Saturday 19/07/2014 Issue 15269 السبت 21 رمضان 1435 العدد
19-07-2014

تنمية المدن الحدودية والمنظومة الأمنية

برزت أهمية التعجيل في تحصين المدن الحدودية، وتنميتها، وإعادة تخطيطها بعد اعتداء الحوثيين على حدودنا الجنوبية، وتهديدهم أمن القرى الآمنة في منطقة جازان. مدينة الملك عبدالله السكنية عالجت جزءاً من المشكلة، ووضعت لبنة في مشروع استراتيجية تنمية المناطق الحدودية.

التطورات الأخيرة في العراق والشام واليمن تستوجب منا العمل على تطوير أدوات الحماية المتاحة، منها تحصين وتنمية المدن والمنافذ الحدودية؛ بما يساعدها على صد الاختراقات المتوقعة، وتوفير الدعم والمساندة للجهود الأمنية الشاملة. لم يعد الوضع آمنا كما كان عليه من قبل مع وجود جماعات الإرهاب وخطط الاستهداف الغربية. تُواجَه المملكة بمخططات خارجية، تستهدف وحدتها، وأمنها، واستقرارها. بعد أن يئست قوى الشر الغربية من تحقيق أهدافها التخريبية؛ بمساعدة تنظيم «القاعدة»، بدأت في رسم استراتيجية جديدة تقوم على استغلال الإرهاب الدولي لتحقيق أهدافها؛ وأسندت مهام تنفيذها لجماعة «داعش» الإرهابية.

يبدو أن الأهداف الغربية الصفوية التقت في تنظيم «داعش» المُصطنع حديثاً. وبرغم الأدوار القذرة التي تقوم بها الاستخبارات الغربية إلا أن أعمالها الدولية تخضع لقوانين صارمة؛ تحد من حريتها، وتجعلها غير قادرة في بعض الأوقات على تمويل جماعات الإرهاب بشكل مباشر؛ ما يفرض عليها البحث عن جهات بديلة، قادرة على التمويل، وتوفير الأسلحة من السوق السوداء. يبدو أن إحدى الدول (الشقيقة) أخذت على عاتقها دور التمويل القذر لـ»داعش»، وتوفير الدعم والمساندة، ومنها توفير المركبات الجديدة والأسلحة النوعية نيابة عن الاستخبارات الغربية الصفوية التي تولت أمر التخطيط والقيادة والتوجيه.

قد تكون حدودنا الشمالية ضمن المواقع المستهدفة من قوى الشر؛ وهو أمر ما لم يغب عن الجهات المسؤولة، التي أعلنت رفع جاهزيتها الأمنية منذ أن بدأت التهديدات الخارجية مع اختلال أمن المنطقة، وتمدد الإرهاب ذي الصبغة الاستخباراتية في الشمال والجنوب، وبروز دور الدول العابثة بأمن واستقرار الخليج؟ يبرز الدور المهم لتنمية المدن والمنافذ الحدودية, وتحصينها على أسس علمية مدروسة, ووفق استراتيجية أمنية شاملة قادرة على تشكيل خط دفاع أولي، ومواجهة الاختراقات الحدودية والمواجهات العسكرية المتوقعة.

خلق المدن الحدودية وفق التوزيع الجغرافي الدقيق قد يساعد كثيراً في صناعة مناطق دفاع أولية لمواجهة الأخطار المتوقعة من دول الجوار، في الوقت الذي تساعد فيه خطط التنمية الشاملة في تقوية المدن والمراكز الحدودية القائمة. أحسب أن المناطق الحدودية في حاجة ماسة لمزيد من التنمية؛ بما يسهم في رفع كفاءتها الخدمية، وتطوير اقتصادياتها، وتحويلها إلى مناطق جذب للسكان.

تفريغ المدن الحدودية من سكانها لأسباب تنموية صرفة أمر غاية في الخطورة، كما أن تباعد المدن الحدودية عن بعضها يسمح بوجود مساحات كبيرة يمكن التوغل فيها بسهولة من قبل الجهات المعادية. منظومة الحماية ذات العلاقة بالمدن النموذجية تسهم في دعم جهود القوات الأمنية بشكل كبير، وتوفر خط دفاع أولي، يَصعُب اختراقه بسهولة. أصعب الحروب تلك التي تُدار من حدود مختلفة ومتباعدة، وأشد المواجهات تلك التي يكون أطرافها جماعات إرهابية متفرقة وغير منظورة؛ ومن هنا يأتي دور المدن الحدودية في تكريس الأمن وتوفير غطاء الحماية السريع لمواجهة الأخطار المتوقعة، والمساهمة في دعم الجهود الأمنية.

لا يمكن للمدن الحدودية القيام بذلك الدور الأمني بكفاءة ما لم تحظَ بالتنمية العاجلة والشاملة. أحسب أننا في حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية تنموية خاصة بالمدن الحدودية، بما يضمن تحويلها إلى مدن نموذجية تحظى بكامل الخدمات، وتتوافر فيها الفرص التعليمية والوظيفية أسوة بالمدن الرئيسة. تنمية اقتصاديات المناطق والمدن الحدودية يفترض أن تكون من أولويات الحكومة. الوفرة المالية الحالية قادرة على إحداث التطوير المأمول في مدة زمنية قصيرة. يمكن للحكومة إنشاء قطاعات صناعية كبرى في المناطق الحدودية، وإنشاء مناطق تجارة حرة تزيد من أهميتها الاستراتيجية، ليس للمملكة فحسب بل للدول المجاورة التي ستكون أكثر حرصاً عليها؛ لما توفره لها من علاقات تجارية مهمة. مناطق التجارة الحرة توثق العلاقة بين الشعوب المتجاورة قبل الدول، وتسهم في دعم البعد الأمني بشكل كبير. علاقة المصالح تسهم في صناعة الأمن والسلام، وتوطد العلاقات الشعبية والحكومية، وتعمل على صناعة طوق أمني يصعب اختراقه. أعتقد أن تنمية المناطق الحدودية على علاقة مباشرة بالأمن والاستقرار؛ وكم أتمنى أن تتولى وزارة الداخلية مسؤولية وضع استراتيجية تنموية أمنية للمناطق الحدودية، وفق الرؤية العالمية التي تعتمد التنمية أساساً للأمن والاستقرار.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب