23-09-2014

الدكتوراه الفخرية لخادم الحرمين الشريفين: تقدير المانح، وجدارة الممنوح، وفخر الوطن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فإن كل منتسب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية جامعة علوم السيادة والريادة، الجامعة التي حملت اسم المؤسس الأول، فأسهمت عبر عقود من الزمن في خدمة هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية، منجزات وإسهامات أوصلتها إلى عالم الريادة والتميز، يشعر بالفخر والاعتزاز، والتقدير والامتنان، والعرفان لمقام مليكنا المفدى، وإمامنا المسدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله- وأمد في عمره على الطاعة والإيمان، لموافقته السامية على ما رفع إلى مقامه - حفظه الله- من رغبة مجلس الجامعة وكافة منسوبيها في منحه درجة الدكتوراه الفخرية في مجال العلاقات الدولية وتحقيق مبادئ السلم والأمن، وإنها لمناسبة عظيمة، ويوم من أيام جامعتنا الغراء، وحدث من أهم الأحداث بل إنه من أعظم المنجزات التي تسجلها الجامعة في مسيرتها التأريخية، وعطاءاتها الوطنية، في هذه الظروف التي يمر بها العالم عموماً، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، فلا مزايدة على أن الله جل وعلا امتن على وطننا الغالي بمنن عظيمة وآلاء جسيمة، وخصه بما يستوجب الثناء والحمد، ومن أعظم مننه بعد منة الإسلام والسلام، نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والثبات في زمن الفتن، والوحدة والاجتماع والألفة واللحمة التي كانت -بعد فضل الله- سبباً لدرء هذه الفتن، ومن أعظم منن الله علينا أيضاً قيادتنا الرشيدة، ممثلة في مليكنا العادل، وإمامنا المسدد وولي أمرنا الموفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي العهد النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز-حفظهم الله - أولئك الرجال الأفذاذ، والقادة الأمجاد الذين صدقوا الله فصدقهم، وتحملوا مسؤوليتهم تجاه وطنهم وأمتهم، وفتحوا قلوبهم قبل أبوابهم، وحرصوا على كل ما يحقق الوحدة والاستقرار ورغد العيش لمواطنيهم وما يجمع القلوب، ويوحد الكلمة بين المسلمين، وما يحقق التعاون والتواصل بين العالم أجمع فكانت قيادتهم وولايتهم- بعد فضل الله - سبباً في جمع القلوب، وتحقق الأمن والأمان، وتميز العلاقات الأقليمية والدولية، وهذا ما يشهد به القاصي والداني، والعدو قبل الصديق، والمواطن والمقيم على هذا الثرى الطاهر، والوطن المقدس المملكة العربية السعودية، مما كان مثار التأمل وموطن البحث، ومكمن الدراسة، إنه في اوقت الذي ابتليت فيه بلاد مجاورة بحمى الثورات والمظاهرات والاعتصامات والفتن، وتبدلت الأحوال، وفقد الأمن، وسار كثير من الناس خلف المجهول والسراب، لهفاً على حريات مزعومة، وحقوق مؤملة، فصاروا بعد ذلك يتمنون العودة إلى الوراء، ويرثون واقعهم، وكان هذا الوطن بقيادته وعلمائه ومواطنيه الشرفاء، وكافة شرائحه مثالاً للوحدة واللحمة والصمود في وجه الفتن، بل وأبلغ من ذلك صار لهذه الدولة العزيزة ثقلها ودورها في المشاركة في قضايا المسلمين، والسعي الحثيث إلى درء الفتن عنهم، والعمل على استقرار تلكم الدول بالطرق والوسائل والأساليب التي تحقق ذلك ولا تشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية، وأثر ذلك لا على المستوى الإقليمي فحسب بل حتى على المستوى الدولي، وصار صوت المملكة يحسب له ألف حساب في المحافل الدولية، كل هذا وما هو أبلغ منه مما يعد تأريخاً عريقاً عميقاً لسياسة المملكة العربية السعودية، في حقبها المختلفة، إلا إنه في هذه الحقبة المباركة من تأريخ مملكة الحب والإنسانية ازداد الأمر رسوخاً، واعتمدت المملكة رؤية إستراتيجية للقضايا الإقليمية والدولية تمكن لمبادئ السلم والسلام والأمان، وتنطلق من قواعد الشرع ومقاصده في هذا الباب، اعتماداً على المشترك الإنساني، والمبادئ والقواعد العامة للشريعة الإسلامية في باب العلاقة مع الآخر، محرك هذه الاستراتيجية ومفعلها بعقله الكبير، وحكمته الظاهرة، وحنكته المعهودة، وبصره النافذ وبصيرته العميقة، ورؤيته السديدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي خبر الأمور، وتخرج من مدرسة المؤسس الباني الملك الصالح موحد هذا الكيان عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود غفر الله له وطيب ثراه، وكان عضداً لإخوانه السابقين، ومؤثراً في صناعة القرار في وقت الملك فيصل وخالد، ثم ظهر أثره في هذا الشأن إبان توليه ولاية العهد في عهد أخيه الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- وحينما بويع بالملك في عام 1426هـ جسد هذه الخبرة والحكمة في قيادة المملكة، وتحقق في عهده الميمون للمملكة العربية السعودية، بل وللمنظومة الخليجية والعربية والإسلامية، والعالمية ما يشعر به الجميع، ويعدونه مثالاً لسياسة متوازنة عادلة حكيمة، مؤثرة في المشهد الدولي الملتهب، هذا وغيره دفع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهي الجامعة التي تتميز عن شقيقاتها بأن البعد الدولي حاضر فيها من خلال فروعها خارج المملكةيالدول الشقيقة والصديقة، وإسهامها من خلال تلك الوحدات تجسيد لرسالة المملكة ودورها في المنظومة الدولية، كما أنها تقوم على تأصيل العلاقات الدولية ومسائل السلم والجهاد وغيرها عبر وحداتها المعنية بذلك سواء في كلية الشريعة التي هي أقدم وأهم الكليات، أو المعهد العالي للقضاء، الذي يشكل قسم السياسة الشرعية أهم الأقسام المعنية بدراسة القانون الدولي والأنظمة المقارنة أو الوحدات الأخرى، ورسمت لنفسها إستراتيجية في خضم الفتن والمتغيرات لتكون شريكاً لكل مؤسسات الدولة فيما يحقق الأمن الفكري، ويحارب الفكر المتطرف، والجماعات والتنظيمات، وتميزت فيها الجامعة بل أصبحت إسهاماتها الفكرية مطمحاً لكل المؤسسات، فالمؤتمرات الدولية المعنية بذلك، والشراكات مع الجامعات العالمية، ومراكز الأبحاث في الجامعة وفروعها في الداخل والخارج، وإسهامها المميز مع وزارة الداخلية في برامج المناصحة، وغيرها من الإسهامات المميزة التي لا تنحو منحى ردود الفعل، أو الاستجابة المؤقتة لظرف معين وإنما هي إسهامات ذات رسالة وهدف نبيل، تعتمد على التربية والتعليم والتوجيه، وتنظر في أمثل الأساليب التي تحقق المعالجة والحصانة وتخدم الوحدة الوطنية والإسلامية لتخدم الدين والوطن، بل والأوطان كافة بحكمة ووسطية واعتدال تحقق رؤية المليك المفدى، وتطلعاته فيها، كل ذلك دفع الجامعة أن تبادر هذه المبادرة التي كانت حلماً يراود قيادة الجامعة وكافة منسوبيها، وقد توجت ولله الحمد بالموافقة السامية من مقامه العلي، وقبوله لهذا التقدير المستحق بجدارة، وإن هذا الحدث يثير في النفس كل مشاعر الحب والولاء، والعرفان والامتنان، والتقدير والتوقير لمقامه، ويعجز اللسان في هذا الموقف بل إن الكلمات لتتناثر والجمل تتطاير، والبيان يقف عاجزاً عن التعبير عن مكنون الفؤاد بالفرح بهذه المناسبة، وآثارها ودلالاتها ستظل بصمة مميزة في تأريخ هذه الجامعة العريقة، ولهذا فإن من استثمار هذا المنح المستحق أن أرصد هنا أهم دلالاته ومضامينه لأن هذا هو المقصود وهو الهدف، وهو الدرس الذي يجب أن يبرز، وإنني كمسؤول عن هذه الجامعة، وأتحدث هنا نيابة عن كافة زملائي وإخواني وأبنائي منسوبي هذه الجامعة الذين توالت رسائلهم علي بالتهنئة والتبريك، وحملوني من خلالها إبراز هذه الدلالات المهمة لهذا الحدث الكبير، أقول -وأسأل الله السداد فيما أقول-: إن مدلولات هذا القبول بهذه الدرجة الفخرية منقامه -أيده الله- لا يمكن أن توصف عبر كلمات، وتستحق أن تكون مشروعاً بحثياً بل مشاريع لإبراز معالم تلكم السياسة الحكيمة، والسمات الشخصية التي جعلت من مليكنا المفدى -حفظه الله- أبرز شخصية مؤثرة في المشهد الدولي، كما أن لها دلالة في تخصيص هذه الجامعة وتشريفها بذلك، فمن أبرز تلكم الدلالات والمضامين:

1) ما حبى الله به مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين من شخصية فذة، مهابة، تتسم بكثير من الخلال والخصال ما يجعلها محبوبة للجميع، ومحلاً للتقدير والإشادة، فهو -أيده الله- قد جمع بين البساطة والقرب من شعبه، والقوة في الحق، والشجاعة في الرأى، واستبطان الإصلاح ومحبة الخير للناس، والقدرة على جمع الكلمة وتأليف الناس، والنظرة الشمولية، واستدعاء التأريخ في مواقفه، والحكمة والحنكة والفراسة، وبعد النظر، إلى غير ذلك من السمات والخلال التي انعكست على مواقفه في هذا المجال وغيره.

ويقرأ المطلع على سيرته ومواقفه إخلاصاً أثمر بركة في عمره، ولذا لا تقاس منجزاته بالزمن، وكتب الله على يديه في كل مجال، وفي هذا المجال على وجه الخصوص ما نحتسبه عند الله في موازين حسناته، ونعده بركة في وقته وعمره، وقبولاً وضعه الله له، ومن هنا فإن الجامعة تعبر عن تقديرها لهذه الشخصية بهذا العرف الأكاديمي الذي يعد نمطاً عالمياً يعترف فيه بالجهود الاستثنائية للشخصية الممنوحة، مع الاعتراف بقصور ذلك قطعاً عما يستحقه مقامه.

2) منجزاته أيده الله في كل صعيد ومجال، وفي مجال العلاقات الدولية وتحقيق مبادئ السلم والأمن على وجه الخصوص ما يستحق الدراسة، والملاحظ أنها جهود تحقق الهدف في مسارات متنوعة ففي ما يرصد الدارس جملة من الجهود أذكرها مجملة لأن مجموعها ينتج مستوى استثنائياً في التأثير وفي الواقع الدولي ومن أبرزها:

1) جهوده حفظه الله في تحقيق الاتحاد الخليجي:

فقد تبنت القمة الخليجية الثانية والثلاثين عام 2011م مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أعلنها في افتتاح القمة بالانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد الخليجي وأن تشكل دوله كيانا واحداً.

2) جهوده حفظه الله في تفعيل العمل العربي المشترك:

وهذا في صور متعددة، وأنماط متنوعة، ومنها أنه -أيده الله- وخلال (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني) التي عقدت في الكويت في شهر يناير 2009م أعلن في موقف تأريخي خلال مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية تجاوز مرحلة الخلافات بين العرب، وأسس لبداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. وقال: أعلن باسمنا جميعا أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف، وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ، وأننا سنواجه المستقبل بإذن الله نابذين خلافاتنا، صفا واحدا كالبنيان المرصوص مستشهدين بقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (46) سورة الأنفال.

3) كما يأتي في هذا الإطار جهوده حفظه الله في تحقيق التضامن الإسلامي، وأبرز مثال على ذلك:

دعوته حفظه الله لعقد القمة الاستثنائية الثالثة في مكة المكرمة يومي 5 و 6 ذي القعدة 1426هـ الموافق 7 و 8 ديسمبر 2005م إيمانا منه بضرورة إيجاد نوع من التكامل الإسلامي بين شعوبها ودولها، والوصول إلى صيغة عصرية للتعامل فيما بينها.

4) -أما القضية الفلسطينية وهي قضية العرب والمسلمين جميعاً فمن أبرز ما يرصده الباحث والمتأمل:

مبادرته عندما كان ولياً للعهد في قمة بيروت (مارس 2002م) وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحد لحل النزاع العربي الفلسطيني الداعية إلى إقامة سلام شامل وعادل بين العرب وإسرائيل وفق قرارات مجلس الأمن 242 و 338 بما يفضي إلى توقيع معاهدة سلام يتحقق بموجبها إعادة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بالكامل وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.

ووجه رعاه الله في يوليو عام 2006م بتخصيص منحة قدرها مائتان وخمسون مليون دولار للشعب الفلسطيني لتكون بدورها نواة لصندوق عربي دولي لإعمار فلسطين.

وعندما حدث خلاف بين الفلسطينيين سارع خادم الحرمين الشريفين بتوجيه الدعوة لأشقائه قادة الشعب الفلسطيني لعقد لقاء في رحاب بيت الله الحرام بمكة المكرمة لبحث أمور الخلاف بينهم بكل حيادية، ودون تدخل من أي طرف، والوصول إلى حلول عاجلة لما يجري على الساحة الفلسطينية، وتوجت تلك الاجتماعات باتفاق مكة الذي أعلن برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في قصر الصفا بجوار بيت الله الحرام في العشرين من شهر محرم 1428هـ.

وهذه أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة لمقامه - أيده الله - تجاه القضايا وفى مقدمتها القضية الفلسطينية حيث استمر على نهج والده الملك عبدالعزيز رحمه الله في دعم القضية سياسياً ومادياً ومعنوياً بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.

5) وفي الإطار العربي تأتي جهوده حفظه الله في الشأن اللبناني:

فعندما حدث الاعتداء الإسرائيلي السافر على بيروت وعلى الجنوب اللبناني في شهر يوليو من العام 2006م دانت المملكة بشدة تلك العمليات العسكرية وحذرت المجتمع الدولي من خطورة الوضع في المنطقة، وانزلاقه نحو أجواء حرب ودائرة عنف جديدة من الصعب التنبؤ بنتائجها، خاصة في ظل التراخي الدولي في التعاطي مع السياسات الإسرائيلية، ووجه رعاه الله الدعوة بحملة تبرعات شعبية. كما وجه حفظه الله بإيداع وديعة بألف مليون دولار في المصرف اللبناني المركزي دعما للاقتصاد اللبناني. ومنح أخرى، تشكل قوة تؤدي إلى اللحمة والتماسك في مقابل التحديات.

6) وفي الشأن اليمني:

انتهت مساعيه - حفظه الله - أن يتم بحضوره والرئيس السابق «علي عبدالله صالح» رئيس الجمهورية اليمنية الشقيقة جرى التوقيع على المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية من قبل الحكومة اليمنية وأحزاب اللقاء المشترك، ووقع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المبادرة الخليجية لنقل السلطة في اليمن، بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي ألقى كلمة بتلك المناسبة حينها، قال فيها: «اليوم تبدأ صفحة جديدة من تاريخكم تحتاج منكم اليقظة، وإدراك المصالح، وتحديد الأهداف، فالحرية بكل أشكالها لا يمكن لها أن تستقيم دون المسؤولية».

7) وفي الشأن العراقي:

شهدت مكة المكرمة عام 2006 وبجوار بيت الله الحرام لقاءاً ضم كبار القيادات الدينية السنية والشيعية في العراق، وذلك بمبادرة من منظمة المؤتمر الإسلامي ممثلة في مجمع الفقه الإسلامي ودعم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث تم خلال اللقاء التوقيع على نص وثيقة مكة المكرمة التي تستهدف حقن دماء المسلمين في العراق، وما يتبع ذلك من اقتتال طائفي وترويع للآمنين وتدمير وتشريد.

8) وفي الشأن الصومالي:

في شهر رمضان عام 1428هـ وبرعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله عقدت بقصر المؤتمرات بجدة الجلسة الختامية لمؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية، وجرى استكمال التوقيع على اتفاق المصالحة الوطنية الصومالية.

9) وفي الإطار الإسلامي بين الدول الإسلامية:

حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله على رأب الصدع ولم الشمل، وتقوية العلاقة بينهما، ففي الثاني من شهر مايو 2007م تم في الرياض التوقيع على اتفاق ثنائي لتطوير وتعزيز العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية تشاد، وهذه أمثلة لما يبذله الملك - أيده الله - من جهود لتقوية أواصر العلاقة بين الأشقاء والأصدقاء ليسود العالم التعايش والتواصل والتعاون على كل خير.

وهذا أحد المجالات التي تثبت أثر قيادته المسددة لتحقيق أمثل صور العلاقات الدولية، وثمة مجالات أخر تصب في خدمة هذا الهدف الرئيس أذكر أمثلة لها، فمنها:

1) عنايته الكبيرة بالحرمين الشريفين لما للعناية من أثر في تيسير وتسهيل أمور المسلمين، وقاصدي هذه البقاع، فأمر حفظه الله بالتوسعة التأريخية التي تعتبر الأكبر والأكثر تطورا وتوسعا أفقيا ورأسيا وخدميا وتحظى بمتابعة دائمة من خادم الحرمين الشريفين ومن كبار المسئولين في الدولة استجابة لتوجيهاته رعاه الله، ولا يخفى أثر هذه العناية في تقوية صف المسلمين، وتوحيد كلمتهم، وإظهار رمز هذه الوحدة، وهي المقدسات في أروع صورة.

2) مبادرته التاريخية العظيمة التي تؤسس لعالم متعايش، وتنبذ كل صور الإقصاء والتأزم، وذلك بدعوته - أيده الله - للحوار بين أتباع الديانات والحضارات، تلك الدعوة التي توالى تأييدها في المؤتمر العالمي للحوار في مدريد وهو الأول من نوعه وعقد بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين وأوصى في إعلان مدريد بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات من خلال عقد دورة خاصة للحوار. ورعى أيده الله حفل افتتاح أعمال المؤتمر العالمي للحوار في العاصمة الأسبانية مدريد في 13 رجب 1429هـ الموافق 16 يوليه 2008م وتوجت جهود خادم الحرمين الشريفين باجتماع عالي المستوى عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقرها بنيويورك في الفترة من 12 إلى 13 من شهر نوفمبر 2008 م بناء على طلب من خادم الحرمين الشريفين لمواصلة الحوار العالمي الذي انطلق من العاصمة الأسبانية مدريد في شهر يوليو من العام نفسه.

3) وللتأصيل الشرعي لمفهوم الحوار الإسلامي مع أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة في العالم رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله في الثلاثين من شهر جمادى الأولى 1429هـ حفل افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بقصر الصفا في مكة المكرمة، هذه المبادرة لا تزال إلى يومنا هذا نتفيأ ظلالها، وتعتمد في المحافل الدولية كمحرك لكل الجهود السلمية.

4) المشاركة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - في قمة مجموعة الدول العشرين الاقتصادية التي عقدت في واشنطن عام 2008 م وفي العاصمة البريطانية عام 2010 م وهي مشاركة مهمة في تقوية العلاقات بالبعد الاقتصادي ولها دلالتها الأكيدة في تأثير المملكة في هذا البعد المهم.

5) وفي المجال الاقتصادي أثمرت التوجيهات السامية نحو الإصلاح الاقتصادي الشامل وتكثيف الجهود من أجل تحسين بيئة الأعمال في البلاد وإطلاق برنامج شامل لحل الصعوبات التي تواجه الاستثمارات المحلية والمشتركة والأجنبية بالتعاون بين جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة عن حصول المملكة العربية السعودية على جائزة تقديرية من البنك الدولي تقديراً للخطوات المتسارعة التي اتخذتها مؤخراً في مجال الإصلاح الاقتصادي، ودخول المملكة ضمن قائمة أفضل عشر دول أجرت إصلاحات اقتصادية انعكست بصورة إيجابية على تصنيفها في تقرير أداء الأعمال الذي يصدره البنك الدولي حيث صنفت المملكة عام 2010م في المركز الثامن بين مئة وثلاث وثمانين دولة تصنف أفضل بيئة استثمارية في العالم.

6) أما في المجال الثقافي فيمكن إبراز جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، منسجمة مع البعد الدولي للجائزة بوصفها جائزة عالمية، ومتزامنة مع احتفالات اليونسكو إسهامًا سعوديًا لدعم المساعي الحميدة للمنظمة للتقارب بين الثقافات، وفتح آفاق رحبة للتعريف بأهدافها بين الدول الأعضاء بالمنظمة، وكذلك جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث والثقافة «وذلك لتشجيع الباحثين والمهتمين بهذين الجانبين المهمين في المكون الإنساني، وامتدادا لسلسلة من أعماله الجليلة - أيده الله- لمد جسور التواصل عبر الثقافات والحضارات، وتأكيد الاعتزاز بالتراث والثقافة والحضارة الإسلامية التي أسهمت - ولا تزال - في الحضارة البشرية.

- هذا كله فيما يحقق المثالية في العلاقات الدولية وأما في الجانب الآخر وهو تحقيق السلم والأمن الدوليين، ويعد ثمرة ونتيجة للجهود المبذولة في تحقيق التعايش والعلاقات فتأتي جهوده - أيده الله - الاستثنائية في مكافحة التطرف والإرهاب، حيث تعد تجربة المملكة العربية السعودية بقيادته قوة ناعمة استهدفت البنى التحتية لخطاب التطرف وجماعاته ومنظماته حتى أصبحت الدول الكبرى تعتمد على المملكة العربية السعودية في مواجهة مظاهر التطرف والإرهاب، وكانت جهوده أيده الله تصب في مسارين رئيسين يحققان الأمن الشمولي، أمن حسي وأمن عقدي، وأمن فكري، وأمن ثقافي، وأمن سياسي، وأمن اجتماعي، المسار الأول الذي يحقق الحصانة لكل فئات المجتمع، في منظومة من الخطط الإستراتيجية التي تتبناها مؤسسات الدولة، وعمادها التربية والتوجيه، وتعزيز الانتماء للدين والوطن، والمسار الآخر علاجي يتكامل مع الجهود الأمنية التي حققت انتصارات متوالية، وكشفت عن مخططات إجرامية لاستهداف هذا الوطن الغالي، ومن الجهود التي تجمع بين الأمرين، وتحقق البعدين دعوته حفظه الله إلى عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب وذلك في مدينة الرياض وعقد المؤتمر في الخامس من شهر فبراير 2005 برعايته - أيده الله ومشاركة أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية وأجنبية إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية. ودعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في كلمة افتتح بها المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، وواصلت المملكة جهودها في ذلك وواجهت التطرف والإرهاب بما يعتبره الراصد أعظم مواجهة تأريخية لقوى الشر والإرهاب وما القرارات التأريخية، والأوامر السامية، والجهود المستندة إلى توجيهاته سواء في جهود العلماء أو المؤسسات إلا شاهد على هذا.

- هذه أمثلة لجهوده أيده الله، ولم أقصد إلى رصدها بالمنهجية البحثية وإنما أردت جمع أمثلة منها ليعلم أنها جهود استثنائية في هذا المجال المهم الذي أوصلنا فيه إلى أن تكون مملكة الإنسانية واحة وارفة الظلال، موئلاً لكل العرب والمسلمين، ومثالاً للأمن والرخاء والطمأنينة، ويظهر منها أنه دور ريادي يقوم به - أيده الله في خدمة العلاقات الدولية، وتحقيق مبادئ الأمن والسلام، ولأجل كل هذا اختارته جهات عالمية صمن أبرز الشخصيات، وأقواها تأثيرا في العالم، وحقا إنه كذلك.

- أما دلالة هذا المنهج فيما يخص الجامعة فما من شك أنها واضحة على عنايته - حفظه الله - بالجامعة، ودعمه لما تسير عليه وتخطوه من خطوات في مواجهة الإرهاب والجماعات والأحزاب المتطرفة، وما تبثه وتقوم به من برامج متنوعة تعزز مبادئ الوسطية والاعتدال والسماحة واليسر ورفع الحرج، وما من شك أن هذا الشرف الذي نالته بموافقته - أيده الله - سيضاعف المسؤولية والحمل للمسيرة على هذا الطريق، وتحقيق ما يوجه به، ويتطلع إليه بالعمل الجاد البناء المخلص، الذي ينأى عن الكسل والتهاون عبر وحدات الجامعة وبرامجها وفعالياتها في الداخل والخارج، ومشاركة منسوبيها فيما يثري هذا الجانب، هذه أهم الدلالات، والمقام يضيق بذكر غيرها.

وإننا نحمد الله أن منَّ على إمامنا ومليكنا، واختصه بهذه النعم، وسدده بهذه المواقف السديدة، ووفقه لهذه الإنجازات العالمية، والمساهمات الفاعلة المؤثرة، ثم يشرفنا أن نرفع لمليكنا المفدى، وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التهنئة الخالصة بهذه الدرجة الفخرية التي نشعر أنها تاج فخار، والشكر لله جل وعلا على توفيقه، والدعوات الصادقة، أن يتم الله سبحانه عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويكلأه برعايته، ويجعل هذا التقدير والاستجابة من عاجل بشراه في الدنيا، ويدخر له أجزل المثوبة، وأعظم الأجر في الآخرة، والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وقيادتنا، وأن يجعل أعمالهم زادًا لهم إلى رضوان الله وجنته، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب