مزارعون بين حلم التملك والإفلاس

فهد بن أحمد الصالح

تسعى الدولة أيّدها الله إلى توفير جميع السبل التي تمكن أفراد الشعب من الاعتماد على نفسه، وأن يعمل على أن يكون أكله من صُنع يده، وهذا واقع مشاهد لا تغطى معه الشمس بغربال، لإيمانها التام أنّ المواطن شريك تنمية وعضد اقتصادي هام سواء في القطاع الخاص المؤسسي أو في مجهودات الأهالي، ولتحقيق ذلك تسعى الدولة لمنح المواطنين والقطاع الخاص قروضاً تمويلية تساعدهم على قيام مشروعاتهم التي يخططون لها سواء الصناعية أو الزراعية أو العقارية، وكثير من تلك المشاريع التي بدأت بقروض حكومية ميسّرة، نراها اليوم وقد أصبحت علامات مضيئة في سماء اقتصادنا الوطني وكبرت، حتى أصبحت تساهم مع الدولة في برامج التوظيف والسعودة والدخل القومي ونهضة الوطن وازدهاره، وتؤكد قدرة المواطنين على صُنع المعجزات من أجل وطنهم ومواطنيهم، وبشكل يؤكد على الاحترام لتلك العقول، وأن الاستثمار الحكومي فيها أتى بثماره على خير ما يمكن، وأن الاستثمار في الإنسان هو القيمة المضافة والواقع خير شاهد.

إلا أنّ واقع صغار المزارعين وتملُّكهم لأراضيهم التي مُنحت لهم من وزارة الزراعة، أمر يحتاج إلى وقفة من أصحاب القرار، بعد أن ذكر معالي وزير الزراعة أنّ الأمر موكل إلى لجنة ورفعت توصياتها للمقام السامي بالموافقة على من تتوفر فيه شروط الإحياء الزراعي، أن يُمنحوا صكوكاً على أراضيهم التي مُنحت لهم سابقاً، وتمّت الموافقة عليها حسب ضوابط المنح الزراعية، مع العلم أنه قد مُنح لأصاحبها قرض زراعي من البنك الزراعي السعودي بدون فائدة وسداده على أقساط سنوية ميسّرة، وصدر لهذا الغرض أمر ساميٍ بناءً على ما رُفع من وزارة الزراعة بحصر جميع الإقطاعات الزراعية المطابقة للشروط والضوابط، وقبل التاريخ الذي حُدد في الموافقة على الإحياء كشرط أساسي لصدور الصك الشرعي وصدرت الموافقة على تلك القرارات الزراعية من قِبل لجنة مركزية مشكّلة لهذا الغرض ورُفعت للمقام السامي، ولهذا التاريخ لم تصدر الموافقة بمنحهم الصكوك الشرعية وفق النظام الذي استثمروا بناءً عليه، وفيما لم يتم ذلك لهم فقد خلقنا مستوى من عدم الثقة لا تقبله وزارة الزراعة على نفسها ولا يقبله المواطن على دولته الكريمة مع الغير، فكيف بها معه، بعد أن أنفق على ذلك جهده وماله ووقته وهو في انتظار معاملته مثلما تمّت معاملة من سبقهم، ومنحت لهم صكوك شرعية بإجراءات ميسّرة ووقت قياسي، واطمأنوا بذلك على مستقبلهم ومستقبل أُسرهم.

وأجزم أن هذا الأمر أقل تعقيداً مع الموقف الملكي الكريم، الذي تم به علاج مساهمة شركة المتكاملة أو حل توظيف المعلمات البديلات، أو الكثير من القرارات المسددة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين - أيّده الله - لحل معاناة المواطنين، وتأتي مطالبة المزارعين إلى مقامه الكريم، بعد أن أيقنوا أن لهم حقاً في إصدار الصكوك الشرعية فمن سبقهم بذلك لا يختلف عنهم، وكذلك جميع الإجراءات التي تمّت وفق موافقة المديريات الزراعية، أي أنها نظامية وليست من باب وضع اليد، وكذلك القروض الزراعية التي تكبّدوها في عملية الإحياء من تسويه وشبك وزراعة ومبانٍ، والديون التي تحمّلوها في ذلك، ثقة أنّ الدولة مثلما كانت مع غيرهم ستكون معهم وستمنحهم الملكية الكاملة عليها، وفق الأنظمة المعمول بها سابقاً مع نظرائهم المستثمرين الزراعيين، مع العلم أنهم لا يزالوا يمارسون الزراعة فيها والاستثمار عليها، وأصبح الكثير منهم تمثل المتنفس له ولأُسرته ولم يعد يرى أنّ لحياته متنفساً غيرها.

والمواطن على ثقة من تقدير الدولة لمجهوده ونظامية حقه في ذلك، والالتزامات التي أثقلت كاهله حتى وصل استثماره إلى ما وصل إليه من بنية تحتية وفوقية، ويتطلع أولئك المزارعون إلى إيجاد حل شامل وتمليكهم لأراضيهم التي أفنوا جهدهم وعمرهم فيها، وينتظرون السنوات الطوال أملاً في أمر خادم الحرمين الشريفين بتمليكهم أسوة بمن سبقهم، وحتى التاريخ الذي أوقفت بموجبه القرارات الزراعية، لكي تكتمل فرحتهم ويعلموا أنّ هذا الانتظار الطويل أتى في النهاية بخير وحفظ لهم حقوقهم واستثماراتهم وتمكينهم من مزاولة نشاطهم الزراعي، وطالما أننا في عصر الوضوح والشفافية وعصر الخير والعطاء، الجميع ينتظر التوجيه الملكي الكريم بحل معاناة 6000 مواطن لم يفقدوا الأمل حتى الآن ولن يفقدوه، طالما أن الشعب كله يمثل الاهتمام الأول لباني نهضته، فكيف بالمواطن الذي تكبّد الخسائر وضاع وقته وجهده أملاً في امتلاك أرض زراعية يقضي معها بقية عمره ويورثها لأجياله التي تعلّقت بعد الله به.