Sunday 20/07/2014 Issue 15270 الأحد 22 رمضان 1435 العدد

المَنفيَّة!

ريم الصويلحي

في ذلك المبنى القصيّ يتحشرجُ صوتُ تلكَ المَنفيّة.. المُبعَدة.. المخذولة!

تلكَ المُضغة السائغة للعادات والتقاليد والأعراف السوداء!

تلكَ المُشرئبّة بدَمِ أبوينِ ضخّاها بحُبّ إلى هذه الحياة!

وَيوماً مّا تَركا دمهما يفورُ في جسدٍ مُنهك..ذبلت فيه الحياة!

تركوها..في ذلكَ المَنفى الذي أسموهُ تَلطُّفّاً بـ«دار الضيافة» وَالذي يستضيفُ بود كأيّ مأوى حكوميّ قلوباً سامها المجتمعُ بصُنوف العذاب!

هُناكَ يا سادَة.. خُتمَ على «الأُنثى» بالعَار لتُنفى عن حُضن أسرتها «الوطن» الذي كان أولى بها في كل حالاتها!

هُناكَ.. تمَخض التفريق من صدر المجتمع الذكوريّ، الذي جعلَ خطيئةَ الرجل جرحا يُطَبَّب ويمكن تمريضه وخطيئةُ الفتاة مرضاً لا يُرجى بُرؤهُ وَعاراً ونَكالا!

عَجبتُ من هذا المجتمع ولا مفاتحَ تفتحُ ما استغلقَ على فهمي لطينتهم!

فهل قرأتم في شريعتنا يوماً أن الذكر تغفر ذنوبه والأنثى تضاعف لها!

أم فاتتكم قصةُ أبينا و أمنا حينما أُخرِجا من الجَنة في أول خطيئة بشريّة

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} نسبَ اللهُ جلّ جلاله الخطأ لكليهما وأخرجهما معاً وَلم يستثنِ آدمَ من الخروج بعدله عز وَجَلّ وحكمته.

وتواترت الآياتُ التي تساوي الرجل والمرأة في العقوبات والجزاء غير أن بعضنا يأبى إلا أن يُخفف الحُكم على الرجل وَيُثقّله على المرأة ويحتفي بالرجل بعد توبته وربما جعل منه داعية إلى الله حكواتياً يقص على القومِ حكاية رجوعه إلى ربه بينما الفتاة تُبعد وَتُسحق وَيُطوى ذكرها!

وإنيّ لأقول? قولي هذا عن وَجدٍ وحُرقة فَلعلكم تفقهون!

وَأسألكم يا عُقلاء قومي عن الإنصاف في فتاة وَرجل وَقعا في ذات الخطيئة وَحُكمَ عليهما بالسجنِ ما شاء الله ثمّ انتهت محكومتيهما، أما الرجل فعادَ لبيته محمولاً على الشوق والرحب والسعة!

وأما الفتاة فقد رَفض ولي أمرها استلامها لتُحالَ إلى»دار الضيافة» لتُنفى عن أهلها التي يُفترض أن تكونَ بعد محنتها بينهم ليحتووها ويعينوها على نفسها الخطاءة ويعضدوها ويستروا عليها!

فأي قسوة تلك التي رانت على قلوب أبويها.. وَأهلها..أو من يعولها!

وأيّ عادات بالية أزاغت أبصارهم عن تولي أمرها!

إنهُ والله.. الظلمُ بعينه!

إنّ الفتاة حينَ تُخطئُ فإن الذي حملها على الخطأ عاطفتها على الأغلب!

وبعضُ الرجال يخطئ بمكابرة وشهوة فأيهما الذي يستحق النفيَ بربكمْ!!

وأيّا كانت الخطيئة فإن الله عدل في أحكام الشريعة بين الذكر والأنثى فلماذا أنتم تظلمون!

لماذا تصفحون عن الرجل وتنفون المرأة!!

وأبُشركم أيها الظَلمة أنّ المُستضافات في دارالضيافة «بُنياتكم» اللاتي نفيتموهن يتفيأن نعمَ الله عليهن بالغدوّ وَالآصال!

لبسَن من نسيج الندم لَبوسَ التوبة وَلُذنَ بالله، يحتويهن برحمته وغفرانه قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وتحتَ مسؤولية الدولة التي تُحكّم الشريعة لا تحت مسؤولية مجتمع يُحّكمُ العادات والأعراف!

وَهناكَ شق آخر من الفتيات يُناصفُونهنّ محنةَ المنفى في بُعدٍ ظالمٍ آخر!

وَيا للحُرقة!

فتياتٌ بُلينَ بأنصافِ الرجال استضعفوهنّ ونلنَ منهم العذاب فاستضافتهن الدار تحت مُسمى (المُعنّفات)!

عَنف الله كلّ رجل استقوى على امرأة وَأذاقه حُرقةً لا تغادر قلبه!

وَأُبشّرُ أنصافَ الرجال أيضاً أن مُعنفاتهم في ضيافة الدار مُطمئنات هانئات يتلفعنَ الصبر ويتسربلنه ويحتسبن ما أصابهنّ رفعةً لهن عند الله!

وَالحمد لله الذي منَّ على هذه الفئات بمثل هذه الدار المُباركة التي شَرُفنَ الصديقات في فريق «غمام» التطوعيّ بزيارتها ومُشاركة الفتيات فيها بالفعاليّات الجميلة التي أبدتْ للجميع طُهر نفوسهن وزكاوة أرواحهنّ المملوءة بالأمل.

نقلنَ لي آمالهنّ وَأمانيهنّ وبعثرنَ شجوني لأشاطر مشاعرهن بهذه الرسالة الحارقة لكل وليّ أمر:

أن يتذكر أنه عبدٌ خطّاء مثلهن وأن الحساب عند الربّ، وإذا كان الله برحمته غفار وَتواب فما بالك أنت الضعيف لا تعفو ولا تغفر!!

فَبادر باحتضان من فرّطت بها وأعدها إلى موطن أسرتها، فالقلوب التائبة فياضةُ المشاعر.. جليلةُ الإحساس.. نبيلةُ المقصد.. أسيفةٌ مشحونةٌ بالتقوى!

- الرياض