Sunday 20/07/2014 Issue 15270 الأحد 22 رمضان 1435 العدد
20-07-2014

غزة ... المرمى المفتوح لقنابل التدمير

إسرائيل عدوّ شرس متوحش، عندما ينتقم يستخدم أقصى وأقسى أشكال التدمير والفتك. هذا ما أظهرته في عدوانها الأخير على غزة؛ وليست هي المرة الأولى، فقد عانى هذا القطاع الصامد مرّات ومرّات من التدمير والفتك الإسرائيلي. أما هذه المرة فإنها تبدو كنسخة مكررة مما حدث في لبنان عام 2006.

في ذلك العام قام حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين من وراء خط الحدود الفاصل بين لبنان وإسرائيل ثم قتلهما. وكان رد الفعل الإسرائيلي في غاية القسوة؛ إذ قامت بعدوان جوي وبري على لبنان، نتج عنه تدمير البنى التحتية المدنية وقتل ما يزيد عن ألف مواطن لبناني، ولم يتمكن العدو الإسرائيلي من تدمير حزب الله. لكنه انسحب بعد جهود دبلوماسية واتفاق على وضع قوات دولية على شريط عريض من الجانب اللبناني من الحدود. ثم خيّم السكون على الجبهة منذ ذلك الحين. وقد صرّح حسن نصر الله لاحقاً بأنه لو علم بمقدار الدمار الذي سيلحق بلبنان لما أقدم على عملية الاختطاف. وبعد أن استعاد - بدعم إيراني وسوري- توازنه العسكري فرّغ شحنات (المقاومة) ضد وطنه وليس ضد عدوه، فاحتل بيروت في عام 2008، ثم أرسل مجنّديه إلى سوريا لدعم النظام الطائفي الحاكم في جرائم الإبادة التي يمارسها ضد الشعب السوري منذ عام 2011. عدوان إسرائيل على غزة سبقه أيضا اختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية من قبل عناصر تابعة لحركة حماس- كما يقال-، وقتلهم. وقادت همجية المستوطنين إلى الرد باختطاف الطفل الفلسطيني (محمد أبو خضير) وقتله بطريقة بشعة، مما أثار الاستنكار والاشمئزاز في العالم عامة وعند الفلسطينيين على وجه الخصوص. واختارت (حماس) أن تظهر غضبها بطريقة تعرف - من تجارب سابقة - أنها ستستفز إسرائيل إلى طريقة أعنف. فقد أطلقت مئات من الصواريخ المتطورة ذات المدى الأبعد والتأثير الأقوى . ولا شك أن بعض هذه الصواريخ التي لم تصطدها القبة الحديدية الإسرائيلية أوجعت الإسرائيليين، حيث وصلت إلى مدنهم الرئيسية وقواعدهم العسكرية. لكن الذي تلقى الدمار والأضرار في الأنفس والبيوت والخدمات هم المواطنون الفلسطينيون في غزة. فعلى مدار خمسة أيام - حتى مساء الثلاثاء 15 يوليو - دمرت القوة الجوية الإسرائيلية أكثر من خمسمائة منزل، وقتلت حوالي 200 وأصابت حوالي 1400 مواطن فلسطيني إلى جانب تدمير بنى تحتية ومباني حكومية ومواقع لحماس والجهاد الإسلامي. إن التشابه بين ظروف العدوان الإسرائيلي الجديد وبين ظروف حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، ثم ما صرح به مسؤول العلاقات الدولية بحركة حماس (أسامة حمدان) في مقابلة مع صحيفة (السفير) اللبنانية يوم السبت الماضي بأن (هناك تعاوناً وتنسيقاً دائماً بين الحركة وحزب الله...... وفي النهاية هذه المعركة ستكون إنجازاً جديداً للمقاومة،يس فقط لفلسطين، بل لكل قوى المقاومة في طريق مواجهة المشروع الصهيوني). كل هذا يوقظ التوجس بأن التخطيط والتنسيق مع حزب الله أو غيره لا يتم من منطلق مقاومة وطنية فلسطينية ومصلحة فلسطينية صرفة، بل من منطلق الإيديولوجية التي تتبناها حماس وغيرها من التنظيمات الإسلامية المسيّسة والتي تتجاوز الإطار الوطني، فيصبح الهدف الفلسطيني هدفاً ثانوياً، أو مجرد واجهة لما هو أبعد. ومهما تكن الحسابات والتوجهات السياسية والأيديولوجية لحركة حماس، فإن تضحيات الشعب الفلسطيني وصموده أمام شراسة العدوّ الإسرائيلي تؤكد أن قدرته على الصمود والتحدي ليست مرهونة بظرف أو حادثه بل ثابتة وأصيلة. وأخشى ما أخشاه أن تكون حركة حماس في غاية الاطمئنان إلى هذا الثبات في الصمود والاستعداد للتضحية، فلا تبالي بالثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني ويستنفد مع طول المعاناة وكثرة الصدمات قواه ومقدراته، فكأنها - دون أن تدرى - تعين العدوّ على شعبها. وبصرف النظر عما ستسفر عنه المبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي فإن المتوقع أن يتفق على التهدئة وعلى تعهدات بفتح المعابر وتخفيف الحصار، وربما الإفراج عن أسرى وضمان عدم إطلاق الصواريخ. وهو اتفاق قد يمكن التوصل إليه بدون هذا التدمير الوحشي وبدون قتل مخطوفين. خطف الجندي (جلعاط) والاحتفاظ به أسيراً انتفع به حوالي ألف سجين فلسطيني أطلق سراحهم. انتفاضة أطفال الحجارة في عام 1987 حققت للفلسطينيين نصراً معنوياً وسياسياً حقيقياً، لأنهم واجهوا العدوّ شعباً موحداً. ذلك ما يحتاجه هذا الشعب المناضل: وحدة القيادة ووحدة الهدف. لكن ما نراه الآن مما يشعر إخوتنا في فلسطين بالإحباط ويتحمل مسؤوليته القادة في الضفة الغربية وقطاع غزه هو اختلاف في المواقف والأهداف بل تناقض كبير بينها. الاتفاق على هدف يمكن تحقيقه هو المنطلق لوضع خطة إستراتيجية موحدة يحترمها العالم ويدعمها. فما هو الممكن من الأهداف التالية:

* تحرير كامل التراب الفلسطيني: هل سيتنازل اليهود عن فلسطين طوعا؟ أم ننتظر إلى أن نصبح أقوى منهم فنحاربهم بسلاح أمضى من سلاحهم - هل هذا هدف واقعي في عالم اليوم؟

* الاندماج بين الشعبين الفلسطيني واليهودي في دولة واحدة. لن يرحب أي من الشعبين بذوبان هويته، لاسيما أن اليهود يخشون من التفوق السكاني للفلسطينيين.

* دولة فلسطينية بحدود 1967: هذا الهدف هو أقرب الأهداف إلى التحقيق. فهو يحظى بتأييد أكثر الفلسطينيين بمن فيهم خالد مشعل، وتبنته المبادرة العربية عام 2002، وتدعمه أكثر دول العالم. ولكل جهة ملاحظات، هي قابلة للتفاوض إذا اتفق على مبدأ دولة بحدود 1967. الجهات المعطلة للحل حتى الآن هي حماس وأخواتها ودول داعمة لها، ودولة إسرائيل التي تشترط الاعتراف بيهوديتها وهو شرط لو تحقق لكان مصير السكان الفلسطينيين فيها إما التهويد أو الطرد أو المعاملة كجالية أجنبية. لكن لو اتفق الفلسطينيون على هذا الهدف، وسعوا تحت قيادة موحدة لتحقيقه، فلن يبالى العالم بشرط إسرائيل، لأنه شرط عنصري بغيض.

مقالات أخرى للكاتب