14-09-2014

هل اقتنع الغربيون؟

ما زلنا نتذكر (خط أوباما الأحمر) الذي تحداه بشار الأسد حين استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وراغ أوباما عن تحذيره وفضّل صفقة مع بشار مؤداها أن تقوم جهات أممية بتجريده من سلاحه الكيماوي، واكتفى بذلك. غير أن لسان حال أوباما الحقيقي - على ما يبدو - كان يقول: فخار يكسر بعضه بعضاً، دعهم يقتتلون طالما أننا في منأى عن هذا الإرهاب وتبعاته.

إقدام حركة داعش على (نحر) الصحفيين الأمريكيين بالسكين كما تنحر الخراف وتصويرهم هذه الجريمة الهمجية والبشعة تلفزيونياً ونشرها في (اليوتيوب) أثار عليهم الرأي العام الغربي عموماً والأمريكيون بوجه خاص، حيث بلغت نسبة المطالبين من الأمريكيين بسحق داعش ما يربو على 70 في المائة حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، وهذا مؤشر مرتفع للغاية لا يمكن لسياسي غربي تجاهله مهما كانت الظروف، ما اضطر أوباما للتدخل مرغماً, ويبدو أنه جاد هذه المرة، ولا يستطيع أن يراوغ، لكنه حرص على أن يكون هذا التدخل بالحد الأدنى وإن طال أمد السحق، أي أن يبقى في الخلف وفي (الجو) يدير هذه المعركة في العراق وفي سوريا دون أن يتورط فيها على الأرض بجنود أمريكيين؛ وهذا ما يفهمه المراقب من إستراتيجيته التي أعلن عنها الأربعاء الماضي. غير أن ظروف حرب كهذه لا يستطيع أن يتحكم في مجرياتها.

تحرُّك الغرب أخيراً للجم الإرهاب يجب أن يراعوا فيه حقيقتين وإلا فإنهم غير جديين:

أولاهما: أن نيران الإرهاب في عالمنا المعاصر، وفي ظل القرية الإلكترونية، كما يصفون العالم اليوم، لا يمكن أن تبقى (هنا) دون أن يمتد اللهب إلى (هناك)، فما يجري في الشرق ستمتد نيرانه إلى كل العالم مثلما أن العكس صحيح أيضاً؛ وهو ما أشار إليه الملك عبد الله - حفظه الله - عندما استقبل مجموعة من السفراء في جدة مؤخراً، يكفي أن تعرف أن في (داعش) فقط آلافاً من الغربيين، فالداعشي الذي أقدم على نحر الصحفيين الأمريكيين كان بريطانياً ويتحدث الإنكليزية بلكنة بريطانية محضة؛ وهؤلاء الدواعش الغربيون سيعود منهم قطعاً مجموعات إلى هناك وسوف يتحينون الفرص لتكرار ما يفعلونه في سوريا والعراق في البلدان التي أتوا منها.

الحقيقة الثانية: أن (التّأسلم السياسي) هو مصدر هذا الإرهاب ومعينه والمنهل الذي يستمد منه شرعيته، وأن التغاضي عمن يحاولون توظيفه وتمويله والصرف عليه، سواء كانوا دولاً أو أجهزة استخباراتية أو هيئات أهلية أو أجهزة إعلام، كان أحد الأسباب الرئيسة والمحورية التي أفرزت هذه الوحوش البشرية الضارية ومكّنتها من الحياة والحركة، ثم تمادت حتى وصلت إلى هذا القدر غير المعقول من البربرية والهمجية؛ وأن القضاء على هذه الظاهرة يبدأ من التعامل بحزم وقوة مع مصادر هذه الثقافة وملاحقتها وملاحقة منظريها والتضييق عليهم وعلى قدرتهم على الحركة، وتحديداً بث سمومهم أينما اتجهوا وأينما حلوا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البريطاني الذي نحر الصحفي الأمريكي بالسكين، كان نتاجاً يجب أن يتوقعه البريطانيون حينما يحتضنون في بلادهم رموزاً من رموز (التّأسلم السياسي) بحجة أن هؤلاء معارضون سياسيون ومن حقهم التعبير عن أفكارهم؛ أما هدفهم الذي لا يُفصحون عنه فاستخدامهم كمخلب قط لتحقيق مصالحهم متى ما احتاجوا إليهم، فالثعبان الذي وفرتَ له أنت الحماية ورفضت أن تستمع للآخرين وأغلقت أذنيك لكيلا تسمع نصائحهم ها هو يعود ويُفرغ سمه في جسدك، وستتفاقم أوضاعكم أكثر حتى تقتنعوا بمقولة تراثية عربية جسّدها الشاعر العربي (المتنبي) حين قال:

ومن يجعل الضرغام بازا لصيده

تصيده الضرغام فيما تصيدا!

وختاماً أقول: تحالف 40 دولة ضد الإرهاب أعاد الأمل إلى كثيرين أن من شأن هذا التحالف وأهدافه ليس القضاء على داعش أو جبهة النصرة أو القاعدة فحسب، وإنما محاصرة ثقافة (التّأسلم السياسي)، ومنابعها ورموزها في (الغرب) وتجفيف مصادر تمويلها أولاً؛ وفي بريطانيا على وجه الخصوص، دون ذلك سيبقى العالم في حربه مع الإرهاب يدور في حلقة مفرغة.

إلى اللقاء

مقالات أخرى للكاتب