20-09-2014

الانتحار مرض أم جريمة؟!

كنت في حوار مع أحد الأطباء النفسيين حول قضية الانتحار، أبلغني أن آلية المستشفيات تُحتم إبلاغ الأجهزة الأمنية بوصول حالة محاولة انتحار، وأنه بعد عملية الإسعاف والعلاج يتم تحويله إلى المحاكمة. هذا ما جعل إنسانية -بعض- الأطباء تفرض عليهم الكتمان في عدم الإبلاغ عن هذه المحاولات.

لا يختلف شخصان على أن من يُفكر بوضع حد لحياته أنه مصاب بمرض نفسي، فكيف يُحاكم مريض، أليس الأولى هو تحويله إلى العلاج النفسي؟ ألا تتفقون معي أن هذا الشخص عندما يُحاكم ويُسجن يتضاعف لديه المرض؟ وإن كان في المرة الأولى قد حاول الانتحار فهو في المرة الثانية سينجح في عملية الانتحار خوفًا من المحاكمة؟! فإن كان في المرة الأولى قد حاول لفت الأنظار فهو في المرة الثانية وبعد المعاقبة لن يكون لديه شيء يخسره، إذن لا محالة سينتحر!

في تقرير أخير، نشرته منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار، الذي يوافق العاشر من سبتمبر، تبيّن أن السعودية هي الأقل في حالات الانتحار على مستوى الدول العربية، وأنا شخصيًا أشكك في دقة هذه الإحصاءات لأسباب عدة، أهمها: أن العادات والتقاليد وكذلك المحاذير الدينية تمنع الأهالي من الإفصاح بأن سبب الوفاة هو الانتحار، وذلك خوفًا من أن توصم الأسرة بهذا العار، لأن المجتمع ينظر إلى الشخص المنتحر بفقدان الوازع الديني ويحكم عليه الناس بالكفر والخلود في النار، والناس لدينا تبحث عن دعوة مستجابة لفقيدهم وذكرى طيّبة تُنعش سيرته وليس أحكامًا مُعلبة وكأن صاحبها يملك مفاتيح الجنة والنار، متجاهلاً أنه ليس على المريض حرج.

ومن الأسباب في تحليلي الشخصي، افتقاد المجتمع الوعي بالأمراض النفسية، وعدم تفعيل دور الطب النفسي بحيث يكون مثله مثل بقية التخصصات التي لا تُعيب الإنسان، بل ترفع من مكانته كونه شخصا واعيا ومؤمنا بأن الأمراض النفسية هي داء ولها دواء.

وجود حالات انتحار في أي مجتمع ليس بعيب، إنما العيب هو الإنكار والجحود وعدم الاعتراف بالمشكلة التي لا تخص مجتمعا بعينه، بل هي حالة عالمية وصلت بحسب التقديرات إلى ما يزيد على 800 ألف حالة في عام 2012م، ونحن في مجتمعنا لسنا بمنأى عنها، إلا أن دعم الطب النفسي وتغيير الصورة النمطية عنه وعن قضية الانتحار بشكل خاص، كفيلان برفع درجة الوعي وتحقيق الأهداف المرجوة في تقليص عدد هذه الحالات والوقاية من حدوثها باللين والرفق والاحتواء والعلاج، وليس بالسجن والمحاكمة!

إننا بحاجة إلى تجمع كبير لمختصين في كافة المجالات التابعة لهذه القضية، ووضع استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار ومن التفكير بالإقدام على خطوة كهذه تعني نهاية الحياة.

هذه الاستراتيجية من المهم أن تتضمن تسجيلات دقيقة لعمليات محاولات الانتحار، والانتحار الفعلي، ولن نحصل على أرقام دقيقة تساعدنا في قياس المشكلة قبل أن يكون لدينا تغيير فكري وأمني ينظر إلى الشخص المنتحر أنه مريض وليس مجرما، وأن مصيره بيد رب العالمين وليس بيد أحد من خلقه!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب