السوق المكان الوحيد للترفيه عن النفس في الماضي

نافل الحربي

كانت التفرجة عن النفس في ماضي الزمان وقبل توفر وسائل الإعلام، كالتلفزيون، والراديو، وأماكن الترفيه، كالملاهي، والحدائق، وغير ذلك، تكمن في الصعود على الرجم، أو الذهاب إلى السوق، في حال عدم رغبة الشخص المهموم في القيام بالزيارات، والجلوس في مجالس الأقارب والمعارف، وغير ذلك من أماكن التسلية والترفيه عن النفس.

وكان الذهاب إلى السوق على الأقدام دون وسيلة نقل، وبهدف النظر إلى ما في السوق من بضائع معروضة، وإلى كل ما يجذب الانتباه، ويدعو إلى حب الاطلاع ويبعث على الإثارة من كل ما هو غريب وحديث، كوجود شيء يجتمع حوله الناس ليتفرجوا عليه، من الغرائب، أو أن يجلس المتفرج في المقهى ليشرب كوباً من الشاهي، أو زجاجة بيبسي إذا كان البلد يتوفر فيها المقاهي، والبقالات، وهذه الأشياء لا تتوفر إلا بالمدن الكبار.

ومن أهم الأماكن التي يرتادها زائر الأسواق سوق بيع الغنم، والإبل، بالإضافة إلى الأسواق الرئيسية، التي تعرض فيها البضائع، والأغذية.

من شواهد هذا الموضوع قول الشاعر سليمان رويشد الفهيدي العازمي(1):

لا ضاق صدري نحرت السوق

اللي به السرج مشبوبه

سوقٍ يغني به الصندوق

اللي هل الحق طقو به(2)

كذلك هذا دليل آخر على ارتياد الأسواق، والمرور بالمقاهي، وهو قول الشاعر محمد العبدالله بو نجم، بعد ما دخل السوق ذات يومٍ وجلس وطلب قهوة، فقيل له ما عندنا إلاّ شاهي وقدو (3) فقال:

فنجال وقت الضحى وان زيد في هيله

احلى من وفاية المديون ديانه

لا صار دلتك في يمناك وتشيله

ما انتب توقف تقهوى لك بكيخاته(4)

غناوي دايم تزجر محاميله

شرابة القدو يعمونك بدخانه

الحاشية:

1 - الشاعر سليمان رويشد الفهيدي العازمي، ولد عام 1911م، الموافق 1331هـ، وتوفي عام 1982م، الموافق 1402هـ، تقريباً رحمه الله. قال هذه القصيدة وهو في البصرة، لمعالجة أخيه هناك .

2 - الصندوق: هو البشتختة، هي صندوق تدار به الأسطوانات الغنائية، في المقاهي في بعض الأسواق، وكانت غير مألوفة ومكروهة لدى البعض حينذاك.

3 - القدو: النارجيلة.

4 - كيخانة: ربما يقصد به الكراخانه، وهي في الأصل كلمة تركية معناها الحرفي (المحل الأسود) أو (السوق السوداء) وفيه إشارة للبيع المحرم.