Tuesday 29/07/2014 Issue 15279 الثلاثاء 02 شوال 1435 العدد
29-07-2014

تركيا والدور المنتهي الصلاحية!

استنفرت (تركيا) كلّ قواتها منذ أكثر من ثلاث سنين، أي منذ ما سُمِّي بالربيع العربي. هي كما تقول (تحسباً) لما سيستجد بعد الربيع الذي تكشف عن خريفٍ أسطوري، ونحن نعرف أنها تطمع في حال انتكست رايات ذلك الربيع إلى الوراء كما حصل في جزءٍ من تلك الجغرافيا المهيبة التي هلّ عليها الربيع (المهجّن) كي يكون لها من (الطيّب) نصيب، وهو ما يتعلّق بعودة السلطنة العثمانية الإمبريالية؛ لتحكم الطوق على رقبة العالم العربي الذي لم ينجُ من أطواقٍ، بعضها أحكم عضته على رقبته وسامها سوء العذاب،

وبعضها لم ينجُ منه سوى حال اقتسم العالم الأبيض المسمّى الآن بالحرّ - مع أنه كان وما زال مستعبداً من طقوس الكنسية التي تطورت وفرّعتْ من ضمن ما فرّعت ما يدعى بـ(حزب المحافظين الجدد) أو (الكنيسة الصهيونية) مدعوماً بنظرية (فوكو ياما) ورؤى وأحلام (جورج بوش الابن بمعركة جرمدّون) التي يجري السيناريو فيها على أن اليهود سيقضون على المسلمين كلهم في معركة عالمية واسعة ومن ثم يقضي الكنسيون النصارى على اليهود ليبقى العالم عالم المسيح وعالم الخرافات التي لا ينظر إليها الغرب بنفس نظرة الشرقيين إلى ماضيهم وما يحمله من ديانات سماوية وأخرى (وثنية)، لكنها تشترك مع النسيج الذي يشكّل روح الشرق، وهو الكامن في تلك الروح المتسامحة المتسامية على منطق التصفيات والمصادرة والإلغاء التي ميّزت الغرب المسيحي الذي لا نرى فيه وطناً منه ينظر لقضايا العرب والمسلمين كقضايا جديّة، ناهيك عن أنه يتحول حين الضراء إلى دور حكم كرة القدم الذي يمكنه التحامل على فريق ما طول الوقت، لكنه في لحظة يبصره العالم فيها يعجز عن إهدار ركلة جزاء للفريق الذي يميل إليه كل الوقت فيطلق صافرته بضجيج يشبه (النواح) على ما كان سيصيبه من كمال النعمة والرفاهية.

و(تركيا) وإن نظرنا إليها نظرة تعاطف لكونها تضم غالبية عظمى من المسلمين، التي تقع في قارتي (آسيا) و(أوروبا)، لما تزل تجتر تاريخاً أسود من الهيمنة على العالم العربي، وخصوصاً أنها لم تزل تطمع في أن يعود وسيلة للجباية كما كان منذ ليالي زمان! فما هو الفرق بين الغرب المسيحي الأبيض ومَن كان ولي أمر الشرق الأسمر المسلم والمسالم ومنبع الحضارات ومهد الثقافات والحضارات؟! إنه فارق صنعته على مدى لا يزيد على قرن أو أكثر قليلاً القوة التي منحت هذا الشرق استقلالاً صار لا يختلف عليه اثنان معتمداً على محركه الديني والعرقي والثقافي الذي صبغه الله باللون الذي يختلف عن ألوان العالم الحرّ، ويميّزه عنه. فلدى العامة منا يقين راسخ بأن فلاناً (فقير نصارى! لا دينَ لا دنيا!). ومع أننا ضد هذه النظرة الأحادية؛ لأننا نؤمن أن هذه أرض الله وحده، وهو من يختار لها دياناتها ومعرفتها وبوصلتها وموقعها من الصراع العالمي، ومدى قوتها ومدى ضعفها في هذا الميزان الذي يكسب فيه من يعرف متى يزِنُ نفسه؟! ومتى يعتبر عملية الوزن هذه ليست استعراضاً، لكنها الكلمة الفصل في أي حوار غير ودّي يجري أو هو سيجري بين متشابهي أو متقاربي الوزن. وبالطبع، فإن من خفّ وزنه فهو على الأكثر لا يطمع في دورٍ أكبر من دور التضميد والتمريض وتعبئة الآليات بالوقود بعد سماع صفارات الأمان.

تكمن مشكلة العالم العربي و(ميزته الخلاقة في الوقت ذاته) في أنه لا يطمح إلى دور (مضمد) أو نحوه، لكنّ به ميلاً للقيادة، وهو جدير بهذا الميل كونه العالم الذي اختاره الله موئلاً لرسالاته البينات ومحجة لكتبه ورسله (لا نفرق بين أحد من رسله). وهكذا، فإن تركيا لم تكن قادرة على (فعل) استعمار حقيقي سوى ما سمعته أنا - ولم يقل لي - من إمام جمعة في مصر قبل ثلاثين عاماً، وفي منطقة تجاوزها الزمن، يدعو خاشعاً بالعافية للسلطان عبد الحميد الثاني!

hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.com

www.jarrallah.com - حائل

مقالات أخرى للكاتب