18-09-2014

أبناؤنا وعام دراسي جديد

يطلُّ علينا العام الدراسي الجديد ونستقبله مع أبنائنا وبناتنا بآمال تتجدد كل عام في مزيد من النجاح والتفوق لهم في دراستهم، وفي تحقيق طموحاتنا نحو فلذات الأكباد لنراهم وهم يسعون نحو مستقبل مشرق في الحياة بعد أن وفَّرت لهم الدولة - أيَّدها الله - ويسَّرت لهم كل الطرق والوسائل للتزود من العلوم النافعة التي تفيدهم وتنفع مجتمعهم.

غير أن هذا العام يختلف عمَّا سبقه - وإنْ كان يتشابه معه من حيث الروتين المعهود - فهو يجيء وسط تحديات جسيمه تحيط بوطننا وأمتنا وتنعكس آثارها السيئة على أبنائنا.

ولكن: هل برزت تلك التحديات فجأة ؟ وهل أطلَّت علينا مخاطرها اليوم بدون سابق إنذار ؟ بالطبع لا ولكن المرحلة الحرجة التي تحيط بنا قد أظهرت بجلاء ذلك الحجم المخيف للتحديات التي تستهدف فلذات أكبادنا لتختطفهم من خلال الدراسة، تشوِّه أفكارهم، وتلعب بعقولهم وأفهامهم، وتعبث بعواطفهم لتجعلهم أداة هدم لأوطانهم ومعول تدمير لأمتهم. وإن كانت الصورة قد أخذت في الظهور منذ سنوات فاتت يوم أن عاشت بلادنا فترة تُعاني من المحاولات الإرهابية، وكان للأمن السعودي البطل دوره في مواجهتها، فإن ما نواجهه اليوم من محاولات أعداء الإسلام لتشويهه على أيدي مَنْ يفترض أنهم أبناؤه تلك المحاولات قد ركَّزت على سرقة واختطاف أبناء الإسلام بالتأثير على عقولهم والتلاعب بهم من خلال الفكر والتعليم حتى يجدوا أرضاً خصبه لمؤامراتهم التي تسعى بخبث ودهاء إلى أن يقدموا الإسلام مشوهاً ويلصقوا به ما ليس فيه، وكلّ ذلك يتم بأيدي أبنائه الذين غرَّروا بهم.

ومعذرة للقارئ الكريم إن كُنَّا نبدأ الحديث عن عام دراسي جديد بهذه الكلمات التي تبدو مؤسفة أو سلبية، ذلك لأن الأمر جِدُّ خطير، وقد أكَّد على خطورته خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله حين دعا قادة وعلماء الأمة الإسلامية لأداء واجبهم تجاه الحق جلَّ جلاله، ودعاهم إلى أن يقفوا في وجه مَنْ يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب ودعاهم أن يقولوا كلمة الحق وألا يخشوا في الحق لومة لائم.

وليست مدارسنا في المملكة بعيدة عن مؤامرات أعداء الإسلام، أقول ليست بعيدة ولكنها يمكن أن تكون في مأمنٍ من تلك المؤامرات ومن أحقاد أعداء الدين والوطن لتحمي عقول هذه الملايين المستهدفة من الشباب، وتدرأ عنهم بوادر الفتن والمحاولات المستميتة لاستهدافهم، وذلك يتحقق بعون الله بقيام وزارة التربية والتعليم بدورها المنشود ومسؤولياتها الملقاة على عاتقها لتصحيح مسار التربية قبل أن يختطفه أحد بعيداً عن وسطية الإسلام ونقاء العقيدة وسلامة الفكر الذي تربَّى عليه أبناء الأمة فعزَّ بهم دينهم واعتزوا به على مرِّ العصور .

وأقول من واقع مسؤوليات سابقة تشرفت بها في وزارة التربية والتعليم إننا في حاجة إلى العناية الحقيقية بالمعلم، فكما اعتنينا به وبتحسين أوضاعه المادية عبر سلَّم وظيفي عالج أوضاعه المالية والوظيفية فإننا بحاجة للاهتمام بإعداده وتمكينه وتدريبه، فنحن إذا سلَّمنا بسلامة مناهجنا في التربية ومهما أقررنا بأنها تستند وتنبثق من تعاليم ديننا إلاَّ أن مَنْ يُنفذ هذا المنهج هو المعلم فكيف يكون حال تربية الأبناء وإعدادهم للمستقبل إذا كان أحد المعلمين يرتبط بمنهج خفيٍّ أو بفكرٍ متشدد أو مشوَّه ؟

المعلم لا يزال هو العامل المهم في تربية الناشئة، وفي بناء أفكارهم وتوجيه سلوكهم، وعليه يقع العبء الكبير في نشر الثقافة المتسامحة أو الفكر المتطرف المتشدد، وعليه أيضاً تقع مسؤولية إعداد الشباب المحب لوطنه والمتمسك بتعاليم دينه الحنيف الذي يحث على القيم والأخلاق الفاضلة الحميدة.

ولكن متى ابتعد معلمٌ عن جادة الصواب وانحاز فكره إلى تَوجُهات غريبة عن مجتمعنا المسلم فإنه يستورد لأبنائنا من الفكر ما كان ضالاً، ومن السلوك ما كان مُتطرفاً فيقع بالأبناء الأعزاء في براثن الغدر والجريمة والغلو والتطرف المبني على الفكر الدخيل على هذا المجتمع الذي عاش على وسطية الإسلام واعتداله على مدى الأزمان.

ولذلك، فإن أبناءنا وهم أمانة نستودعهم لدى وزارة التربية والتعليم جديرون بمعلمين أكفَاء حريصين على حمايتهم من كل فكر دخيل، معلمين قادرين على حماية الأبناء مما قد يُبث بينهم من سُموم يلعب فيها الإعلام المغرض دوره الدنئ بما يبثه من أكاذيب، وما يضعه من شائعات وينقله إليهم من أضاليل.

إننا نعوِّل كثيراً على وزارة التربية والتعليم، وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وبما هو معروف عنه من وطنية لا تُبارى ومن سبق معروف في مجالات الفكر والثقافة والتربية نعوِّل عليه أن يجعل مدارسنا بيئة صالحة لغرس المفاهيم الصحيحة وبناء الفكر السليم والتوجه الوسطي السديد، نحن نثق في قدرة الوزارة على أن تجعل معلميها حُماةً للفكر الوسطي السديد، وُبناةً لكل سلوك رشيد في نفوس الأبناء، وتزداد ثقتنا مع بداية العام الدراسي الجديد في أننا سنرى بعون الله من البرامج الفاعلة مايُؤكد من مكانة المعلم ودوره وما يزوِّده في نفس الوقت بجرعات ثقافية تجعله بعيداً عمَّا يُحاك حولنا من مؤامرات لنشر فوضى التطرف الذي أدخل العديد من الدول في دهاليز مظلمة من الاضطراب والاقتتال والتخريب.

إننا نتطلع إلى مدارسنا لتكون هي الحصن المنيع لحماية أبنائنا بما تمتلكه من معلمين قادرين أكفاء ومنهج قويم سديد في التربية وبما يمتلكه سمو وزير التربية والتعليم من فكر رشيد وقرارات قادرة على تصحيح المسار، وفق الله قيادتنا وأمتنا ووطننا وحفظ لنا شباب الأمة من كل مكروه .

وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً

مقالات أخرى للكاتب