«اليوم الوطني».. أعوام وطنية.. ورسالته رسالات

«اليوم الوطني» الذي تحتفل فيه جميع الدول، وتتطلع لإحيائه الشعوب، وتتفاخر به الثقافات من بلد إلى بلد، هو يوم تتركز فيه القيمة الحضارية لكل بلد، لتنبعث من جديد كل المُثُل النبيلة، وتتقد عالمية الرسالة والهدف، التي رفع رايتها ذلك الوطن.

والحال كذلك، بلدنا، ليس كبلاد. وطننا، ليس كأوطان، رسالتنا، ليست كرسالات. يومنا، ليس كأيام، ومن هنا، تتجلى مناقبنا، وتتعالى مكانتنا، ونزهو بقدَرِنا، عن غيرنا في الأرض. فالوطن الذي نعيش فيه «حالة» لا يوجد لها مثيل على البسيطة، ومعطيات الفخر به لن تكون كمعطيات غيره من البلدان، ذلك ليس لإدعاء مهزوز، أو ارتقاء لمنزلة كانت فارغة فتم ملؤها، إنما هي استحقاق شرفنا به قدر إلهي حكيم، جعل من وطننا منبعاً لرسالة سماوية خاتمة، ومهبطاً لوحي منزه محفوظ، وإشعاعاً لحضارة إنسانية تشمل المعمورة بأكملها.

يحق لنا، بل ويستحق وطننا أن نحتفي بـ»عامه الوطني» وليس بـ»يومه الوطني» فمفاخر وطننا ليست أياماً تحصى، ولا مناسبات تُذكر، إنما هي مسيرة حياة، ومشروع حضارة يجوب الأرض، ولم يجيئ «اليوم الوطني» إلا للتذكير والإلماحة فقط، لعناوين عريضة، يتم إطلاع من يجهلها عليها، ومن صغرت عينه عن حصرها كي يعيش وهجها.

«اليوم الوطني84» للمملكة العربية السعودية مناسبة هي بنفسها تعظم بالوطن، وليس الوطن يعظم بها، لأننا نملك وطناً يملِكنا، ونعيش في أرض تعيش فينا، هي منا ولنا، ونحن لها ومنها.

يقال هذا القول ليس تعبيراً وإنشاء، ولا تغنياً واحتفاء، بل هو سلوك وتربية في الصميم، يزهو بها الحاكم والمحكوم، ويفخر بها الصغير والكبير، فوطننا بنسيجه ومنظومته وحدة فريدة، لا تجد فيها فرقاً بين راع ورعية، ورئيس ومرؤوس، فلكل حقوق، ولكل واجبات، جعلت منه حصناً منيعاً للجميع، تعذر على الكثير من المتربصين أن ينالوا منه، أو يشوهوا صورته البهية.

مثل تلك القيم التي يكتنزها وطننا، تأسرك بأواصر الحب والولاء والطاعة، لتتشكل وفق ذلك علاقة من أعظم علاقات الشعوب بقادتها، التي عرفها تاريخ البشرية كافة.

فقيادتنا ليست أشخاصاً ومسميات، هي قيادة تجاوزت ذلك المعنى التقليدي لمعنى الحاكم بكثير وكثير، قيادتنا تربعت على عرش العهود، وتجذرت في عمق القيم والمُثُل، وتسامت في سماء الفضيلة والأخلاق النبيلة، التي عززت من القيمة الحقيقية لمعنى الحاكم، والمواطن هنا ليس ذلك الإنسان المُلتزم بقوة النظام، ولا الفاعِل بأمر الإجراء، إنما المواطن هنا، ذلك الإيجابي، المثمر، المُنتِج، بأمر السلوك والهوية، بأمر الانتماء والولاء.

وبتلك العلاقة التكاملية، وبمثل ظروف التوافق هذه، تربع وطننا على عرش الأمن والأمان والاطمئنان، وصار الوطن ينعم بأعوام وطنية، ويحمل في رسالته رسالات، إن أردتها في الأمن، وإن أردتها في التقدم، وإن أردتها في السلام، وإن أردتها في الحوار، وإن أردتها في الاستقرار، وإن أردتها في العلم والمعرفة… وكثيرة هي رسالات وطننا التي بعثها للعالم والشعوب، وسيحفظها التاريخ ويخلدها.

تلك «الحالة» الفريدة التي يعيشها وطننا، كان مِن ضمن مَن يقف خلفها مشروع وطني سامٍ وأصيل، نظم خيوطه، وصاغ قلائده قطاع «التربية والتعليم» الذي تأسس كداعم مفصلي ورئيس لبناء الدولة، واكتمال أركانها، وهو ما تحقق من خلال العديد من قرارات الدعم والمتابعة من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز.

ولم تأتِ مبادرة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة بتخصيص ميزانية خاصة، لتطوير التعليم والدفع بحيويته وفاعليته بما قدره 80 مليار ريال، تم رصدها خارج الميزانية السنوية، إلا دليل شاخص وماثل لأهمية التعليم في تشكيل مكونات هذا البلد اجتماعياً وثقافياً.

فحينما أصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً بالموافقة على برنامج عمل تنفيذي لدعم تحقيق أهداف مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام في المملكة مدته خمس سنوات، تقدمت به وزارة التربية والتعليم؛ لتلبية الاحتياجات الضرورية والتطويرية التي تحتّمها المرحلة الحالية والمستقبلية، كان ذلك الأمر تأكيداً لما سبقه من أوامر وقرارات تعكس القيمة الكبرى التي يحظى بها قطاع التربية والتعليم في هذا الوطن.

كما أن حرص وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل على متابعة ومناقشة كل البرامج والرؤى التطويرية في الميدان، ومعايناته المباشرة للواقع التربوي في المناطق التعليمية كافة، وعقده الاجتماعات الدورية والمستمرة مع مسئولي ومسئولات التعليم، لَيأتي في سياق التوجه الرسمي العام الذي تنتهجه الحكومة الرشيدة كي تضع من «التربية والتعليم» مشروعاً إستراتيجياً، نحو تحقيق تطلعات المواطنين في مناخ حضاري ومعرفي متكامل.

وبعد تلك الجهود الجبارة جاءت ثمرات القطف لتعكس أنموذجاً يفخر بجودته الجميع، لتُمثل الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة القصيم مثالاً يُحتذى بأن حققت العديد من الأولويات التربوية والإبداعية على مستوى الوطن والخليج والعالم، حينما اكتسبت الجوائز والأوسمة الذهبية والمراتب الأولى والمتقدمة في العديد من التجارب والفعاليات التربوية والتعليمية. وتلك مكتسبات لم تكن لتتأتى إلا بتوفيق من الله ثم متابعة وتشجيع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، وسمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز.

عبد الله بن إبراهيم الركيان - المدير العام للتربية والتعليم بمنطقة القصيم