اهتمام الملك المؤسس بصحة المواطن

يأتي يوم الثلاثاء الثامن والعشرون من شهر ذي القعدة متزامنا مع الذكرى الرابعة والثمانين لتوحيد البلاد وإعلان المملكة العربية السعودية

لقد جاء هذا الإعلان بتوحيد البلاد على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود كنتيجة حتمية لما بذله رحمه الله ورجاله الأماجد في ترسيخ دعائم البلاد وحفظها من التمزق والشتات والذي كان يحكم هذه الجزيرة الكبيرة فلا يأمن المسافر على نفسه او راحلته بل لا يأمن أهل القرى والمدن على أنفسهم من غارات من حولهم.

وكان هذا التوحيد بمثابة المفتاح للتنمية والتقدم ساهم في ذلك اكتشاف الثروات الطبيعية وبناء مؤسسات الدولة بمختلف مكوناتها، ولعلي هنا أشير إلى لمحة بسيطة من مراحل تطور الخدمات الصحية وحرص جلالة الملك عبدالعزيز رحمة الله بهذا القطاع الحساس للنهوض به وتقنينه وتقديم الدعم اللازم له في ظل الموارد الشحيحة آن ذاك.

فقد أمر «رحمه الله» بإنشاء مصلحة الصحة العامة في عام 1343هـ وكان مقرها مكة المكرمة، ولها فروع في مناطق المملكة، ثم بعدها أصدر أمرا ساميا آخر في 27-8-1344هـ بإنشاء (مديرية الصحة والإسعاف)، و تتألف هذه المديرية من مدير عام، وهو مرجع الشؤون الصحية، ومديريها في جميع أنحاء البلاد، ومعاون للمدير العام، ومفتش عام، ورئيس الصيادلة يساعده صيدليان قانونيان ومساعدو صيادلة، وعدد من الموظفين.

وتم توسيع مجال عمل المديرية بحيث يشمل الاهتمام بشؤون الصحة والبيئة، وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية، استقدام الأطباء والصيادلة، وإصدار اللوائح والانظمة الخاصة بممارسة مهنة الطب والصيدلة، والاهتمام بتدريب الكوادر الطبية المهنية، وإعداد البرامج التوعوية والوقائية، والإشراف على صحة الحجاج. وتجاوز نطاق عمل المديرية حدود مكة المكرمة ليشمل جميع مناطق المملكة. ولدعم هذه المديرية، تم تكوين المجلس الصحي العام وهو أعلى هيئة صحية إشرافية في البلاد برئاسة سمو نائب جلالة الملك رئيسا.

وعقد المجلس أولى جلساته في 25-8-1345ه بمكة المكرمة وصدر في الوقت نفسه أيضا نظام (إدارة الصحة العامة والإسعاف في 1-8-1345هـ، وبلغت مواده 111 مادة توضح ارتباط المديرية العامة للصحة، وهيكلها، ومهامها، ونظام موظفيها، وتوصيف مهام رؤساء الأطباء والأطباء والصيادلة، وتحديد الرسوم الخاصة بالعلاج، وتحديد وظائف رئيس الكتاب ومأموري المخازن، وتحديد الوظائف الضابطة للصحة، وتشكيل المستشفيات واللجان الإدارية واللجان الصحية القضائية، وما يتعلق بالاحتياطات الصحية للحجاج، وشروط العمل بالمديرية العامة للصحة.وشهد عهد الملك عبد العزيز رحمه الله صدور العديد من الأنظمة التي نظمت القطاع الصحي وقننت الخدمات الصحية وانعكس ذلك على الأداء الصحي والمستوى الصحي العام. منها على سبيل المثال نظام الطبابة والصيدلة 1347هـ و نظام الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية و نظام الإتجار بالمواد المخدرة 1353هـ. و نظام تعاطي الصيدلة في المملكة 1354هـ و نظام المستشفيات 1354هـ و نظام الإتجار بالأدوية والعقاقير الطبية والمستحضرات والأعشاب 1357هـ. و نظام منع بيع الأدوية في الدكاكين واقتصار بيعها على صيدليات 1358هـ. كما شهدت الخدمات الصحية في البلاد نقلة نوعية كبيرة عندما أصدر الملك عبد العزيز مرسوماً ملكياً برقم 5-11-4-8697 في 16-8-1370هـ بإنشاء وزارة للصحة وتعيين الامير عبد الله الفيصل وزيراً للصحة.

لقد كان لهذه الخطوات الهامة في مجال الصحة أثر كبير فيما شهدته البلاد من تطور كبير في مجال الصحة عبر عهود الملوك سعود ثم فيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعا حتى غدت المملكة في مصاف الدول المتقدمة التي يفد إليها الناس طلبا للعلاج عبر مستشفياتها المتقدمة.

وقد كان الاهتمام بإعداد الكوادر من الأولويات التي رعتها الدولة في وقت مبكر فقد تأسس أول معهد صحي، في عهد الملك سعود، عام 1378 بالرياض وأنشأت اول كلية للصيدلة عام 1382 وافتتحت أول كلية للطب عام 1390 ثم توالت هذه القفزات في كل مكان حتى أصبحت البلاد عامرة بالمعاهد والكليات التي تقدم جميع الدرجات العلمية في التعليم العالي

إن مانشهده في هذه البلاد من تقدم في المجال الصحي كان نتيجة ذلك الاستقرار الذي أرساه الأوائل واللحمة الوطنية التي ركزت الجهود لبناء وطن منيع ضد الأعداء متماسك باتحاد شعبه مع قيادته

لقد كان لهذا الاستقرار أثر كبير في هذه النهضة العملاقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله فقد قفزت المستشفيات إلى ما يزيد عن 430 مستشفى وعدد كليات الطب أكثر من 30 كلية بالإضافة إلى عدد كبير من المبتعثين والمبتعثات في كافة دول العالم المتقدمة ليساهموا في متانة هذا البناء العظيم.

أ.د.خالد القميزي - عميد كلية الطب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.