Sunday 27/07/2014 Issue 15277 الأحد 29 رمضان 1435 العدد
27-07-2014

(عشق الحور) .. ولهيب جهنم

أصبت -مثل الكثيرين غيري- بالصدمة عند سماع نبأ الاعتداء الإجرامي على مركز الوديعة الحدودي بجنوب المملكة الذي نفذه إرهابيون تكفيريون من شباب هذا الوطن الذين وقعوا في براثن تنظيم القاعدة، وغرّهم في دينهم ما أوحى به إليهم شياطين هذا التنظيم من مُفتين ومنظّرين ومتسلّطين

-من خلال تأويلاتهم المنحرفة الأهوائية لنصوص الكتاب والسنة، وأساليب غسل الأدمغة. فعندما يسمع المرء في إحدى مبثوثات (اليوتيوب) أحد الشباب التكفيريين ينشد مع اثنين من أصحابه بنشوة تصاحبها ابتسامة داعية مغرية أنشودة تتضمن عبارة (يا عاشق الحور.. وينك) تنطبع في الذهن على الفور صورة شاب في مقتبل العمر وعنفوان الشباب وفورة نموه العاطفي يتخيّل نفسه متمتعاً بلذة الجنس مع الحور العين بقدر ما يشتهي، وأنه لا يفصل بينه وبين نيل هذه اللذة سوى خطوة واحدة تدخله الجنة. أما ما هو المطلوب منه لكي يخطو إلى الجنة وحورها العين فقد رسمه مشايخ التكفير الذين زيّنوا له محاربة وقتل من أضفوا عليهم صفة الكفر -سواءً كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً- فلوّنوا خيالاتهم بعشق الحور ووعدوهم بدخول الجنة. ولا يهمّ إن كان المقتول فرداً أو جماعة في مكان عام، مدنيّاً أو عسكريًّاً، طفلاً أو امرأة أو شيخاً؛ ولا يهمّ أيضاً كيف يتم القتل: برصاصة أو قنبلة أو صاروخ أو حزام ناسف؛ وإن نجا الإرهابي من الموت، فإنه يتم تجهيزه للقتلة التالية. لا يهمّ الإرهابي أيضاً لماذا يقتل أو يُقتل، فهذا هدف مرسوم من التنظيم غير قابل للتساؤل. إنه زعزعة الأمن وزرع الإحساس لدى الناس بفقدان الأمان ومحاولة التغلب على السلطة. ومن أجل تبرير ذلك ينسج التنظيم الإرهابي معايير التكفير الفضفاضة التي يُلبسها على من يريد محاربته، مستمدّاً أساسها العقدي من نظريات وأفكار مبتدعي الفكر الإسلامي المتطرف وداعياً إلى اعتبارها مبرراً للإرهاب تحت مسمى الجهاد. جميع التنظيمات (المؤدلجة) -سواءً كانت إسلامية أو غير إسلامية تتبع منهجيات متشابهة، مثل الأحزاب الفاشية أو الشيوعية، ومثل ما نعرفه عن حزب البعث أو حزب الله أو تنظيمات التطرف الإسلامية. جميعها تحتاج لشباب أصحاء مندفعين يفعلون ما يؤمرون. لذلك يختار قادة هذه التنظيمات الشباب الغض قليل الخبرة القابل للاستمالة والإثارة وتصديق دعوات وإيحاءات أولئك القادة. وفقاً لعقيدة التنظيم يتم بث الأفكار التي تثير النزعات العرقية أو الطائفية أو المذهبية أو المعيشية (الصراع الطبقي)؛ وهي نزعات تحدث تأثيراً قوياً وعميقاً في نفس الشاب الذي يمرّ بمرحلة النموّ العاطفي والحاجة للشعور بالانتماء. والبيئة الملائمة لتوليد هذا الشعور هي الجماعة التي تستبطن النزعة نفسها- سواءً كانت جماعة متأصلة مثل العرق أو الطائفة، أو مستحدثة مثلالحزب أو تنظيم حركي. وعندما يستثار القوم المنتمون لنزعة معينة لأي سبب كان -كالتحريض المتعمّد، أو النزاع على ولاية، أو التعصب لمذهب، أو غير ذلك - تتسيّد الكراهية والرغبة في إفناء الطرف المختلف في الانتماء. أما التنظيمات التكفيرية فإنها -إلى جانب ذلك- تحجب عن أبصار المنتمين لها والمتعاطفين معها رؤية الحق وتعتبر محاربة من تضفي عليهم صفة الكفر جهاداً في سبيل الله، لكي تبرر جريمة قتل المواطن المسلم لمواطنه المسلم في البلد المسلم، وتعد بالنصر أو الشهادة. وهذا الوعد ضروري لمن يراد منه أن يبيع روحه. فالشهادة هي تذكرتهم التي يلوّحون بها للدخول إلى الجنة. فهل التغني بعشق الحور جزء من ذلك الوعد؟ ألا يشبه هذا الأسلوب صكوك الغفران التي قيل إن بابا الكنيسة الكاثوليكية كان يصدرها في عصر الحروب الصليبية لجذب المقاتلين؟ إن الحق الذي حجب التنظيم رؤيته عن أبصار الشباب المخدوعين يتضمن: أولاً التذكير بالآية الكريمة (93) من سورة النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، فقبل الانسياق وراء عشق الحور يجب تذكر لهيب جهنم. وثانياً أن الله أعدّ الجنة للمتقين (نجد ذكر ذلك في مواضع عديدة بالقرآن الكريم)؛ فهل من التقوى قتل حرس الحدود المرابطين أو قتل المسلمين والمعاهدين المسالمين أو قتل الأطفال والنساء والشيوخ في تفجيرات عمياء، أو الانتحار بحزام ناسف؟

هذه الجرائم ليست من الجهاد ولا من التقوى في شيء. المجاهدون حقاً هم أولئك الذين يرابطون على حدود بلادهم لردّ المعتدين أو لحمايتها من مهربي المخدرات ومهربي الأسلحة أو الأموال أو البضائع المغشوشة أو المتسللين.

مقالات أخرى للكاتب