21-09-2014

كيف وضعت وزارة الإسكان الهيئة في حرج..؟!

أخطأت وزارة الإسكان عندما أعدت مشروعاً لنظام رسوم الأراضي وطالبت هيئة كبار العلماء بإصدار فتوى حوله، فهذا خارج نطاق عمل الهيئة ولا يمكن أن يطلب منها إصدار فتوى حول نظام مقترح قد يكون أعد بعناية أو قد يكون غير ذلك فتكون نتائجه عكسية مضرة وتُحمل الهيئة وزر إقراره.

فأقصى ما يمكن أن يُطلب من الهيئة في مثل هذا الشأن أن تعطي رأيها حول سؤال محدد هو: هل لولي الأمر أن يفرض رسوماً على الأراضي غير المستغلة داخل المدن إن رأى أن في ذلك مصلحة لعموم المواطنين..؟. وفي ظني أن الهيئة لن تتردد بالإفتاء بحق ولي الأمر في ذلك وينتهي دورها عند هذا الحد، بعده تتولى وزارة الإسكان اقتراح تنظيم خاص بذلك وتستكمل الإجراءات النظامية لإقراره من الجهات المسؤولة في الدولة، لا أن تُطالب الوزارة هيئة كبار العلماء بإقرار تفاصيل نظام فهذا خطأ تكتيكي أحرجت به الوزارة الهيئة بصورة غير مبررة.

والحقيقة أنني لو كنت مستشاراً اقتصادياً لدى هيئة كبار العلماء وطلب مني الرأي في مشروع نظام الرسوم المقترح من وزارة الإسكان وكما جاءت تفاصيله في التسريبات الإعلامية فإنني لن أتردد لحظة واحدة في التوصية برفضه وليس حتى بإحالته للمجلس الاقتصادي الأعلى.

فهذا المقترح بشكله الحالي سيسهم على الأرجح في مفاقمة مشكلة غلاء الراضي ولن يسهم في تخفيض أسعارها وبحاجة إلى تعديلات جوهرية ليصبح محققاً للغرض منه، ومن أبرز هذه التعديلات ما يلي:

1 - أن النظام المقترح وكما جاء في التسريبات الإعلامية يستثني من فرض الرسوم الأراضي التي تقل مساحتها عن 10.000 متر مربع، ما يعني أن الأراضي التي تقل عن هذه المساحة سيكون لها ميزة نسبية بإعفائها من الرسوم ما يتسبب في زيادة الطلب عليها وارتفاع أسعارها. كما سيتمكن كل مالك ارض كبيرة أن يوزعها في مساحات تقل عن 10 آلاف متر وسيتمكن من بيعها بسعر مرتفع كونها الآن مطلوبة بميزة عدم وجود رسوم عليها.

من ثم فإن كان فرض الرسوم يستهدف أصلاً تخفيض أسعار الأراضي صغيرة المساحة التي يبحث عنها المواطن لبناء مسكن له فإن هذا الهدف ليس فقط لن يتحقق بل حتى قد تتسبب هذه الرسوم في ارتفاع أسعار الأراضي ما يخلق موجة استياء شاملة تضطر الدولة معها إلى إلغاء هذه الرسوم وبالتالي إحراق الورقة الوحيدة التي بأيدينا لتحقيق خفض كبير في أسعار الأراضي وحل مشكلة الإسكان المتفاقمة. من ثم فهذه الرسوم حتى يتحقق الهدف منها يجب أن تكون شاملة لكافة الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني للمدن دون أدنى اعتبار للمساحة عندها فقط ستنجح في تحقيق خفض كبير جداً في أسعار الأراضي.

2 - الخطأ الآخر في نظام الرسوم المقترح هو أنه يفرض رسماً محدد القيمة على المتر المربع، على سبيل المثال 50 ريالاً على المتر المربع، وليس نسبة من القيمة السوقية للأرض، مثلاً 2.0% من القيمة السوقية. والمشكلة في ذلك أنه على افتراض تراجع أسعار الراضي بنسبة كبيرة بعد فرض الرسوم فإن هذه الرسوم ستصبح عبء غير عادل ولا مبرر على ملاك الأراضي. على سبيل المثال إذا كان الرسم 50 ريال للمتر المربع على أرض سعر مترها الآن 1.000 ريال فإن هذا الرسم يعادل 5% من قيمتها السوقية، لكن في حال نجاح فرض الرسوم في تخفيض أسعار الأراضي وانخفاض سعر هذه الأرض إلى 500 ريال للمتر المربع فإن هذا الرسم سيصبح 10% من قيمتها وهذا رسم مبالغ فيه جداً وسيتسبب في امتعاض شديد من ملاك الأراضي قد تضطر الدولة معه إلى إلغاء هذه الرسوم أو تخفيضها بشكل كبير.

لذا فرسوم الأراضي يجب أن تكون نسبة من القيمة السوقية بحيث يتم كل عام تشكيل لجنة للتثمين العقاري تقدر متوسطات أسعار الراضي في الأحياء المختلفة في كل مدينة وتستخدم هذه المتوسطات في حساب الرسوم المستحقة على كل أرض غير مستغلة في تلك الحياء، وهو ما يوفر عدالة وواقعية أكبر في هذه الرسوم.

كما أنه ولكي نضمن استكمال البناء في المناطق القريبة من مراكز النمو في المدن أولاً، فإنه يجب أن تكون نسبة الرسوم المفروضة تتناقص كلما أبعدنا عن مركز نمو المدينة. مثلاً تكون الرسوم 2.0% من القيمة السوقية للأراضي قرب مركز نمو المدينة ثم تتناقص تدريجيا مع ابتعادنا عنه بحيث تصبح مثلاً 0.05% فقط عند أطراف النطاق العمراني للمدينة.

كون رسوم الأراضي هي الورقة الوحيدة المتاحة أمامنا لتخفيض أسعار الأراضي وحل مشكلة الإسكان المتفاقمة يجعل من الخطير جدا حرق هذه الورقة بهذه الطريقة، ويؤكد أنه موضوع أكبر من أن يترك لوزارة الإسكان وحدها لتتولاه، وقد يكون أفضل شيء حدث لهذا المشروع هو رفضه من هيئة كبار العلماء ليتم تصحيحه قبل فوات الأوان.

alsultan11@gmail.com

أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam

مقالات أخرى للكاتب