Wednesday 06/08/2014 Issue 15287 الاربعاء 10 شوال 1435 العدد
06-08-2014

ملامح من كود البناء السعودي

يتضح جلياًَ مدى حرص واهتمام حكومتنا الرشيدة من خلال صدور قرار مجلس الوزراء السعودي الموقر بتشكيل لجنة وطنية لإعداد كود بناء موحد، من شأنه تطوير قطاع البناء والتشييد والرقي به في ظل الظروف والتطورات التقنية والعلمية المصاحبة محليا وإقليميا وعالميا. ولقد استشعرت اللجنة عظم المهمة التي عهدت إليها بها، فانطلقت فور استكمال تشكيل الأمانة العامة في التخطيط المنهجي الدقيق لإصدار كود البناء السعودي الموحد على أسس تكفل ملاءمته لظروف المملكة وإمكاناتها وقيمها. ولقد تألفت اللجنة الوطنية التي أشرفت على إعداد وصياغة هذا الكود من جهات مختلفة من الدوائر الحكومية ذات العلاقة والجامعات والقطاع الخاص والمكاتب الهندسية والاستشارية.

يشتمل كود البناء السعودي على مجموعة من القوانين والنظم الإدارية والفنية المتعلقة بالبناء والمبنية على القواعد العلمية والهندسية، وذلك لضمان الحد المقبول من السلامة والصحة العامة والجودة والراحة والتكلفة، مع الأخذ في الاعتبار خواص المواد والظروف الطبيعية المحلية ومتطلبات الحماية من الحريق والأخطار الطبيعية كالزلازل والرياح وكذا الغرض من استخدام المنشآت.

نشأة كود البناء السعودي

إن اتساع رقعة المملكة وترامي أطرافها وتعدد مناخاتها وتنوع تضاريسها وتباين تربتها، إضافة إلى ما وضعته من خطط خمسية تنموية طموحة وما يمنحه ولاة أمرها للمواطنين من أراض وقروض سهلة التسديد، كل هذا أدى إلى ازدهار قطاع التشييد والبناء في المملكة وتسارع نموه وتطوره وجذبه للأيدي العاملة من مهندسين وفنيين ومهنيين وغيرهم من كل بقاع العالم، فتعددت طرق البناء وتشعبت أساليبه ونظمه مما جعل الحاجة ماسة لوجود نظام بناء يكفل سلامة المواطنين وراحتهم، ويتلاءم مع ظروف المملكة المناخية والجغرافية ويواكب ما تشهده من طفرة عمرانية ويوحد نظما للبناء، ويكون مرجعا فنيا يساعد على حسم ما قد يحدث من منازعات فيها، ومن هنا تأتي أهمية كود البناء السعودي للمواطنين والعاملين في قطاع التشييد والبناء، والكود لا يقتصر على سلامة المنشآت فحسب بل يوفر المتطلبات التي تحقق السلامة والراحة لمستخدميها وترشيد الإنفاق عند التنفيذ وأساليب الصيانة المناسبة وغيرها من أمور حيوية ، لذا نجد أن الإطار العام الذي تم تحديده لكود البناء السعودي تضمن جميع اللوائح والمتطلبات الإدارية والقانونية والمعمارية والإنشائية والكهربائية والميكانيكية والصحية وترشيد المياه والطاقة والحماية من الحريق ولوائح المباني القائمة، إضافة إلى لوائح ومتطلبات أخرى.

ولعل من أهداف الكود أن ينظم العلاقة بين جميع الأطراف المعنية بعملية البناء ويحدد المسؤوليات بطريقة واضحة بحيث تقل الخلافات وتحسم المنازعات على أسس عادلة ، ولعل المستفيد الأكبر من هذه العملية المواطن الذي يتخذ الكود كأساس لأعمال البناء التي يقوم بها وعندها سيكون مطمئنا إلى أنه اعتمد المعايير الصحيحة من الناحية التنظيمية والفنية، أما من الناحية الفنية فإن الكود سوف يكون مرشدا لتنفيذ جميع المراحل بدءا من مرحلة التصميم حتى مرحلة التسليم النهائي، مقيما الأسس ومحددا المتطلبات التي تكفل سلامة المبنى وتماشيه مع الظروف التي يتعرض لها سواء من التربة أو من المناخ أو الاستعمال عاملا على ترشيد استخدامات الطاقة.

إن الاستفادة من خبرات من سبقونا في هذا المجال أمر ضروري، حيث إن موضوع الكود فني متشعب ودقيق وقد حدثت فيه الكثير من الدراسات والإنجازات من مختلف دول العالم شأنه شأن أي موضوع مهم ذي طبيعة عامة، ولهذا يجب أن لا نكون بمعزل عن التطورات العالمية ولا يمكن أبدا أن نبدأ من نقطة الصفر، بل لا بد من الاستفادة من هذه الجهود ولا يعني أخذها كما هي دون دراسة بل لا بد من تطويعها لتلائم ظروفنا وقيمنا وبلورتها في صيغة تناسبنا، وهذا مسؤولية اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي وما يتفرع منها من لجان، حتى نقف على مجريات التطورات العالمية عليها والاطلاع على ما يمكن من دراسات ووثائق وكودات عربية وأجنبية.

كود البناء السعودي والمواصفات القياسية

المواصفات القياسية تحدد المتطلبات التي يجب أن تتوافر في مواد البناء والتشييد لكي تفي بأغراض استخدامها، لذا فقد كان للهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس دور كبير في التمهيد لصدور كود البناء السعودي حينما عكفت الهيئة منذ إنشائها على الاهتمام بإصدار مجموعة متنوعة من أسس التصميم والتنفيذ ذات الطبيعة العاجلة، لكنها كانت تضع في حسبانها ضرورة إصدار كود بناء موحد ينظر إلى جميع الموضوعات نظرة شاملة ويعالجها بأسلوب منسق، ولقد تكاتفت معها جهات مسؤولة وفي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية، وتوجت هذه الجهود بصدور المرسوم الملكي رقم 7 - ب - 3230 وتاريخ 9 - 3 - 1421 هـ تلاها قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 174 وتاريخ 15 - 6 - 1422 باعتماد الخطة العامة للجنة الوطنية لكود البناء السعودي لإعداد كود بناء موحد في المملكة العربية السعودية، وبناء عليه فقد شرعت اللجنة الوطنية بتنفيذ الخطة العامة وإعداد مشروع كود البناء السعودي في صيغته النهائية الذي سيرى النور قريبا - بإذن الله -.

ونجد أن كودات البناء لها علاقة بكل نواحي تصميم وتنفيذ المباني، وهي تعتمد المواصفات القياسية عند تحديد المواد المستخدمة من أجل الوصول إلى الحد الملائم من السلامة والصحة العامة والتكاليف، لذا فإن الكود يغطي مجالات واسعة فنية وإدارية وهندسية وعلمية تشمل كل النواحي المعمارية والمدنية والإنشائية والميكانيكية والكهربائية والصحية والحماية من الحريق ومتطلبات الكفاءة الزلزالية للمباني والمنشآت في جميع المراحل، بدءا من التصميم ثم الإشراف حتى التنفيذ، فكود البناء يحدد اشتراطات الأمان والسلامة والراحة بحيث يكون متلائما مع المناطق المناخية والجيولوجية المختلفة.

وتكمن أهمية الكود في أنه يشكل مرجعية قانونية لتنظيم المسؤوليات بين الجهات ذات العلاقة في عملية البناء، فهو يحدد مسؤولية ودور كل من المالك والمصمم والمشرف والمنفذ، أما المواصفات فهي تختص بمواد البناء والتشييد، وهي تعالج المواد وتحدد شروط القبول والرفض لكل المواد الإنشائية، وتحدد كذلك أسلوب الفحص والاختبار بما يتوافق مع المواصفات القياسية العالمية، وهناك المواصفات الفنية العامة للمبنى وهي تعالج كل ما يتعلق بالمنشأة أثناء مرحلة التنفيذ مثل خصائص المواد الإنشائية المستخدمة وطرق تنفيذها وفحصها وشروط أمان واستقرار المنشأة.

أهداف كود البناء السعودي

يشتمل كود البناء السعودي على مجموعة من القوانين والنظم الإدارية والفنية المتعلقة بالبناء والمبنية على القواعد العلمية والهندسية، وذلك لضمان الحد المقبول من السلامة والصحة العامة والجودة والراحة والتكلفة، مع الأخذ في الاعتبار خواص المواد والظروف الطبيعية المحلية ومتطلبات الحماية من الحريق والأخطار الطبيعية كالزلازل والرياح وكذا الغرض من استخدام المنشآت.

يوفر الكود المعيار والمقياس لمتطلبات واشتراطات الأمان والسلامة والراحة والتكلفة المناسبة والتنظيم اللازم توافرها في المبنى لتأكيد الحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات وتقليل المخاطر، كذلك يوفر الكود متطلبات محددة يبنى عليها التصميم والتشييد والتفتيش يجب إنجازه من خلال التصميم التشييد والفحص، وإذا وجد تعارض بين أحكام وبنود كود البناء السعودي وأي نظم وتشريعات أخرى تكون إلزامية التطبيق لكود البناء السعودي. ولذلك فإن الكود يتميز بأنه يغطي المزيد من التوافق والتصميم العالي الجودة ويأخذ في اعتباره مناطق جغرافية واسعة باختلاف أجوائها وطبيعتها، ويجب أن يلتزم المصمم الذي يعمل ضمن حدود الكود بلوائحه وبنوده واشتراطاته.

وكود البناء السعودي الموحد بعد إنجازه يكون ملزما لجميع الجهات الخاصة والحكومية، حيث يحدد الاشتراطات والمتطلبات والقواعد والأنظمة والتشريعات الفنية والإدارية اللازمة لضمان السلامة العامة والصحة والجودة والراحة والتكلفة المناسبة والتنظيم في عمليات البناء التي تضمن جودة التصميم والتنفيذ والاستعمال السليم، لهذا يهدف الكود إلى وضع قواعد محددة ولغة واضحة للمصممين والمنفذين والمشرفين والجهات المختصة، لكي تتبعها أثناء العمل حتى لو لم يتم ذكر ذلك في عقد أو اتفاقية، حيث إن الكود يصبح بمثابة النظام الملزم عند اعتماده، لذا فإن تأثيراته الإيجابية سوف تنعكس تلقائيا على جميع مجالات التشييد والبناء خاصة المواطن العادي الذي لا تتوافر لديه الخبرة الفنية، ويكفي الشخص العادي عند الاتفاق مع مكتب استشاري لتصميم منزله أن يقول: «التصميم يكون حسب متطلبات كود البناء السعودي» أو عند الاتفاق مع المقاول أن يقول: «يتم التنفيذ حسب اشتراطات كود البناء السعودي» وبهذا يضمن دقة التصميم وحسن التنفيذ وسلامة أداء المنشأة.

مكونات كود البناء السعودي

كانت هناك تجارب غنية في المملكة العربية السعودية في استخدام كودات البناء ولكنها محددة جغرافيا ومؤسساتيا لأرامكو والهيئة الملكية للجبيل وينبع ووزارة الأشغال العامة (آنذاك)، مما يخدم أغراضها ومشروعاتها ومرافقها التابعة لها، وكان استخدامها وقفا عليها أي لم تكن متاحة للاستخدام العام. وبعد أن تم التفكير في إيجاد كود موحد تم تبني كودات عالمية تتسم بالشمولية والانتشار مثل كود مجلس الكودات العالمي (ICC) والكود العالمي للبناء (IBC) الصادر في أمريكا والكود الأوروبي (EC) وكود البناء الوطني الكندي (NBCC)، كذلك قامت اللجنة بدراسة ما لدى الجهات والمصالح الحكومية من مواصفات وأنظمة بناء وخطط ونتائج مشروعات وأبحاث وطنية. كذلك تمت الاستعانة بلوائح أخرى مثل الصادرة عن اللجنة الدولية الكهرتقنية (IEC)، كذلك تمت الاستعانة بكودات عربية صادرة عن مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب التابع لجامعة الدول العربية.

ويتكون الإطار العام لكود البناء السعودي على عدد من اللوائح والاشتراطات منها المعمارية التي تتعلق بالأعمال المعمارية ونوعية الاستخدام ونظم التشييد للمباني، ومنها اللوائح والاشتراطات الإنشائية التي تتعلق بالتحليل والتصميم الإنشائي والفحوصات اللازمة، كما يشتمل الكود على لوائح واشتراطات كهربائية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والتمديدات الكهربائية للمباني، كذلك لوائح واشتراطات ميكانيكية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتركيبات الميكانيكية للمباني، ولأهمية ترشيد الطاقة وترشيد المياه في المملكة فإن الكود يشير إلى لوائح ومتطلبات الترشيد في أعمال التصميم والتشييد كما يتطرق الكود إلى لوائح واشتراطات صحية تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة الأنظمة والأجهزة والتمديدات الصحية للمباني، ونظرا لأن كود البناء السعودي يضمن الحد الأدنى من السلامة للمنشآت والمباني وقاطنيها وخاصة الحماية من الحريق فقد تضمن الكود لوائح واشتراطات متطلبات الحماية من الحريق التي تتعلق بتصميم وإنشاء وتركيب وتشغيل وصيانة وسلامة أنظمة حماية المباني والمنشآت من الحريق. ولحماية المنشآت القائمة ضد الكوارث الزلزالية وخاصة في المناطق المعرضة للزلازل بالمملكة فقد تضمن الكود بعض اللوائح التي تتعلق بتقييم وتأهيل المنشآت القائمة، وإضافة إلى ذلك كله هناك لوائح واشتراطات أخرى قد ترى اللجنة ضرورة لإعدادها وإصدارها لاحقا.

كما تضمن كود البناء السعودي عددا من الملاحق تشمل متطلبات كود البناء السعودي للتربة والأساسات وللأحمال والقوى وللمنشآت الخرسانية والحديدية وللبناء بالطوب والطابوق وللسقالات وللأعمال الكهربائية والميكانيكية والصحية ولترشيد استخدام الطاقة وللحماية من الحريق ولتقويم وتحسين كفاءة المباني القائمة لمقاومة الزلازل وملاحق أخرى.

ولقد اتبع كود البناء السعودي صياغة ممزوجة بين النموذج الوصفي والنموذج الأدائي لكتابة بنوده، ويحقق النموذج الوصفي للصياغة أهداف وأغراض الكود ضمنيا وذلك من خلال التركيز على معايير معينة تحدد القيم الحرجة سواء أكانت القيم الدنيا أم القيم القصوى، بينما يحقق النموذج الأدائي نفس الهدف وذلك من خلال إيضاح الأهداف والأغراض الرئيسية والجزئية المحققة لحلول مقبولة تعتبر بدائل يمكن المفاضلة بينها على أساس الأولويات.

وختاما، إن تطبيق كود البناء السعودي سيجعل مساكننا بحق أفضل جودة وأكثر أمنا وأقل تكلفة.

أستاذ الهندسة الكهربائية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب