Wednesday 16/07/2014 Issue 15266 الاربعاء 18 رمضان 1435 العدد
16-07-2014

في محاولة جريئة لمعرفة نفسي

يستطيع الإنسان معرفة نفسه، لكنه لا يريد معرفتها! لماذا!؟ علماً بأن ابن سينا لديه نص يشير إلى صعوبة معرفة الإنسان نفسه، جاء فيه: «وَلما كَانَت معرفَة الْإِنْسَان نَفسه غير موثوق بهَا لما فِي طباع الْإِنْسَان من الغباوة عَن مساوئه،

وَكَثْرَة مسامحته نَفسه عِنْد محاسبتها، وَلِأَن عقله غير سَلام عَن ممازجة الْهوى إِيَّاه عِنْد نظره فِي أَحْوَال نَفسه، كَانَ غير مستغن فِي الْبَحْث عَن أَحْوَاله والفحص عَن مساوئه ومحاسنه من مَعُونَة الْأَخ اللبيب الواد الَّذِي يكون مِنْهُ بِمَنْزِلَة الْمرْآة فيريه حسن أَحْوَاله حسناً وسيئها سَيِّئًا». ربما سبب صعوبة معرفته نفسه أنه لا يريد معرفتها خشية أن ينكشف له شيء لا يحبه في نفسه، إضافة للأسباب الواردة في نص «ابن سينا». فالإنسان يملك القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ عندما يراه في الآخرين؛ وبالتالي يملك تمييزه فيه. علماً بأن معرفة النفس لا تقتصر على إدراك الصواب والخطأ الذي يأتي عنها. قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ أَبُو حَاتِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ الأصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ، أَوْ قَالَ: الْجِذْلَ فِي عَيْنِهِ». وقال سبحانه {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (14) سورة الإسراء. وهناك مقولة ورد فيها: إن أعظم الحكمة معرفة الإنسان نفسه؛ لأن الحيوان هو من لا يستطيع معرفة نفسه. فمعرفة النفس من العقل.

نعود للفقرة بداية المقال، وسؤالي لماذا لا يريد الإنسان معرفة نفسه؟ لأنه لا يريد مواجهة عيوبه؛ وبالتالي أقرب حل لنفسه «الإسقاط النفسي» الحيلة الدفاعية: أن ينسب الفرد عيوبه ورغباته المحرمة والعدوانية أو الجنسية للناس حتى يبرئ نفسه، ويبعد الشبهات عنها، وهي حيلة لا شعورية، يرفض الاعتراف بها لما تسببه من ألم، وما تثيره من مشاعر الذنب. يقول علماء النفس إن الأفراد الذين يستخدمون الإسقاط هم أشخاص على درجة السرعة في ملاحظة وتجسيم السمات الشخصية التي يرغبونها في الآخرين، ولا يعترفون بوجودها في أنفسهم. لذلك كانت الاختبارات الإسقاطية ذات مكانة واسعة عند قياس الشخصية. هي عبارة عن وسائل غير مباشرة، التي يقوم السيكولوجي بتصميمها لدراسة الشخصية، والتي بواسطتها يمكن الكشف عن شخصية الفرد نتيجة ما تهيئه من مادة حية مناسبة يسقط عليها الفرد حاجاته ودوافعه ومدركاته ورغباته ومشاعره وتغيراته الخاصة بشكل لا شعوري. أقرب مثل عربي يصح أن ينطبق على فكرة مقالتي مقولة: رمتني بدائها

وانسلت. يروى أن قصه هذا المثل: أن سعد بن زيد مناة كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن كلب ابن وبرة، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكانت ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها: يا عفلاء. فقالت لها أمها: إذا ساببنك فابدئيهن بعفال سبيت. فأرسلتها مثلاً.

فسابّتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها فقالت لها رهم: يا عفلاء.

فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسلت. من لديه عيوب لا يملك مواجهة نفسه بها، ويسقطها على غيرها؛ لأنه من باب أولى لا يستطيع مواجهة الناس بها. علماً بأن الاستماع لرسائل النفس بواسطة التسلح بالقوة خطوة جبارة للحصول على الراحة والهدوء النفسي؛ لأن الفرد عرف نفسه، أو في محاولة لمعرفتها.

bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443

Twitter: @HudALMoajil

مقالات أخرى للكاتب