24-08-2014

بعض القراءات شجار مع الذات

إن التفكير الهادئ، والمراجعات العميقة، تتبين من خلالها كثير من الحقائق التي غيبتها سنين الزحام، ودائما ما نكون مدفوعين برغبة حقيقية في إقناع ذواتنا أن عهود التصالح مع الوهم لا بد أن يسدل عليها الستار، وإن كانت قراءة الصفحات القديمة أمر هام جداً لرسم صورة المستقبل، وإلا فلماذا نصعد من ذات السلالم التي هوت بنا يوما.

ويبرز في تلك الدوائر أسئلة كثيرة، هل النجاح السهل يلوث أصحابه؟! وهل يلزمنا

أحد ليعيد اختراعنا وبعثنا من جديد؟! ونحن اختراعات جاهزة! وهل يتحول الاتكاء على عزائم المتنبي (على قدر أهل العزم تأتي العزائم )إلى اتكاء على ( صبر عصي الدمع) أبي فراس، وربما أدى ذلك إلى عدم القدرة على الاستمتاع بملامسة الموضوعية، والواقع أنه لا يمكن أن يتعاطف الناس مع إنسان ليس لديه مقومات خاصة؛ ولكن المفارقة عندما تثير الآراء المتواضعة ردود فعل غير متواضعة:

كل من لاقيت يشكو دهره

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

وتبعا لذلك، فإن الإ مكانات المتفردة تؤدي دائما إلى أن ينزاح الحديث عن الموضوع إلى الحديث عن صاحبه, وهنا تصبح القراءة شجاراً مع العالم بأسره, أما الكتابة عنه فشجار مع الذات, وشتان بين الحالين.

ولا بد لمن يجهل المعلومة, من المعاينة وليست القراءة العابرة، فهناك من يقرأ وتقف بين السطور أحرف انتصبت في نفسه، ما ظهر منها وما بطن، ومع أولئك لا يجدي الشرح والتوضيح, ورصف الحقائق، ومنهم من يقف على تخوم الحقيقة, وينجح في تحويل الحقائق إلى عدد من الإشارات التي تؤدي إلى اقتناص الفرص, ومن ثمّ الخروج بشيء من موضوعية الأحكام، وعندها يصبح لزاما الاستعارة من خزائن العصر العباسي.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فلاح

أجزم أننا أو كثيراً منا، لا نملك معملا عقليا متكاملا لتحليل المنتجات الفكرية وتقييمها, ولا نستطيع أن نجزم أنها صالحة للاستخدام الآدمي؟! أو غيره، ولكن هناك فرق ومساحات شاسعة بين الغث والسمين، والرخيص والثمين، لكننا في النهاية لا بدّ أن نهتدي إلى الحقيقة، في أعماق هذا وذاك، فقط الذي يجب أن نبحث عنه، ما هو نصيب قضايا الواقع من ذلك المحصول؟

ولكل شيخ طريقته؟! والمرمى ينتظر رمية من غير رام، ينتظر مخاطبة الضمائر, ودغدغة العواطف, وتحريك الوجدان, واستثارة الهمة، عند ذاك نستجمع حرارة الواقع، وندير مقابس الاشتعال، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء.

وعندما ينداح الفكر, ويستجيب العقل لشذراته, ولمحاته, ويستأثر ذلك باهتمام الناس تتكون عند ذاك شحنات قوية, وطاقات باعثة, بها من رحابة الأفق, وخصوبة العنصر, وقوة التأثير, ما يمكن الاتكاء عليه لتعديل الموازين، وإقامة منابع الإصلاح في كل قلاع المجتمع، لتصبح الأرض مخضرة, ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.

وختاما.. فإن الكتابة رسالة سامية، متعددة الميلاد, وارفة الفوائد, وربما جاز لنا أن نحتفل بها ولها نعمة وهبة من الله، هي موائد وأعياد لأولنا وآخرنا, حين تكون احتفالاتنا الفكرية إصلاح يستحق الكتابة, وحين توجد وقفات وملاحظات عطشى, تروم سقيا فكرة شاردة, وومضة واردة, لا بدّ أن يمهد لها الطريق.

) بوح أخير في ذات السياق من خزائن نزار:

يسعدني جدا بأن ترتعشوا

من قطرة الحبر من خشخشة الأوراق

مهما رفعتم عاليا أسواركم

لن تمنعوا الشمس من الإشراق

مقالات أخرى للكاتب