاهتمام الجدي؛ لتأليف، وتشكيل، وتجهيز قوات حرس الحدود؛ حتَّى تتمكن من تنفيذ الواجبات الموكلة إليها.

وهبوا أنفسهم للوطن، فحرسوا حدوده البريَّة والبحريَّة -ليل نهار-، وكانوا على خطّ النار، التي تجاوز أطوالها أكثر من ثمانية آلاف كيلو متر؛ من أجل المحافظة على أمن، وسلامة، وحدود الوطن من العابثين، والمهربين، والمتسللين؛ وليشهدوا رباطًا جليلاً بقلوبهم، وأرواحهم قبل أجسادهم؛ وليحتضنوا الحدود مدافعة عنها بأجسادهم، وإيمانهم.

الحياة على الحدود غنية بشتَّى أنواع المخاطر، ما بين صعوبة التضاريس في بعض المناطق، والأجواء المناخية المتقلبة، وظروف الدول المجاورة، ومع هذا كلّّه فإن تلك الظروف لم تمنع رجال حرس الحدود من التصدي لعمليات المواجهة، أيًا كان نوعها؛ رغم معايشتهم اللحظات الصعبة؛ وليبعثوا في قلوبنا الاعتزاز، والأمل، بعد أن جادوا بأرواحهم، وتحسبوا لمواقفهم، وأقبلوا على الموت على ألا يخونوا ما حملوا من أمانة؛ ليكون شرفهم مضاعفًا في حفظ أمن بلد الحرمين، ومهد الرسالة، ومهبط الوحي، وذلك في زمن كثر فيه المتربصون، والشائنون.

ولأننا اليوم أمام تحدٍ جديد مع عصابات إرهابية، ومجموعات إجرامية، وخلايا مسلحة، فإنَّ هذه العلاقة الوثيقة بين رجال حرس الحدود، وأمن الوطن، تجعلهم في مواجهة أزمات غير متوقعة على مدار الساعة، ومراقبة ما يعرف بالحدود الأكثر تحديًا في العالم، وهذا ما يقتضيه تطورات المرحلة، بما تحمله من رؤية استباقية، تبادر إلى صنع الحدث، دون أن تعيش على هامش ردة الفعل.

حب الوطن من الإيمان، والقتال في سبيل الدفاع عنه، وحماية الثغور من الجهاد، بل هو غريزة أودعها الله في العروق، فما بالكم: «ورباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا، وما عليها»، كما أخبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!. وعليه فإنني أبشركم يا رجال الحدود بأجر ثواب المرابطة، وحراسة الثغور، فتلك رسالة نبيلة تقومون بها، عندما تحرسون كل شبر من حدود مملكتنا الغالية، فالأمانة هنا تعظم، والحاجة تلح في حفظ ثغور البلاد، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: «بل المقام في ثغور المسلمين، كالثغور الشامية، والمصريَّة، أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة، وما أعلم في هذا نزاعًا بين أهل العلم، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، وذلك لأن الرباط من جنس الجهاد، والمجاورة غايتها أن تكون من جنس الحج، كما قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ}.

وإنني أدعو - في نهاية المقال - لكل مرابط على ثغور هذه البلاد المباركة برباطة الجأش، والسعادة في الدارين، سائلاً الله -جلّ في علاه- أن يتقبل من قُتل منهم في ركب الشهداء، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يبعثهم من الفزع الأكبر يوم القيامة آمنين.

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

مقالات أخرى للكاتب