Tuesday 05/08/2014 Issue 15286 الثلاثاء 09 شوال 1435 العدد
05-08-2014

فلنجعل الصبر ديدننا

أمر إلهى حتمي لكل المؤمنين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

قيم عظيمة مرتبطة كلها بالصبر، ومنها المصابرة، والمرابطة والتقوى التي هي طريق الفلاح، وكأن تقوى الله لا تكتمل إلاّ بالصبر، والفلاح في الدنيا والآخرة لا يتحقق إلاّ بالصبر والمصابرة التي هي الثبات على الحق.

***

الصبر صفة من أقوى الصفات لزوماً ومعاناة، وهو من أسمى قيمنا الأخلاقية زينة وحسناً والتزاماً. الصبر هو دوام ترويض النفس على الاستقامة ومشاقها، والصبر على المصائب وآلامها، وعن المنهيات والشهوات ولذاتها.

***

لن تثبت قيمة من القيم العليا في الإنسان إلاّ إذا كان صابراً.. فالصبر من أكبر الأخلاق حجما ومراعاة ومعاناة، يمتنع به الإنسان عن فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وقبل ذلك يصبر أكثر على ما يجب أن يكون عليه.. نحن نصبر على الصيام بإخلاص مع شدة المعاناة والجوع والعطش (أحياناً).. نصبر على البر بالوالدين ورعايتهما مهما كان حالهم المادي أو المعنوي، نصبر على مشقة الإخلاص في العمل وحسن الأداء مهما كان صعباً؛ حتى لا نكدر رزقنا الحلال بشيء من الحرام إذا أهملنا شيئاً من واجبات العمل، أو تركناه دون عذر قهري.

***

على الإنسان أن يوطن نفسه على الصبر بشدة وعزم ويقين ورضاء دون جزع أو ملل أو كراهية وسخط، فإن ذلك يشوه جمال الصبر، ويذهب بعظيم أجره.

***

وقد ورد في الأثر (عجباً للمؤمن؛ كل أمره خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

ويقول الشاعر:

تصبّر ففي الإرواء قد يُحمد الصبر

ولولا صروفُ الدهر لم يُعرف الحُر

وقال آخر:

ثلاث يعزّ الصبر عند حلولها

ويذهل عنها عقلُ كل لبيب

خروج اضطرار من بلاد بحبها

وفُرقة إخوان، وفقد حبيب

وللصبر مواطن كثيرة في حياتنا. فنحن مطالبون بالصبر عند الكوارث والمحن والموت، والمرض ومأجورون عليه، ولهذا كانت التعازي هي دعاء لأهل الفقيد (عظم الله أجركم وألهمكم الصبر والثبات).

وقال البحتري:

تعزَّ بالصبر واستبدل أسى بأسى

فالشمس طالعةٌ إن غُيب القَمرُ

***

ماذا يحتاج الصبر منا لنكون بحق من الصابرين، وما جزاء هذا الصبر إذا تحقق..

يحتاج الصبر إلى إيمان ثابت، وعزيمة قوية، ورباطة جأش عند الأمور التي تحتاج منا إلى صبر، دون أن يضعف الشيطان بوساوسه هذه العزيمة؛ قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، وأجر ذلك عند الله عظيم.. ليست مكافأة مالية أو شهادة تقدير تمنح للصابر في احتفال؛ إنما هي الجنة خير الجزاء للصابرين، وناهيك بالجنة.. الحديث عنها لا ينتهى {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }.. {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}.. {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}.

وهنا نحن في حاجة إلى توفيق الله لنا بالثبات على الصبر، ومكابدة الشعور بالضعف (ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا).

***

(صبروا، تصبروا... نصبر... اصبر... صابروا... ما أصبرهم... اصطبر... الصبر... الصابرين... الصابرات.... صبار) مئة وثلاث مرات تكررت فيها صور الصبر لمختلف الضمائر والأسماء في كتاب الله الكريم والحث على الالتزام به..

***

الصبر للمنافحين عن حرية أوطانهم محقق لنصرهم وفوزهم..

الصبر للطالب المجد حتماً سيصل به إلى الفوز.

الصبر على المرض والمعاناة، مستعيناً بالله راجياً عفوه سوف يتحقق له الأجر وبإذن الله الشفاء.

الصابر على أداء العمل إخلاصاً كاملاً سوف يبارك الله له في رزقه، ويحقق له البركة في حياته.

الصابر على إيذاء بعض الناس سينال خير الجزاء من الله تعالى.

الصابر على ضيق الرزق والمعاناة في العيش مستعيناً المرأ بالله سوف يتحقق له الخير حتماً بفضل الله.

الصبر سمة المؤمن المخلص، الواثق من قدرة الله على تحقيق كل ما يصبر عليه {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.

نحن منفذون لأوامر الله تعالى في الصبر:

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}.

{أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}.

{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.

{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

{فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}.

***

وفي الصبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم (ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدنيا والآخرة: الدعاء في الرخاء، الرضا بالقضاء، والصبر عند البلاء).

وقال على - رضي الله عنه (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له).

وقال محمد بن على بن الحسين (الصبر صبران: فصبر عند المصيبة حسن جميل، والصبر عما حرم الله أفضل).

وقال الشاعر العربي:

إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة

فافرغ لها صبراً وأوسع لها صدرا

فإن تصاريف الزمان عجيبة

فيوما ترى يُسرا ويوما ترى عسرا

***

اللهم اجعلنا من الصابرين بحق، الثابتين على عبادتك برضاء وصدق، واصرف عنا نزع النفس والشيطان، واستعجال أداء الأمور، وثبت أقدامنا على الحق، والصبر، والإيمان.

حقاً.. ما أعظم هذه القيمة العظيمة من قيمنا الرفيعة، والتي لو التزم بها المسلم حقاً لهانت عليه كل أموره، وسهلت له كل مطالبه.

***

وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.

رحمه الله

مقالات أخرى للكاتب