Sunday 27/07/2014 Issue 15277 الأحد 29 رمضان 1435 العدد
27-07-2014

الرقص في زمن الحرب!

يقول مدير مهرجان البندقية السينمائي ألبرتو باربيرا للصحفيين عند كشفه عن الأفلام المشاركة في المهرجان «هناك الكثير من الأفلام التي تتطرق إلى الحرب. للأسف نحن نعيش وقتاً يعلو فيه مجدداً بشكل خطير شبح الحرب». وهذا أمر طبيعي جداً أن يسيطر همّ الحرب وأزماتها على معظم الأفلام المشاركة في هذا المهرجان؛ لأن العالم يعيش في الوقت الراهن عديداً من الأزمات الاقتصادية والسياسية؛ لذلك من المتوقع أن ينعكس ذلك على الأدب والسينما في مجمل إنتاجهما!

ولعل من الغريب أن مجمل هذه الحروب تحدث في العالم العربي، وهذه الأزمات والتقلبات السياسية، والصراعات التي تظهر بين الأحزاب والجماعات، هي في الدول العربية، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى سوريا إلى العراق، وأخيراً في قطاع غزة. لكن السينما العربية، والدراما العربية بشكل عام، مشغولة بالسخرية والتهريج، والهز والرقص، وكأنما ما يحيط بها لا يعنيها من قريب ولا من بعيد!

وليت الأمر يتوقف على التجاهل فحسب، وإنما ظهرت أصوات تدعو على الشعب الفلسطيني بالويل والثبور، وتتمنى لو يسحق سلاح الجو الإسرائيلي المتغطرس كل هذا الشعب الذي عانى على مدى أكثر من نصف قرن من ويلات الاستبداد والقمع والقتل المنظم.

فلم نعد كما كنا قبل عقود، نسخر من مواقف الحكومات الغربية، التي لا تتقن سوى الشجب والاستنكار، بل إننا نتمنى من يشجب ويستنكر، بعد أن ذهبت قرارات وبطولات الجامعة العربية في المجهول. كم نتباكى الآن على تلك الاجتماعات العربية، التي لا تفعل شيئاً سوى الاستنكار والإدانة، فقد أصبحت الإدانة في هذا الزمن الغريب أمراً محموداً، وعملاً بطولياً!

لقد أفرزت لنا هذه الحروب حالات عجيبة من المواقف؛ فهناك من يلمّح إلى وقوفه مع إسرائيل، ومع هجومها الوحشي ضد قطاع غزة، وهناك من يصرّح بذلك علنًا، وعلى الهواء مباشرة، ويفاخر بذلك، ويعتبر أن قضية فلسطين خاسرة، بل يستكثر على هذا الشعب الصامد حقه في المطالبة بفك الحصار، وأن يعيش بشكل طبيعي كما الشعوب الأخرى، يتعلم ويعمل ويأكل ويشرب، بل يمتلك ميناء على البحر، يسافر من خلاله، ويستقبل البضائع، كأي شعب مماثل!

هل علينا بعد كل هذه الأصوات الإعلامية الشاذة التي تشتم في الفلسطينيين أن نعتب على الدراما العربية، وعلى السينما العربية، التي تحلق في عالم بعيد جداً عن الواقع، عالم ساخر وساذج وراقص، بينما أتون الحروب تُلهب المنطقة، وتلتهم أبناءها؟

علينا إذن أن نعيش الواقع المرير ونتابعه من خلال نشرات الأخبار، ونكتوي بمآسي أهلنا هنا وهناك، وعلينا أيضاً أن نشكر هؤلاء الذين يشعرون بمآسينا من منتجين ومخرجين وممثلين أجانب، وهم يوثقون صراعاتنا الطائفية، وحروبنا الداخلية، ونبتهل إلى الله لأن نعود كما كنا، لا نلتفت لاختلافنا الطائفي، ونؤمن بالتعايش السلمي بين الطوائف والتيارات والأديان، ونشيع ثقافة التسامح بيننا.

مقالات أخرى للكاتب