Tuesday 29/07/2014 Issue 15279 الثلاثاء 02 شوال 1435 العدد
29-07-2014

صراع الأديان وحروبها ومثقفوها

غرد «أحدهم في تويتر قائلاً: (الغرب قلق من الإسلام، إن تركه امتد، وإن حاربه اشتد) ؛ فعلق آخر مؤيداً، ومشيداً: (لله درك! ما أوجز هذه العبارة وأروعها وأصدقها). مطلق هذه العبارة زمن علق عليها يحملان درجة الدكتوراه، أي أنهما نظرياً يُفترض أن يتحريا (الدقة) والعلمية التي تقوم على المنطق فيما يصدر عنهما من مقولات؛ فهل ما يقولانه صحيحاً؟

العبارة في تقديري ليست إلا (ضرباً من ضروب الوهم) إذا لم يقصد بها مطلقها التغرير بالسذج والبسطاء، تصلح أن تكون مثالاً للسجع في لغة العرب، أما غير السجع فلا شيء يُذكر؛ اللهم إلا تضليل النشء، وتكريس الكراهية والبغضاء بين المسلمين والغرب.

خطورة هذه العبارة أنها ترسيخ أن الصراع يبين أمم الأرض كان وما زال هو صراع بين الأديان، وما دام دين الأغلبية الكاسحة من الغربيين هي (المسيحية) كما تقول الأرقام، فإن الصراع في حقيقته هو في النتيجة صراع بين المسلمين والنصارى.

صحيح أن الصراع بين الأديان كان هو الغالب على الصراعات والحروب بين الأمم كما يقوله تاريخ العصور القديمة والوسطى؛ بل ويمكن القول بعلمية إن أغلب الحروب التي عرفها تاريخ الإنسان على الأرض، وأفظعها دموية، كانت (الحروب الدينية)؛ فهناك عصر في أوروبا - مثلاً - اسمه (عصر الحروب الدينية) استمرت خلاله هذه الحروب، واستمرت ثقافتها، وسيطرتها على عقول الناس، قرابة المائة والثلاثين عاماً، وحصدت من أهل أوروبا - كما يقولون - قرابة المليوني ضحية. ثم اكتشفوا أن الحروب الدينية هي حروب عبثية، فالعقائد في العقول لا يمكن أن تقضي عليها السيوف؛ فإذا انتصرت هذه الطائفة الدينية على الأخرى، فإن هذا الانتصار يعني أنه سيزيد عدد المذعنين و(المنافقين) وليس المؤمنين، وأن هذه الطائفة ستذعن للمنتصر، حتى تسترد قوتها، ثم تبدأ في حرب من هزمها ثانية، فإذا انتصرت فإن انتصارهم سيزيد من عدد المنافقين وليس المؤمنين من الطائفة الأخرى، وهكذا دواليك؛ أما الخاسر من هذه الحروب فهم البسطاء الذين يُلقي بهم (الكهنوتيون) في أتونها، لتبقى لهم الكلمة الأولى، والسيطرة على الرعاع، ويعود لهم ما تؤول به هذه الحروب والصراعات من غنائم على المستويين المادي والمعنوي.

اكتشف الأوروبيون أن (الحروب الدينية) لا طائل من ورائها إلا القتل والدماء وتدمير الحضارات؛ لذلك شرّعوا ثقافة جديدة، من شأنها أن تقضي على بواعث وأسباب هذه الحروب، وسحب البساط من تحت أقدام مشعليها والمستفيدين منها، ومن ينفخون في حرائقها. هذه الثقافة الجديدة مؤداها بالمختصر المفيد: (عش أنت ودع غيرك يعيش)، وأن (الدين لله والوطن للجميع)، فانطلق التعاون بين الأمم بدل الصراع، والتفاهم على الخلاف، بدلاً من اللجوء إلى السلاح، والحوار بدلاً من التطاحن؛ فكيف يدعو الغرب إلى ما قامت حضارتهم أساساً على اجتثاثه، فيعود ليحاربنا على أسس وبواعث دينية، كما يزعم صاحب التغريدة؟

نعم الغرب تهمه مصالحه، وقد يُحارب - أيضاً - من أجلها، لكنه لا يحارب إطلاقاً لأسباب وبواعث دينية، أو لنصرة هذه الطائفة أو تلك.

ثم أريد من أخي القارئ أن يرصد أسباب الصراع الدموي القائم في العراق وسوريا، ويسأل نفسه: ما بواعث الصراع بين مكونات الشعبين في العراق وسوريا، سيجد أنها بواعث طائفية دينية محضة، ففي العراق - مثلاً - الشيعة يريدون أن يستأثروا بالسلطة والثروة والمناصب المؤثرة، والسنة يرفضون التهميش، ويطالبون بحقهم من السلطات وثروات وطنهم، والشيعة عملياً يرفضون ويصرون على الاستئثار، فأنتج الخلاف بعث (حرب طائفية دينية)، لن ينتصر فيها إلا الموت والدمار ومخيمات اللاجئين، وسوف ينتهون (قطعاً) إلى ما انتهى إليه الأوروبيون.

وفي سوريا ثار السوريون أولاً على النظام الحاكم، يطالبون بالحرية والمشاركة في صناعة القرار، رافعين في مظاهراتهم الشعار الشهير الذي يقول (سوريا بدها حرية)، فانتهز الكهنوتيون الفرصة، وحولوا الصراع بين النظام والثوار، من كونه صراعاً لا علاقة له بالدين والطوائف كما بدأ، إلى حرب دينية طائفية ضروس بين السنة والشيعة، والنتيجة ما ترونه بعيونكم من مآسٍ إنسانية، و دمار، لم يُبق ولم يذر.

إن من أهم الأسس التي تقوم عليها ثقافة (الحركية) المتأسلمة، أنها تختلق في البداية عدواً، حتى وإن كان (وهمياً)، ثم تُحرض، وتشحذ الهمم لمواجهته، والانتصار عليه؛ بحجة أن الله معنا نحن المسلمين، وليس مع الآخرين. ثم يختلف المسلمون فيما بينهم على من هي (الطائفة) التي تمثل الإسلام، فيقتتلون على تمثيل الإسلام؛ كما هو حاصل الآن في أغلب الدول التي عصفت بها عواصف الإسلام السياسي؛ ليتحول شعار (الإسلام هو الحل) الذي رفعه ذات يوم «حسن البنا»، وروجت له فيما بعد (قناة الجزيرة) وأساطينها، وعلى رأسهم «يوسف القرضاوي» إلى شعار جديد مؤداه (نصرة الطائفة هي الحل)، وحروب طاحنة على من له الحق في تمثيل الإسلام، يشيب من هولها الولدان كما كان يقول العرب.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب