Friday 08/08/2014 Issue 15289 الجمعة 12 شوال 1435 العدد

نص

بقيتِ والزمن الجميل

إن استطعتِ أن تردي لي الزمان الأول بكل ما فيه: مني، ومنكِ، ومن الطبيعة التي ظللتها تلك السماء التي نعرفُ أنها لا تمطرُ إلا حين نتفيأ تحت ظلِّ غيمة بعثتها لنا، تشهدُ على رُوائنا بعد هاجرة من الظمأ.. أقولُ إن استطعتِ أن تردي ذلك كله بأرواحنا ذاتها التي كانت هناك ولم تكبر فقمينٌ بي أنْ أمدَّ لكِ يدي، وفيها ظلالٌ من تلك الحياة التي كُنا ننعمُ فيها، تلك الحياة التي ولشدة ما أقبلتْ علينا، ظنناً أن لن نرى لها قفا أبداً، فإذا هي بمباركة منكِ ومني ومن طبيعتها التي لم نعرفها إلا مؤخراً تنقلب، فلم يَعُد لها ملمحٌ ولا وجه نعرفه فنستبشر به، أو نكاد نتهيأ للأمل الذي سفكنا دمه تلبية لعنادنا ورغباتنا حينما عزمنا على ألا نتفق إلا في هذا الفراق اللعين.

أعرفُ أنَّك لا تستطيعين أن تكسي هذه العظامَ لحمها وقد نهشه الشيءُ الذي توافقنا على فهمه دون شرحه أو معرفة سببه، لكنه على كل حالٍ كان كَيَدِ الدنيا حينما تحزمُ وتعزمُ بإشارتها لك على حدٍ من حدودها بأن تقف دونه راضخاً للنظام ذاته الذي تداعى لك أولاً في نعمائك ثم دار دورته تلك التي وجدتها على ميثاقه من قبل فأعرضَ عنك غير عابئٍ بكل ما حدث وما سيحدث!

نحنُ ضعفاء يا بقيتي والزمن الجميل، نحنُ لا نستطيع أن نعيدَ لحظة أقربَ من هاته التي حاولتُ أن أُعجزكِ بها حتى لو اقتصرَ ذلك على أن نجدد بها طهر قلوبنا ونزيل عنهما نُكَتنا السوداء فقط.

حتى وأنتِ تشددين في رجائكِ بأن الأشياء الجميلة قد تعود وإنْ بقالبٍ مختلف، لكنه جميل ما دمتُ وإياك فيه نحشرُ أنبوب اللحظة الزمنية، وأنَّ اللحظة الاعتيادية الخالية من التمييز بين الجمال والقبح قد تصبح كنزاً من كنوز الذاكرة حينما يضفي عليها الزمنُ قِدماً له قداسة أصيلة فينا، حتى ذلك لا يجعلني أستسيغ من نفسي أن أكون مختلفاً عن ذاك الذي عرفتُه في ومني، ولستُ على أهبة لأن أتَّخذ من الدنيا عهداً جديداً أصعدُ فيه صعابها، وأنزلُ صروفها، لا ولن أقبل بأن أبتدئَ من حيث انتهت تلك اللحظات من عمري؛ لأن المشاعر ليست شيئاً يُكسرُ فيُجبر، أو يُعطب فيُصلح، ولا هي ممن يُقطع فيقبل صلة فيما بعدُ ولو كانت من ذات القلب الذي نفث فيها من روحه أولاً!

فيا بقيتي لا تأخذيني بهذا الجنون الذي ترينه، ولا تأخذنَّكِ تلك العاطفة وذلك الرجاء على أن تعتقدي بأننا لن نحملَ لبعضنا جميلاً دون أن تتداعى مادتنا التي تحتضن أرواحنا إلى هذا النداء الذي تسمعينه وحدك، كلا والله، بل إنَّ في تلك الأيام لحظة لو وزنتها بجميع ما عداها لرجحت دون مشقة؛ ولأنَّه الجميلُ الجميلُ الذي أحمله لكِ ولي ولِما قبل فإني لا أرتضي لروحي غير تلك الروح وذاك العهد.

- مبارك الهاجري