23-08-2014

تعريب الألفاظ أم وضعها

إن الأمر المثالي أن يضع أهل اللغة من الألفاظ ما يعبر عن مفردات حياتهم ويفي بقضاء حوائجهم؛ ولكن اختلاط الشعوب وتدافعهم ألجأهم إلى استعمال ألفاظ ليست من لغاتهم فكان التقارض وكان الدخيل، وترى اللغة تستوعب ألفاظًا من لغة أخرى فتطوعها لتلائم نظامها ملاءمة تامة أو ناقصة، وقد عرفت العربية منذ القدم الألفاظ الدخيلة التي عربتها، منها أعلام ومنها أسماء، بل إن من المعرب ما استعمل في الكتب أمثلة لأبنية صرفية كما نجد في اللفظ (دِرهم) الذي يذكر مثالاً للبناء (فِعْلَل)، ولعل أمر الدخيل كان هيّنًا في الماضي؛ ولكنه اليوم صار تيّارًا جارفًا، لأن العربية اليوم لغة قوم لا حظّ لهم في إنتاج الحضارة والتقنية والعلم، وصاروا مستهلكين لكل ما ينتجه العالم، وهو نتاج يحمل معه ثقافته ولغته، وقد أدركت مجامع اللغة العربية هذه الحقيقة ودأبت تضع المقابلات العربية للألفاظ والمصطلحات؛ ولكن عمل المجامع في الغالب ظل حبيس الكتب ولم يأخذ مكانه في التطبيق، مع آفة أخرى أخلت بالأمر وأضعفته وهي تعدد الوضع للاسم الواحد. واليوم نحن أمام طوفان من الألفاظ التي تقتحم مجتمعاتنا ولغتنا التي زحزحت عن مكانها وحلت اللغة الأجنبية محلها في الأعمال وبعض مراحل التعليم، فما السبيل إلى معالجة هذا الأمر المؤسف؟ أيكون بوضع ألفاظ لكل جديد أم يكون بتعريبه وباستيعابه ليظل جامعًا بين انسجامه اللغوي نظامًا وأصله دلالة، وتظهر مزية التعريب في الألفاظ التي صارت عالمية الاستعمال ليست خاصة بلغة دون لغة مثل (تويتر) و(فيسبك) وغيرهما؛ لأن وضع لفظ لمثلهما لن يجد طريقه إلى الاستعمال بما يكفل نسيان اللفظ الأصلي.

إنّ الأمة التي لا تصنع الحضارة لا تستطيع وضع أسماء لمفرداتها، والسرعة التي تقتحمنا بها الأشياء تجعل من الصعب التعمد لوضع اللفظ أما تعريبه فميسور، والعامة خير من يعرب الألفاظ في استعمالها الطبيعي للغة. وسيظل الأمر على هذا حتى تتغير أحوال الأمة فتصير أمة منتجة مشاركة في صنع حضارة اليوم لا مستهلكة.

ومن التغير الذي من شأنه أن يحمي العربية ويعزز مكانها، السعي الجاد لوضع سياسية لغوية، والمبادرة إلى تعريب لغة العمل والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في هذا السبيل، ومن لوازم هذا الأمر تغير خطة التعليم المرتكزة على التلقين، والتوجه المبكر إلى معرفة قدرات الطلاب ومهاراتهم وتوجيههم إلى تلقي المهارات والعلوم التي تغنينا عن العمالة الأجنبية غير العربية التي فرضت استعمال اللغة الأجنبية بتواطؤ منا بلا شك.

إنّ النظر إلى الواقع ومحاولة الحلول المعقولة خير من جري في حلقة مفرغة لا يفضي إلى شيء، وإنّ محاولة تطوير الإعلام وتوجيه أصحابه بما تقتضيه مصلحة الأمة ولغتها من أهم الحلول؛ لأن الإعلام صار من أخطر المؤثرات في عقول الأجيال فقد حل محلّ البيت والمدرسة.

مقالات أخرى للكاتب