Saturday 19/07/2014 Issue 15269 السبت 21 رمضان 1435 العدد
19-07-2014

الحوار

تَسُرّك الرسائل والوصايا والحكم التي تَرِدك على جهازك المحمول سواء الهاتف الذكي أو الآيباد وغيرها من الأجهزة الحديثة التي تُعد من نعم الله على العباد وحق علينا شكر منعمها وميسرها لنا، ومن ذلك استخدامها الاستخدام الأمثل، وهو ما يستدعي التأمل بهذه المواعظ والرسائل الواردة، فمن أول التأملات أنها توحي بأن مجتمعنا فاضل يُزكي وينقي بعضه البعض الآخر ويدفعه لمزيد من الطهارة والارتقاء الذهني والنفسي، مما يعني بالضرورة الرقي بالتعامل فيما بين أفراد المجتمع قولاً وعملاً، فظاهر هذه الرسائل المتدفقة بين شرائح المجتمع بالملايين يصورنا وكأننا نعيش أيامنا بين رسولنا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وبين صحابته الكرام الأطهار الذين قدّموا للبشرية أروع المثل والقيم الإنسانية في التعامل والتحاور والمجادلة بالتي هي أحسن، غير أن الواقع يخالف ظاهر الصورة تماماً، فبيننا من يقرأ الرسائل النّصية بما فيها من حسن الوعظ وحكيم القول ثم يكتفي بنسخها وإعادة إرسالها للآخرين، وهذا لا يحقق الهدف السامي منها، وصور التعامل اليومي وما تتناقله الأخبار من أحداث بين أفراد وجماعات يُناقض هذه المفاهيم الراقية، وهذه عناوين سريعة لتقريب التصور الذهني المراد: قبيلة ترفض دفن رضيعة في مقبرة القرية بحجة انها من قبيلة أخرى، شاب بالعقد الثاني من عمره قام بالاعتداء وضرب وطعن طبيب وممرضة بمستشفى لعدم تنفيذهما مطالبه بإعطاء شقيقه المنوَّم أكسجين قبل الكشف عليه، بمحافظة الطائف رجل يعتدي ضرباً بالعقال على أحد المُهندسين المُمثلين لمكتب هندسي (يُبَتّر) مخططاً تُشرف عليه الأمانة وحاول دهسه في واقعةٍ تمّ توثيقها لدى الشُرطة، طالب ثانوي بمحافظة سراة عبيدة يعتدي على مدير المدرسة بـخنجر، شاب عشريني دخل إلى مدرسة بنات متوسطة بمحافظة الخبر مع شقيقاته وتهجّم على طالبة أثناء الاختبارات، فرموز هذه الوقائع جعلوا من أنفسهم مُشَرّعين وسُلطة تنفيذية، يحددون الأحكام وينفذونها حسب أمزجتهم ورؤيتهم، وكأن البلاد لا حاكم لها ولا نظام يرتب شؤونها، وقد تجاوزوا كل الشرائع والقوانين والأعراف بتصرفات هوجاء بعيداً عن الحكمة والحوار الإيجابي المؤدي لحل الخلافات بالحسنى، فإن لم يكن فدوائر القرار مُشرعة أبوابها تُنصف كل مظلوم، فالحوار لغة الإسلام المبنية على الإقناع لا القهر والإكراه، والقرآن الكريم يحث على الحوار كأسلوب يجب علينا إتباعه عند بحث القضايوالمشكلات، وهذا يلزمه الاعتراف بحق الآخرين بالتعبير الايجابي عن رأيهم، وهو الحوار وليس الجدل العقيم المفضي إلى الشقاق والاقتتال، ولتحقيق مقاصد الحوار فعلى المحاور أن يُلِم بثقافة وأصول التحاور ولباقة التعاطي بالكلام والردود المستميلة للقلوب لا المنفرة، فللحديث مع العقلاء قواعد وآداب لا بد من الأخذ بها ومراعاتها، فالغاية الوصول إلى الحوار المتكافئ القائم على إرادة الفهم وابتغاء العدل والمساواة والتعايش، ونبذ الكراهية والفوقية والتعالي على الغير سواء مواطناً أو وافداً جاء بعقد شرعي ليخدمنا فليس له إلا الإعزاز والإكرام، ومن اللؤم والعيب أن ننظر إلى أي غريب بعين الريبة والحسد والكره وكأنه جاء ليسلبنا ويصادر أرزاقنا، ولنستشعر الأمر إذا ما كنا في ديارهم هل نشعر نحوهم بهذا الشعور؟! إذاً لِمَ لا نكون عقلانيين معتدلين في انفعالاتنا وحوارنا، وأن لا نَدّعي المعرفة بكل شيء.

T@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب