23-08-2014

سياحة المهايطية!

قبل أربع سنوات، قضيت أياماً عدة من الإجازة الصيفية في مدينة (كان) الفرنسية. أول ما يلفت النظر عند الدخول إلى الشارع المحاذي للبحر هو عدد السيارات الخليجية الفارهة الواقفة على الرصيف المحاذي لهذا الشارع. المؤلم في هذا المشهد أن تسمع كمية كبيرة من الشتائم التي يطلقها المارة «الغرب» على هذه السيارات وأصحابها. وليس هناك طريقة للدفاع ولا الرد؛ فأصحاب السيارات هم من أتوا بالشتيمة لأنفسهم وبلدانهم!

ما زالت هذه المشاهد تتكرر، بل إنها صارت نهجاً سياحياً لدى عدد ليس بقليل من أثرياء الخليج؛ إذ تتركز متعتهم بعرض سياراتهم في جهل كبير أن عقلية الغرب تختلف تمامًا عن عقليتنا. فلو أن سيارة فارهة تحمل لوحة خليجية في دولة عربية فسينظر لها الناس بإعجاب، وسيلاحق صاحبها «الغلابة» طلبًا في الحصول على بضعة قروش. أما الغرب فهم ينظرون لهذا الأمر باشمئزاز؛ لأن حتى الأثرياء لديهم يتمتعون بأموالهم دون إغاظة للفقراء أو الناس العاديين.

فكرة السياحة تختلف حسب الثقافة؛ فهناك من يرى أنها المتعة في التعرُّف على أبرز ملامح الدول وآثارها وعمقها الثقافي والتاريخي، واكتشاف أنواع الأطعمة والمطاعم والمقاهي. وهناك من لا يرى في السياحة سوى «الاستعراض»، وأن يرى الناس سيارته وملابسه، وكأنه خارج إلى ساحة عرض!

أنا مؤمنة بأن كل مواطن من أي دولة كانت هو سفير بلاده، بل هو يُمثلها أكثر من السفير الذي تعيِّنه الدولة ليكون رسولها لدى الدول؛ فالسفير لا تراه الشعوب، ولا تتعامل معه كالمواطن العادي؛ فالأول يتعامل مع السياسيين والنخبة، أما السائح فهو يتعامل مع كل الطبقات والنوعيات؛ لذا فهو السفير الحقيقي لبلاده. والمشكلة، بل كل المشكلة، أن يعمد بعضهم إلى أسلوب السياحة «المهايطية» كما نقولها باللهجة العامية. فهؤلاء «المهايطية» هم أسوأ سفراء لدولهم في الخارج، وهم أكثر من يسيء إلى سمعة الشخص الخليجي. ولو تحدثنا مع أي شخص ينتمي لدولة من التي يسافر لها «المهايطية» فإن صورتنا كخليجيين في ذهنه لا تتعدى كوننا «بدوان»، لدينا بترول وكثير من الأموال التي لا نعرف كيف نصرفها، ولا أين نصرفها؟ بل إنهم ينظرون إلينا على أننا مجاميع من الأغبياء محدثي النعمة، الذين هبطت عليهم الأموال فجأة؛ لذا نصرفها في غير وجه حقها!

السياحة هي فن وذوق وأخلاق، لا تخص الشخص وحده؛ فهو في الخارج لا ينظر له أهل البلد على أنه يُمثل نفسه، بل يعتبرونه يُمثل دولته وشعبه؛ لذا دائمًا نرى النقاش يتم بالأسلوب «الجمعي»، والتعميم في رؤيتهم لنا. قد تكون هناك تصرفات سلبية «فردية»، لا يُمكن التحكم بها، أما حكاية السيارات الفارهة «المهايطية» فأظن من السهل التحكم بها من خلال وضع شروط لتقنين شحن السيارات الخليجية إلى دول أوروبا بالذات، وإيجاد نظام يحدد مواصفات السيارات التي يُسمح بشحنها إلى هناك، وبذلك سنحرم «المهايطية» من متعتهم التي هي في النهاية تأتي على حساب سمعتنا جميعًا!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب