كيف أصبح محمد عبده «فنان العرب»..؟

كتب - بندر خليل:

ليست صدفة أن يصبح الشخص نجماً مشهوراً على مستوى أمته والعالم بأسره، ولم تكن صدفة تلك التي أخذت محمد عبده من مطرب يغني للناس في أي مكان وزمان إلى «فنان العرب» الذي تتسابق عليه الفضائيات ومتعهدو الحفلات بتنافس محموم ومتصاعد، ها هو فنان العرب اليوم وحيداً في القمة بعد رحيل منافسيه وانطفاء أولئك الذين لمع نجمهم لفترة بسيطة ثم اختفوا.

حمل محمد عبده صوته على موج البحر ونسمته المنعشة، وغنَّى في زمانه «يا موج هوِّن»، ومخترعاً بذلك الصوت النقي «سكة للتائهين» وليلاً جميلاً لأمسيات السهارى.

لا أعرف كيف سيكون واقع الغناء في منطقتنا العربية والخليجية، خصوصاً لو لم يظهر صوت محمد عبده، وتجربة فنان العرب والتزامه ومنهجيته التي يضرب بها المثل.

عندما بدأ محمد عبده رحلته الفنية في بداية الستينات الميلادية كان حلمه صغيراً بحجم سفن الصيادين في بحر الساحل الجنوبي من شبه الجزيرة، غير أن الحلم كبُر وتعاظم كما يكبر البحر وتترامى أمواجه على امتداد ساحل طويل جداً يضم كل من يتكلمون العربية ويفهمونها.

إن ما يميز هذا الفنان الكبير والرمزي هو أنه فنان شامل من حيث التنوع الغنائي في أعماله، ولكم أن تتخيلوا حال التراث المتنوع في بلادنا لو لم تسخِّر لنا الأقدار محمد عبده وصوته الشفيف الرقراق وموهبته الاستثنائية في استيعاب كافة ألوان الغناء المتباينة والاشتغال عليها، ما أسفر عن ظهور العديد من الأغنيات السعودية الخالدة، والتي تضرب بجذورها في أعماق التراث الإنساني في هذه المنطقة العريقة.

لقد انتبه الفنان الكبير محمد عبده مبكراً إلى أهمية الاشتغال على تراث الجزيرة العربية بكافة أقطارها، فغنى من التراث اليمني والخليجي والحجازي، وقدم أجمل أعمال في العصر الحديث تنتمي إلى فنون السامري وفن الغناء البدوي الذي لم يتقنه أحد كما فعل محمد عبده.

لم يكن هدف فنان العرب أن يغني فحسب، بل كان يعمل طوال تجربته الأسطورية التي ما زالت مستمرة في العطاء، على صنع أغنية سعودية وخليجية تظل على قيد الحياة، لذلك فإنه لم يتورط في التقوقع والإقليمية، وأيضاً لم يتورط في التقليد والعبثية والعزلة.

كما أنه لم يترك لوناً من ألوان الغناء العربي إلا وطرقه بصوته الواثق من إمكاناته، وموهبته الواثقة تماماً من قدرتها الفنية والموسيقية. فلم يصعب عليه أن يمزج تراث بتراث آخر، ولا أن يضيف لوناً على لون آخر، بإحساس الفنان المرهف والحصيف.

فإن كان الفنان الكبير طلال مداح الذي وصفه فنان العرب كثيراً بأنه أستاذه قد غرس نبتة للأغنية المحلية وسقاها بصوته وإحساسه العميق، فإن فنان العرب قد عاش بمثابة البستاني الذي رعى هذه الشجرة الجميلة ورواها بصوته العذب على مدى عقود من الزمن.

B.Aseri@al-jazirah.com.sa