24-08-2014

طمر مستنقعات الإرهاب

مشكلتنا في المملكة مع الإرهاب أننا مازلنا لم نواجه بقوة وحزم (ثقافة الإرهاب)، والمنتفعين من التشدد، ومشايخه وأساطينه، كما تجب أن تكون المواجهة.

فمثلاً هناك أسماء حركية (متأسلمة)، معروفة ومشهورة، كانت تدعو إلى الجهاد في سوريا وقبلها في العراق، وتشجعه، بل وتختلق الخرافات والأساطير لإغراء الشباب على الالتحاق بمواطن الفتن، ليكونوا حطبا لحرائقها، على مرأى ومسمع من الجميع، ولم تحرك الحكومة تجاهها ساكناً. وهناك خطباء مساجد ما زالوا يعتلون المنابر كل يوم جمعة ويغلفون الدعوة إلى الإرهاب بغلاف ديني، وبعد نهاية الخطبة يركب سيارته (البانوراما) ويعود إلى بيته مطمئناً وضامناً أن أحداً لن يستدعيه للمساءلة.

كما أن مفهوم الجهاد تم تحويله من قبل الحركيين المتأسلمين إلى بندقية في يد إرهابي، ولم نسمع من المشايخ من يندد بهذا الأمر، ويصحح مفهوم الجهاد الذي اختطف من قبل المتأسلمين والحركات الجهادية؛ حتى أن المدعو (إبراهيم السكران) وهو أحد منظري الحركات الإرهابية المشهورين، غرد في تويتر بعيد فشل عملية (شرورة) الإرهابية، ناصحاً المتعاطفين مع الإرهاب - (سماهم محبي المجاهدين) - بأن ينددوا بالعملية ولو من باب (التقيّة) لدفع الضرر عن عوائل الإرهابيين، وعدم إحراجهم، وما زال يغرد في تويتر، ولم يسائله أحد. وهناك محطات تلفزيونية مشهورة متأخونة، تبث من الداخل السعودي، ويملكها متنفذون، ويظهر فيها بعض كبار العلماء، تروج لثقافة الإرهاب، وتحارب الانفتاح، وما زالت تعمل غير آبهة بأن الحكومة (قد) تلجمها كما لجمت مصر مثيلاتها هناك ومنعتها من البث.

ونحن بكل ذلك نكرس المثل العربي التقليدي الذي يقول: (من أمن العقاب أساء الأدب). وكذلك قول الشاعر:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ!

وأمام هذا التفريط الحكومي في مواجهة ثقافة الإرهاب، ولجم أساطينه، انقسم الناس إلى قسمين:

قسم يقول إن كل من يشجع الإرهاب ويدعو إلى (الجهاد / الإرهاب) علناً ولا يُبالي، هو (مصيدة) للإيقاع بالإرهابيين، وإلا فهل يعقل أن تتركه الحكومة؟

وقسم آخر يؤكد أن منظري الإرهاب المعروفين، والمتعاطفين معهم، يريدون أن (يسجنوا)، لأن لديهم قناعة بأن السجن والاعتقال سيزيد من شعبيتهم، وأنهم مناضلون؛ لذلك فالحكومة تريد تفويت الفرصة عليهم.. ربما أن هذه المقولة قد تحتمل الصحة قبيل ما يسمى الربيع العربي، أما بعد أن تحول هذا الربيع إلى ظاهرة (داعش)، وإلى حروب أهلية، وأنفس تنحر بالسكين، ودماء تهدر، وبيوت تهدم على رؤوس ساكنيها، ومخيمات لاجئين تتضخم أعداد قاطنيها مع مرور الوقت، فلن يقف مع دعاة (الجهاد/ الإرهاب) إلا الحمقى والمغفلون؛ وعندما تعتقد أن الحمقى والمغفلين، هم أقوى من العقلاء والنخب في بلدك، وتُراعي عدم (إغضابهم) أو (استفزازهم)، فلن يصلح مجتمعك إلى أبد الآبدين. فالمساءلة والعقاب الصارم هو أداة إصلاح اجتماعي، فإذا عطلت مثل هذه الأداة الإصلاحية، فأنت دون أن تعي ترسل رسالة مفادها: إن التنظير للإرهابيين، وتشجيعهم ومساندتهم (تمنحك) حصانة من المساءلة والعقاب؛ وتلك بمفردها (طامة) سيكون لها بلا أية شك عواقب وخيمة، أهم هذه العواقب على الإطلاق هو (ضعف) هيبة الدولة.

وهنا يجب أن نعترف، أننا بقدر ما واجهنا بقوة واقتدار الإرهاب كمنتجات فوق الارض، ومنعنا كثيراً من العمليات الإرهابية قبل أن تقع، في ما يسمى أمنياً (العمليات الاستباقية) لمكافحة الإرهاب، إلا أننا فشلنا فشلاً ذريعاً في محاصرة دعاة الإرهاب، ومنظريه، ولجم مروجيه؛ بمعنى أننا نجحنا في مكافحة الحشرات و البعوض الذي ينقل هذه الأمراض المميتة، وفشلنا في طمر المستنقعات التي تنتج وسائل (نقل) هذه الآفات القاتلة إلى الناس. وسنظل نفشل ثم نفشل ثم نفشل، طالما أننا نتفادى طمر هذه المستنقعات. هذه مشكلتنا باختصار مع ظاهرة الإرهاب. .. إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب