إلى كل ذات إنسانية على وجه الأرض أقول

عبدالعزيز محمد الروضان

حينما أردت أن أفتتح مقالي هذا بمقدمة تناسب فحوى هذا المقال فإن الحيرة قد أخذتني بمجامعها.. ماذا عساي أن أقول فيها ؟ولكني اهتديت إلى قول الحق تبارك وتعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وهذه الآية الكريمة ليست فقط مقدمة للمقال بل إني سأدور حولها وأتوجه أينما توجهت. إني حينما ألج في خضم هذا المقال فإنه بات من المؤكد أني سأتمحور حول مضامينها ولن آتي بمزيدٍ إلا شروحات حول معانيها السامية.

إن (التعارف) الذي قصده الله تعالى وأمر البشرية جميعاً به ليس هو فقط التعارف بالمعنى المعروف في العلاقات الاجتماعية فهذا يعرف ذاك وذاك يعرف هذا وحسب، بل إن كلمة (لتعارفوا) تحمل في طياتها مضامين أخرى سامية لن تقف البشرية على تلك المضامين إلا عندما تُفعل معنى هذه الكلمة وتقف عليها عن كثب.. فالذي يملك قوة يجب أن يعرف بواسطتها أن هناك طرفا ضعيفا فينتصر له، والذي عنده فضل مال يجب أن يعرف بواسطته أنه يوجد على الطرف الأخر فقير وعائل لابد أن ينال من هذا المال، والذي عنده صحة يجب أن يعرف أن هناك شخصا يئن ألماً، والذي منحه الله الوجاهة بين الناس يجب عليه أن يعرف أن هناك شخصا يُدفع بالأبواب إذا كلمة (لتعارفوا) لا ينصرف معناها إلى التعارف الاجتماعي فقط فمتى أرادت أن تعيش البشرية في هذا النسق الدولي الرحب بسلام ووئام فلابد أن تتفيأ ظلال هذه الكلمة بمعانيها الواسعة ومضامينها السامية.

إن العالم اليوم يعيش في أتون جملة من المشاكل ليس في صعيد دون صعيد بل على جميع الصعد ،كل هذا بسبب ترجلهم عن ظهر هذه الكلمة وامتطائهم تقديس الذات والتنكر للغير ولسان الواحد منا نحن البشرية يقول (أنا وبعدي الطوفان) إذا كانت الأديان السماوية ومبادئ الأرض السامية قد نادت بالرحمة من خلال هذه الكلمة، فالرحمة هنا تتنوع حسب احتياج الإنسان إليها.. فالرحمة قد تكون مادية وقد تكون معنوية فلن يعيش العالم اليوم وفي الغد إلا في أجواء مفعلة من الإخاء والصفاء والرحمة. فإذا ما سادت الرحمة بين الشعوب على مختلف الأعراق والأديان والطوائف عاش العالم بسلام. وإذا كان رسول البشرية ما بعثه الله تعالى إلا لغاية سامية، وهي الرحمة، قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وتتجلى هذه الرحمة بتفهم البشرية جميعاً معاني كلمة (لتعارفوا) التي أفصح عنها القرآن الكريم بياناً وأنطقها رسول الهدى على الأرض تطبيقاً..

والرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من وقف على مضامين هذه الكلمة. ولكن يوم غابت هذه الكلمة عاش الناس في خواءِ إنساني مظلم!! لا يعرف قويه ضعيفه ولا يعرف غنيه فقيره!!

إن الهرطقة والتجديف في معاني هذه الكلمة قادت البشرية إلى ما كانت عليه اليوم !إن الذات الإنسانية ليس لها تعالٍ ولارفعة ولا تزيد كرامتها بين الناس إلا بالتقوى، وما سوى ذلك لا يعتد بها ووحي الله الطاهر يبين لنا ذلك بقول الحق ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وماسوى ذلك من التأخر إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لا يجده شيئا.

إن تنصل البشرية عن التعرف عن معاني هذه الكلمة جعلتها لن تبارح مكانها من الضلال والهلاك. إن للزمان دولابا ورحى يدور فمن مُنح القوة يوما ما ولم يؤتِ حقها ستنزع منه وتمنح غيره.. ومن أعطي المال ولم يؤتِ حقه فسيسلب منه ويعطى غيره.. إن القوة لا تدوم والثراء لا يدوم بيد إنسان قط إلا إذا أدى حقها وإلا فالأيام دول والليالي قلب، قال تعالى ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)، ولكن إن ذلك الشخص الذي ستكون القوة بيده والمال بيده على الدوام إذا عرف حقوقها هو ذلك الشخص الذي أتى بمبادئ القوة ومبادئ الثراء.

وختاماً.. إذا كانت كلمة (لتعارفوا) تملك بين طياتها هذه المبادئ السامية والمضامين الثقيلة وإذا كانت هي نبراس للبشرية جمعاء في دياجير الظلام فإن أول من أنطق وأعرب هذه الكلمة هو مولاي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهد حفظهما الله فإنهما قد نزلا على مبادئ هذه الكلمة وأفصحا عن معانيها قولاً وفعلاً ، فخير هذه البلاد المباركة قد عم المعمورة فمن كان مظلوماً نُصر، ومن كان طاوياً أُشبع، ومن دفع بالأبواب شُفع له..

إن مولاي خادم الحرمين الشريفين وحكومته يؤمنان إيماناً لا يفصل عراه فاصم. إنه من قلده الله شيئا من متاع الدنيا ففيه حق عند من فقده ولا غرو في ذلك فإن مولاي خادم الحرمين الشريفين قد وقف طويلاً عند قول الحق تبارك وتعالى:

وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فمن أدى حق ما استخلف فيه دامت خلافته إلى الأبد، ومن لم يؤده نُزع منه هذه سنة الله في خلقه.. إذا كان الصرح الدولي يتهاوى وعراه تتفصم فإن كلمة (لتعارفوا) هي المبدأ الكفيل بترميم ما تآكل من هذا الصرح الدولي ..وإن لحكومتنا الرشيدة جهوداً جبارة في هذا الصدد لاينكرها إلا جاحد، فعباءة كلمة لتعارفوا ظل ظليل ونبراس حق .

دمتم ودامت بلادنا في رعاية القدير.