21-08-2014

كيف كان السعوديون يمضون سحابة نهارهم قبل تويتر ؟

ليس بجديد أن نتحدث عن انغماس مفرط لكافة الشرائح الاجتماعية في مجتمعنا السعودي رجالا ونساء، كبارا وصغار للتعامل مع التكنلوجيا المتاحة اليوم سواء عبر الهواتف النقالة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد تفوق أحيانا المعدلات العالمية كما أظهرت الكثير من الإحصاءات والدراسات وخاصة فيما تعلق باستخدامات اليوتيوب والتويتر.

الرجال بالتأكيد أكثر من النساء والشباب أكثر من متوسطي العمر كما تفيد الإحصاءات الصادرة عن المملكة وهذا لا يبدو مستغربا وخاصة مع الجيل الجديد ففي دراسة حديثة نشرت نتائجها مؤخرا في بريطانيا وجد أن المعلومات والقدرة على التعامل مع التكنلوجيا والتي تتوافر لدي طفل لا يتجاوز الست سنوات من الجيل الحالي تكاد تعادل المعلومات التي يتوافر عليها من هو بعمر الخامسة والأربعين! بل إن برمجة الكمبيوتر التي كانت حقلا قائما بذاته تعتبر اليوم مجرد كورسات يتعلمها جيل الأطفال خلال الصيف!

أحد أكثر نتائج الدراسة المذكورة طرافة هو ما تعلق بفكرة الإيميل و الذي مثل ثورة في عصرنا الحالي حين ظهر ففقدت الرسائل الورقية على اثره أي بقاء لها إذ أصبح الأيميل وسيلة التواصل في العمل والحياة عامة لكنه اليوم يفقد بريقه بالتدريج إذ وجدت الدراسة المذكورة أن فكرة الإيميل لم يعد يعتد بها من قبل الجيل الحالي الذي يتواصل 66% منه عن طريق التكنلوجيا ولم تتجاوز نسبة مستخدمي الإيميل فيه 8% مقارنة بالكبار الذين تجاوزت نسبة استخدامهم للإيميل 77%.

الدراسة المذكورة وجدت أن البريطانيين يستخدمون التكنلوجيا في المتوسط 8 ساعات خلال اليوم الواحد وأن هذا أكثر من عدد ساعات نومهم أو أكلهم أو شربهم أو قيامهم بأي من متع الحياة الأخرى مثل الاستماع للموسيقى أو أداء التمارين الرياضية بما يهدد الوظائف الأساسية للإنسان الاجتماعي الذي كنا نعرفه؟

هل تدهشنا أي من هذه النتائج؟ هل نتذكر أنفسنا ومن حولنا؟

في دراسة أخرى وجد الباحثون أن من الصعب على الكثيرين البقاء من غير هواتفهم الذكية حتى لعشرين دقيقة وهم خلال هذا الوقت يحاورون أنفسهم ويظنون أنهم بحاجة إلى الاطلاع على هواتفهم لأن هناك رسائل مهمة قد تصلهم. بمن يذكركم ذلك؟

جرب أن تضع هاتفك الخلوي فوق الطاولة أمامك محاولا في ذات الوقت أن تضبط يدك وتفكيرك من أن تطل فيه حتى لعشرين دقيقة فقط؟

اقترحت الدراسة المذكورة لذلك مسمى (كنتنيوس بارتيل اتنشين ديس اوردر) واختصاره هو (سي بي أي) ويعني عدم القدرة الجزئية على التركيز : أي تشتت المرء وعدم قدرته على التركيز على موضوع واحد أو شخص واحد فهو يتنقل بين هاتفه مثلا وبين النظر في عين من يتحدث معه ثم ينظر إلى التلفزيون ثم يقلب هاتفه الخليوي بين يديه ويضغط عليه..؟

8 ساعات هي الوقت الذي نمضيه في هذه الأنشطة غير المنتجة.. لكن كيف حدث أن احتلت هذه الأجهزة كل هذه الأهمية في حياة إنسان العصر الحالي؟ نعم إنها وسيلته للبقاء على اتصال بالعالم ومعرفة ما يحدث فيه من أحداث أو اختراعات أو إنتاج علمي وثقافي؟ لكن ماذا سيحدث للعالم لو لم نعرف ماذا يجري فيه لثمان ساعات مثلا ؟ إننـــا بهذا نفقد تدريجيا قدرتنا على التركيز والقراءة العميقة بعيدا عن شاشة مضيئة ؟ هل سيعني هذا تحولا في طبيعة وظائف الدماغ البشري وكيف يعمل؟

الباحثون المتخصصون في مجال دراسات الدماغ وعلاقته بالتعلم يعكفون على معرفة الآليات التي يؤثر يها التعامل مع التكنلوجيا على مهارات معينة فمثلا وجد الباحثون قدرة كبيرة لدى الجيل الجديد للتنقل السريع بين وظائف كثيرة وهو ما يفعلونه حين يتعاملون مع التكنلوجيا حيث يفتتحون عددا كبيرا من الروابط أحدها مثلا للدردشة مع زملائهم والأخرى للألعاب والثالثة لسماع الموسيقى والرابعة لجوجل والخامسة للفيس بوك ويتابعونها جميعا في نفس الوقت كما أنهم في اللعبة الواحدة مطالبون باتخاذ قرارات سريعة للقفز حتى يتم تأهلهم لمراحل متقدمة وهم يلعبون مع من لا يعرفونهم وهذا يعني أن لا فروقات ثقافية أو اجتماعية تقف في وجههم ؟ هم سريعون في اتخاذ القرار حتى لو يكن حكيما لكنه وسيلتهم للبقاء في عالم اللعبة لأنهم سيقتلون فيها أو يقتلون؟ القلق والخوف والرغبة في الانتصار لا تجعلهم يأخذون اية محاذير ثقافية أو اجتماعية أو مفاهيم قيمية تتعلق بقيمة الإنسان الخ؟ هل يهيئهم ذلك استسهال حرفة القتل كما يفعلون مع ألعابهم .. نعم ربما الأمر كذلك وهو ما سهل على من كانوا مراهقين في بداية الألفية أن يحملوا اليوم السلاح للقتال في كل أنحاء المعمورة تحت رايات مختلفة كما سهل توظيفهم فهم لا يخافون حمل السلاح ولا استخدامه ويعتقدون أن رمي الرصاص وتدمير سيارات الشرطة ومحاربة السلطة جزء من اللعبة؟

ماذا علينا أن نفعل؟ علينا أن نحشر مسئولينا ومتخذي القرار في غرف صغيرة لا يتوافر فيها إلا ألعاب هؤلاء المراهقين والأطفال حتى يستطيعوا أن يفهموا كيف يفكر هذا الجيل فربما تعلموا كيف يتخذون قرارات تمثله؟ .

مقالات أخرى للكاتب