22-09-2014

نقض ذهنية الضدّ - ملتقى الثلاثاء أنموذجاً

نسيان غُرزة واحدة يصنع ثقباً قبيحاً في النسيج. والعقل المتطرف يشبه نسيجاً مليئاً بالثقوب والعُقد القبيحة، هذا ما يؤول بالنتيجة لأفعال وأقوال قبيحة أيضاً.

أهم عُقد ذهنية التطرف «معضلة الضدية»، فهو يتعاطى مع أناه والآخر، وأناه والمحيط من حوله باللونين الأسود والأبيض فقط، ذاك ما يجعل العالم من منظوره مجرداً من الألوان. العقول المتطرفة عقول بدائية، تعيش في صناديق خيالية بيضاء غارقة في محيط كله سواد، صندوق فضي طاهر وسط عالم من السواد والكفر والذنوب والنجاسة!

ولأن التطرف مرادف للركون والثبات والممانعة الشديدة للتغير فهو يرفض مراجعة الجذور التي بلورت ثقافة الضدّية لديه.

ويرفض التحرك قيد أنملة من موضعه ليرى البقعة التي كان فيها، ولو فعل لأدرك حقيقة أن ليس هناك ضفة للبياض وضفة أخرى للسواد. وأن الخير المحض والشر المحض وهمان يعشعشان فقط في أوهامه.

وستنطفئ الإشارة الحمراء التي تشتعل كلما لاح في الأفق بادرة تواصل أو امتداد نحو الآخر. وسيكف عن اتهام مبادري الاندماج وفهم الآخر بالتذبذب.

لأن أحد الغرز المنسية في عقل المتطرف هي مسألة «التذبذب» لأنه كما قلتُ بدءًا يرى الكون قليل الخيارات وسطحياً، كما يرى طفل حساس نفسه مقابل الآخر/ المخطئ غالباً. فهم الضدية هو ما يدفع بالمتطرف لأن يأخذ نفسه بعيداً عن الآخر في رقعة شطرنج حيث ثمة جيشان متواجهان: أسود وأبيض فقط!

البعض تفهّم ضرورة الخروج من رقعة الشطرنج والاحتشاد ضد الآخر. وأن الاختلاف ثراء الحياة وينبوعها الجاري. مد خطواته بعيداً عن موضعه، ومد في روحه خانة إضافية تتيح الاستماع للآخر وتبادل الرؤى معه كآلية مهمة في سبيل تحقيق حلم المجتمع الحاضن لجميع الأطياف ومن ثم وطن تصغر في رحابه التصانيف والفئات. ومن هؤلاء الذين ابتكروا مساحة التوافق والانسجام مع الآخر الأستاذ جعفر الشايب مؤسس ملتقى الثلاثاء في القطيف الذي تأسس عام 2000 واستقطب العديد من مثقفي المنطقة وشخصياتها الاجتماعية والدينية. تم تطورت برامج المنتدى لتتحول إلى محاضرات وجلسات مفتوحة للحوار تتمحور حول قضايا سياسية واجتماعية وحقوقية وفكرية مختلفة. ونجح في مدة قياسية أن يؤسس لنشاط ثقافي متميز يتسم بالانفتاح على الآخر والتواصل معه، من خلال استضافة العديد من المثقفين وذوي الاختصاص من مختلف مناطق المملكة و خارجها لتأصيل المشاركة والتعددية. ومن جانب آخر لا تنجح مصافحة بيد واحدة ممدودة.

لابد ـ في المقابل ـ من عقول متحررة من دوغمائية (أنا والآخر)، متخففة من ثكناتها وقلاعها. لتكتمل لوحة المصافحة والعودة لمنبع التعاضد. وهذا ما شهده الملتقى الثلاثاء الماضي باستضافة الشيخ عيسى الغيث في حديث يستعرض حال القضاء في المملكة. وتمثل استجابة الشيخ للحديث حول هذا الشأن متزامناً مع ما تشهده المنطقة من حالة ترقب لإصدار الحكم في قضية «الشيخ نمر النمر» الشخصية التي أثارت خطاباتها جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض. تمثل استجابته يداً شجاعة وأخرى ممدودة لاحتضان الاختلاف والخروج من رقعة الشطرنج! المثير للإعجاب والطمأنينة معاً أن هذه المصافحة وغيرها تنشأ وسط الكثير من الإشارات الضوئية الحمراء التي تشتعل في رؤوس المتطرفين من حولنا، الإشارة الحمراء التي تشتعل كلما لاح في الأفق بادرة تواصل أو امتداد نحو الآخر.

kowther.ma.arbash@gmail.com

kowthermusa@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب