18-08-2014

الاستعداد لشرق أوسط بدون إسرائيل

بعد كل عدوان عسكري صهيوني تثار على المستوى العالمي والإسرائيلي تساؤلات عن أخلاقية الدولة الصهيونية وأيضاً عن إمكانية بقائها، ومن ذلك ما ذكره رئيس الكنيست الأسبق ورئيس الوكالة اليهودية سابقاً أفرهام بورغ لـ «حديث الناس» (صحيفة فلسطينية في الداخل).

يقول بورغ إن الحل للصراع يكمن بإعادة تقسيم البلاد ومواردها بشكل عادل لتتسع للجميع، مشدداً على أنه في «إسرائيل اليهودية هنالك وهم بوجود مساواة.. لكن الواقع أن 99% من البلاد ومواردها لليهود و1% للعرب». وعن دعوة دولة واحدة لشعبين، قال: «لا فرق أن كانت دولة واحدة أو دولتين المهم أن تتسع للجميع وبالعدل. كما قال البروفيسور الإسرائيلي زئيف شطرنهيرل: «إن الديمقراطيّة في إسرائيل تتآكل وستستمر بالتآكل، حيث وصلت إلى الدرك الأسفل خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزّة.»

لكن مجلة نيوزويك الأمريكية كرَّست كامل غلافها لعنوان وحيد: «هجرة جماعية: لماذا يهرب يهود أوروبا ثانية؟» مدعية أنهم يهاجرون إلى إسرائيل، مع صورة مؤثرة لسيدة هاجرت مؤخراً من بلجيكا إلى إسرائيل. تطرقت المجلة أيضاً للمظاهرات المعادية لإسرائيل بسبب العدوان على غزة.. زاعمة أن تلك المظاهرات تحوّلت إلى معاداة للسامية وهجوم عنيف ضدّ اليهود و»انتفاضة» فلسطينية في شوارع أوروبا. وأشار التقرير إلى استطلاعات توضح استفحال معاداة السامية في أوربا خاصة (بولندا، هنغاريا، فرنسا، بلجيكا..) وأن 29% من يهود أوربا فكروا بالهجرة..

التقرير مسيس لدرجة مبتذلة لا تليق بمستوى هذه المجلة، وذلك من عدة نواح، لكن أهمها هو الزعم -في هذا التوقيت- بعودة الهجرة إلى إسرائيل، بينما الاستطلاعات التي أشير إليها في التقرير تتطرق للهجرة دون تحديد الوجهة، والمعروف عادة أن الوجهة هي أمريكا وليست إسرائيل. فبعد كل عدوان على غزة يطرح هروب اليهود من إسرائيل وليس العكس.. وكان أهمها تقرير سري (قبل سنتين) تم تسريبه وهو عبارة عن دراسة للمخابرات الأمريكية (أعدته 16 مؤسسة استخباراتية)، كشفها فرانكلين لامب رئيس تحرير مجلة السياسة الخارجية (مجلة إلكترونية أمريكية)؛ ورغم أن الدراسة اعتبرت مجرد مسودة تقرير رفع لبعض أعضاء الكونجرس، إلا أن ما تضمنه من حقائق أثار اللوبي الصهيوني في أمريكا.. ويكفي عنوانه «الإعداد لشرق أوسط في مرحلة ما بعد إسرائيل»، مؤكدا أن انتهاء إسرائيل كدولة أصبح حتمياً خلال العشرين سنة القادمة.

خلاصة نتائج الدراسة أن الدولة الصهيونية تتآكل، وأن المصلحة الأميركية في الأساس على خلاف مع إسرائيل بسبب طبيعتها وإجراءاتها التعسفية كالمستوطنات ومحاصرة الفلسطينيين، مما يمنع العلاقات الأميركية الطبيعية مع الدول العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي الأوسع. ويذكر التقرير أن إسرائيل لا يمكن إنقاذها مهما بدت ديمقراطية فهي تتعرض لمزيد من العزلة الدولية كما حصل لنظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا. ويشير التقرير إلى حركة نزوح اليهود من إسرائيل إلى بلادهم الأصلية، وانخفاض معدلات المواليد اليهود مقابل زيادة المواليد الفلسطينيين، إضافة إلى العودة المتوقعة للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة. وتذكر العديد من التقارير أنه يوجد نحو نصف مليون إسرائيلي يحملون جوازات سفر أمريكية هم جاهزون للرحيل..

وحسب المركز الفلسطيني للإعلام فقد صرح هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق وأحد أبرز منظري ومهندسي السياسة الخارجية الأمريكية، والمعروف بتأييده المطلق للكيان الصهيوني؛ إنه بعد عشر سنوات لن تكون هناك دولة إسرائيل. هذه التصريحات أثارت استياء اللوبي الصهيوني وحاولت مساعدة كيسنجر (تارابتزبو) نفيها، إلا أن سندي آدمز المحررة في صحيفة نيويورك بوست أكدت أن مقالها الذي نشرت فيه هذه التصريحات قالها كيسنجر نصاً. وسبق لرئيس جهاز الموساد سابقا مائير داغان القول في مقابلة مع صحيفة جيروزلم بوست عام 2012: «نحن على شفا هاوية، ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة، لكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل.»

ولو بحثنا بأنفسنا الواقع الديمغرافي على الأرض نجده في موقع الإحصاء الإسرائيلي الرسمي الحالي بالإنترنت الذي يعطي تفاصيل إحصائية متنوعة ومراوغة، لكن بحسبة بسيطة سنجد أن إجمالي اليهود (6.1 مليون) وإجمالي غير اليهود (6.5 مليون) من مجموع السكان من النهر إلى البحر (أي شاملاً الضفة وغزة). وسبق قبل سنتين أن ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن جهاز الإحصاء المركزي التابع لمكتب رئيس الحكومة نشر أن عدد السكان بالمناطق التي تسيطر عليها إسرائيل بين النهر والبحر 12 مليوناً، عدد اليهود 5.9 مليون وغير اليهود 6.1 مليون. وقالت الصحيفة إن مصادر أجنبية أكدت أن هذا الأمر من شأنه أن يقلق نتنياهو لأن أمريكا والاتحاد الأوروبي سيصلون إلى قناعة بأن الأقلية تسيطر على الأغلبية وسيعملون على دعم إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 بسبب الوضع الديمغرافي.

كل ذلك لا يعني الاتكال على التوقعات بل حسن التفكير والتخطيط لتفعيلها.. فمثلاً اللوبي الصهيوني في أمريكا لم يستسلم لكل تلك الحقائق، بل عمل حرب استباقية على مسودة التقرير الذي سربه لامب، وحذروا إدارة أوباما بأنها قد تكون متواطئة مع إعداد هذا التقرير، مما دفع بتلك الإدارة أن تتحاشى أية علاقة به.. كذلك كانت ردود فعل الكُتَّاب الصهاينة في إسرائيل، في الوقت الذي لم ينكروا هذه الحقائق فإنهم لم يتوانوا عن مواجهتها عبر تزييفها أو تخفيف تأثيرها..

ومثال ذلك في تحليل طويل للكاتب الصهيوني تيد بليمان (محامي إسرائيلي مقاعد) معترفاً رغم أن هذا التقرير مسودة وغير موثَّقة فإنه بالفعل هناك تزايداً لأعداء إسرائيل حتى في الإدارة الأمريكية وفي الخارجية الأمريكية وفي الجامعات بالسابق والحاضر.. وهم موجودون من اليوم الأول لإعلان دولة إسرائيل وكان مستشارو الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان قد نصحوه بعدم الاعتراف بها أثناء إنشائها. ويؤكد بليمان أن الدوائر المعادية لإسرائيل بأمريكا تحرز تقدماً.. ومع ذلك يختم تحليله بأنه على «ثقة بأن إسرائيل يمكنها الوقوف في وجه القوى المعادية ضدها، بما في ذلك هذه الإدارة [الأمريكية]، وتجنب القضاء عليها.»

ليس المطلوب الاتكال على التوقعات المستندة على الحقائق بل العمل والتخطيط لإنجاح هذه التوقعات لأن مقولة «لا يصح إلى الصحيح» لا تنطبق على الاتكاليين.. وإذا كان الآخرون يفكرون وربما يخططون للاستعداد لشرق أوسط بدون إسرائيل، فأولى منهم الفلسطينيون وبقية العرب..

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب