Wednesday 23/07/2014 Issue 15273 الاربعاء 25 رمضان 1435 العدد
23-07-2014

"ألقمه حجر"

ينشط هذه الأيام في تويتر مجموعة من الأشخاص يعبرون عن فكرهم ورغباتهم ومواقفهم السياسية مما يحدث في محيطنا العربي، فهناك من يلبس عباءة الإخوانجي وهناك الداعشي وهناك الطائفي، وهناك القومي، والمشترك الأعظم بينهم هو التوتر في النقاش والجدال والهبوط بلغة الحوار لمستوى القذف والشتم والتخوين وأحياناً ما هو دون ذلك أخلاقياً. معظم هؤلاء يمارسون هذا الإسفاف بمعرفات وهمية وهم على قناعة أن ذلك يحميهم من النقد الاجتماعي أو العقاب القضائي، ولكن هناك من يعلن عن نفسه بمعرف يحمل اسمه الحقيقي، وقد استرعى اهتمامي رجلان، كلاهما دكتور في الإعلام وكلاهما إخواني الميول والتوجه، ولكل منهما مئات آلاف المتابعين، بعد أن سبرت غور تغريداتهما التاريخي لعام مضى، لم أجد أن أي من الرجلين يطرح فكرا محددا يمكن نقاشه، فكل ما لديهما هو شتائم وانتقاص وتخوين لمن هو مختلف ومديح وتلميع لمن هو متفق معهما، وغير ذلك ينحصر في نشر مقاطع أو صور أو رتويت لمن يسير مسارهما.

من يرتاد تويتر بصورة مستمرة لا يملك إلا أن يشعر بأسى وأسف عندما يرى أن الخطاب الجاف والعدائي تجاه المختلف في تويتر مرتبط بصورة ظاهرة بمن له توجهات دينية، فالغالب على حوارات المنتمين للتيارات الدينية: داعشية كانت أم إخوانية أو طائفية هو خطاب عدائي تجاه الآخر يحمل فيه مضامين التخوين والتكفير والتفسيق، والظن السيئ ويشتمل عبارات سوقية ومهينة للإنسانية أحياناً، وهذا لا شك ليس من الإسلام في شيء، فالإسلام دين التسامح والتصالح والدعوة بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة، ما يجري في تويتر ليس له علاقة بالإسلام ولا يجب أن يحسب عليه فهو فضاء تنطلق به عقالات الحكمة والعقل ويسيطر على المرتادين الشجار اللغوي وما يحمله من عبارات ومعاني، نعم هناك رجال ونساء أفاضل يساهمون مساهمات فكرية وأدبية مفيدة، ولكنهم قلة بين الكثرة الغالبة التي فات عليهم أن قاعدة المسلم الحق في الندوات والحافل هي «قل خيرا أو اصمت»، حالهم هو أن تكلموا تكلموا بباطل وإن صمتوا فقد صمتوا عن حق.

الواقع الذي أتكلم عنه في تويتر أثار لدي الرغبة في فهم الدوافع والمبررات التي تجعل من معظم الحوار بين المختلفين فكرياً في بلادنا هو تبادل للشتائم وإصرار على استنقاص آدمية الشخص الآخر، وتوصلت لحقيقة مؤسفة، وهي أن هذا السلوك هو سلوك تربى عليه المجتمع، بل إن مناهج التعليم هي من أسس في عقول الكثيرين أحادية الاحتمال، فعقول البعض لا تحتمل وجود شخص آخر مختلف ولا تجد في اختلاف الآخر إلا معاني الكفر والخيانة والتآمر، فالمختلف عدو بالفطرة لهؤلاء، هذا هو ما جعل عبارة «ألقمه حجر» من أكثر العبارات تداولا بين فئات مرتادي تويتر من السعوديين، وهذا السلوك غير مقصور على متدني التعليم بل هو أكثر بين أصحاب الشهادات العليا.

في مقال سابق طالبت بحظر تويتر وتوفير بديل وطني له يعتمد ضوابط تمنع الشتم والتخوين والعداء، اليوم توصلت لقناعة أن المشكلة ليست في تويتر، المشكلة في القاعدة الأخلاقية للمجتمع، فمجتمعنا لا يرى بأسا في التجني والإذلال لأي شخص طالما أن المتعدي بذلك شخص متدين، فالمتدين في مجتمعنا لديه حصانة اجتماعية من اللوم عندما يسف في القول أو يلقم أحد حجر، حتى ولو فعلها حقيقة.

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

مقالات أخرى للكاتب