Wednesday 30/07/2014 Issue 15280 الاربعاء 03 شوال 1435 العدد

بوتين ونقطة التحول

نينا خروشوفا:

نيويورك - بعد أن أصبح العجز في الكرملين قاتلاً، فربما حان الوقت لكي يرتعد القائمون عليه خوفًا. فمع تدفق الأخبار إلى روسيا عن إسقاط طائرة الخطوط الجويَّة الماليزية (الرحلة رقم 17) فوق أراضي أوكرانيا، يتذكّر أصحاب الذاكرة القوية هجوم الاتحاد السوفييتي، قبل واحد وثلاثين عامًا بحلول سبتمبر - أيلول من هذا العام، على طائرة الخطوط الجويَّة الكورية (الرحلة رقم 007)، وما ترتب على ذلك من عواقب سياسيَّة.

في ذلك الوقت، لجأ الكرملين في مستهل الأمر إلى الكذب على العالم فادَّعى أنه لا علاقة له بالطائرة الكورية المفقودة على الإطلاق.

وفي وقت لاحق زعم أن الطائرة الكورية الجنوبيَّة كانت في مهمة تجسس أميركية. ولكن داخل القيادة السوفييتية كان ذلك الحدث بمثابة نقطة تحوَّل بالغة الأهمية.

فقد أنهت الحياة المهنية للمارشال نيكولاي أوجاركوف رئيس هيئة الأركان العامَّة والمتشدد الأكثر صلابة على الإطلاق، الذي كانت جهوده المتعارضة وغير المقنعة لتبرير إسقاط الطائرة شديدة الإحراج للكرملين.

لقد فضح عجز أوجاركوف (وأكاذيبه السخيفة الحمقاء)، جنبًا إلى جنب مع تصاعد فشل حرب الاتحاد السوفييتي في أفغانستان منذ عام 1979، شيخوخة النظام وتداعيه.

فقد تعمق الركود الذي بدأ خلال حكم ليونيد بريجينيف بعد وفاته في عام 1982.

وعندما وصل خليفتاه، يوري أندروبوف من الاستخبارات السوفييتية، ثمَّ كونستانتين تشيرنينكو من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، لم يكن كل منهما عندما وصل إلى السلطة قد وضع ساقًا في القبر فحسب، بل وكان الاثنان أيْضًا غير مجهزين على الإطلاق لإصلاح الاتحاد السوفييتي.

وكانت الخسائر الهائلة في الأرواح في أفغانستان (والتي تعادل خسائر الولايات المتحدة في فيتنام، ولكن في فترة زمنية أقصر كثيرًا) تقترح بالفعل في نظر كثيرين أن الكرملين أصبح مصدر خطر شديد على نفسه؛ وبدا الهجوم على الطائرة المدنية وكأنه يؤكد هذا الرأي الناشئ.

وكان هذا الإدراك هو الذي حفز صعود ميخائيل جورباتشوف إلى السلطة، فضلاً عن دعم سياسات جورباتشوف الإصلاحية بين القيادات السوفييتية.

إن التاريخ ليس قدرًا محتمًا بطبيعة الحال، ولكن من المؤكد أن البعض على الأقل في حاشية الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، إن لم يكن بوتين ذاته، كانوا يفكرون في فشل أوجاركوف وتأثيره على النخبة السوفييتية.

وعلى أية حال، لا يجد قادة الكرملين بما فيهم بوتين غضاضة في تعريف أنفسهم من خلال ما كان وليس ما قد يكون.

والواقع أن الأساس الذي بنى عليه بوتين ضم شبه جزيرة القرم يشبه إلى حد كبير المنطق الذي استند إليه بريجينيف في غزو أفغانستان: لإرباك وردع أعداء يسعون إلى تطويق البلاد.

ففي عام 2004م، في حديثه مع قدامى المحاربين الروس حول غزو أفغانستان، شرح بوتين لهم الأسباب الجيوسياسيَّة المشروعة لحماية الحدود السوفييتية في آسيا الوسطى، تمامًا كما استشهد في مارس - آذار بمخاوف أمنيَّة لتبرير الاستيلاء على أراض أوكرانية.

في عهد بريجينيف، عكست السياسة التوسعية ثروة البلاد الجديدة المستمدة من موارد الطاقة.

وكان تحديث بوتين للمؤسسة العسكرية على مدى العقد الماضي مستندًا أيْضًا إلى صادرات الطاقة.

ولكن أحدث ثروات الطاقة غير المتوقعة في روسيا كانت كافية لحجب إدارة بوتين العاجزة للاقتصاد عن الأنظار، مع اعتماد النمو والإيرادات الحكوميَّة الآن بشكل كامل على قطاع النفط والغاز.

وعلاوة على ذلك، يمتد عجز بوتين إلى ما أبعد من الاقتصاد. فلا تزال قواته الأمنيَّة وحشية وغير مسؤولة؛ وفي بعض أجزاء البلاد اندمجت هذه القوات مع عصابات إجرامية.

ولا يوفر جهازه القضائي الخاضع أيّ قدر من الارتياح للناس العاديين؛ أما المنشآت العسكرية والغواصات ومنصات النفط ومعدات التعدين والمستشفيات ودور المسنين فإنَّها تنفجر أو تنهار أو تغرق بسبب الإهمال وانعدام المساءلة.

عندما يتراجع الدعم الشعبي لضم بوتين لشبه جزيرة القرم - وهو ما سيحدث حتما - فسوف تبدو اخفاقاته جلية للعيان في ضوء كارثة الطائرة الماليزية.

وإذا عملت الدَّوْلة الروسية على ما يرام فقد يكون بوسع بوتين أن يستمر في تحمل الضغوط التي يمارسها قادة المعارضة. ولكن الاتهامات التي تطلقها المعارضة بأن نظام بوتين يتألف من «نصابين ولصوص» سوف يتردَّد صداها بقوة أكبر، لأن الروس بات بوسعهم الآن أن يروا النتائج في كلِّ مكان من حولهم.

ومن خلال تحويل نفسه في واقع الأمر إلى دولة، مثل حكم الشيوخ الذي انهار مع صعود جورباتشوف، أصبح كثيرون ينظرون إلى بوتين على نحو متزايد باعتباره مسؤولاً عن كل اخفاقات الدولة.

وبالرغم من أن الروس المتعقلين ربَّما أصبحوا رهينة لغطرسة بوتين وأخطائه، فإنَّ بقية العالم ليست كذلك.

والواقع أن شركائه - وخصوصًا بلدان مجموعة البريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا) - من غير المُرجّح الآن أن يغضوا الطرف عن ازدرائه للقانون الدولي والسيادة الوطنيَّة لجيرانه، كما حدث بالفعل خلال القمة البرازيلية الأخيرة.

ويبدو أن آخر غمامات أوروبا التي حجبت عنها سلوكيات بوتين لفترة طويلة قد سقطت، والنتيجة أن فرض العقوبات الجادة يكاد يكون مؤكِّدًا الآن.

إن بوتين يبلغ من العمر 61 عامًا فقط، أيّ أنَّه أصغر سنًا من الزعماء الذين قادوا الاتحاد السوفييتي إلى الهاوية بنحو عشر سنوات، ويسمح الدستور الروسي له بالبقاء في السلطة لمدة عشر سنوات أخرى على الأقل.

ولكن مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.3 في المئة فقط في عام 2013 - وفي ظلِّ العقوبات التي من المنتظر أن تعجل بانحدار الاقتصاد - فلن يظل الفخر الوطني كافيًا لحجب اخفاقات بوتين لمدة أطول.

لقد فضح النظام السوفييتي العفن الذي عجل بانهياره المحتم بالمبالغة والإفراط في استعراض القوة في أفغانستان والكذب بشأن إسقاط الطائرة الكورية.

وليس هناك من سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن مصير الجهود التي يبذلها بوتين لإعادة تأسيس روسيا كقوة إمبراطورية قد يكون مختلفًا.

- نينا خروشوفا: مؤلفة كتاب «تخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة»، ومحاضِرة الشؤون الدوليَّة في جامعة نيو سكول، وكبيرة زملاء معهد السياسة العالميَّة في نيويورك.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2014.

www.project-syndicate.org