بمشاركة رئيس التحرير بمحاضرة عن الملك عبدالعزيز.. ضمن فعاليات اليوم الوطني 84

أمير منطقة الرياض يرعى ندوة «مراحل بناء الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز»

تغطية - عبدالله الجديع / تصوير - التهامي عبدالرحيم:

افتتح صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض مساء أمس الأول الأربعاء المعرض الثقافي والندوة العلمية بعنوان «مراحل بناء الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز وجسامة التحديات» التي نظمتهما إمارة منطقة الرياض ضمن فعاليات اليوم الوطني الـ 84 للمملكة، والحملة الوطنية الشاملة لتعزيز القيم الوطنية (وطننا أمانة)، وذلك في فندق الريتز كارلتون بمدينة الرياض.

وعقب افتتاح المعرض تجول سموه في أروقته التي عرضت وثائق ومطبوعات وصورًا وكتباً احتوت على ما كتب عن اليوم الوطني والمؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله.

كما احتوى المعرض على أجنحة للجهات المشاركة جناح الحملة الوطنية الشاملة لتعزيز القيم الوطنية (وطننا أمانة)، وجناح دارة الملك عبدالعزيز، وجناح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجناح جامعة الملك سعود، وجناح وزارة الثقافة والإعلام، وجناح مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وجناح مكتبة الملك فهد الوطنية، وجناح معرض الوثائق الأصلية عن تاريخ المملكة، حيث عرضت آخر الإصدارات عن تاريخ ونهضة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله.

عقب ذلك بدأت فعاليات الندوة المصاحبة للفعاليات التي تحدثت عن مراحل بناء الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز وجسامة التحديات، التي تحدث فيها رئيس تحرير جريدة الجزيرة خالد المالك واللواء خالد بن ناصر المرعيد، والدكتور محمد آل زلفة، حيث بدأت الندوة بكلمة لمديرها عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر مقدمًا للمحاضرين، مستعرضًا إسهاماتهم العلمية.

محاضرة رئيس التحرير

وكانت ورقة العمل الأولى لرئيس التحرير الأستاذ خالد المالك عن المنجزات الكبيرة التي تمت في عهد الملك عبدالعزيز.. وقد بدأها بالقول: يمكن أن نشير إليها ولو باقتضاب؛ لنقرِّب بها الصورة لكم للتعرّف من خلالها على أحوال المملكة في حقبتها الأهم، على مدى سنوات الحكم الذي آل إلى آل سعود، وهو ما يرمز إليه أو يعبَّر عنه بالدولة السعودية الثالثة.

* * *

لكن يبقى عندئذٍ العمل التوثيقي والرصد التاريخي ناقصاً، ولا يلبي رغبة من يريد أن يتعرف على الحالة في المملكة في عهد الملك عبدالعزيز من جوانبها، الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية، وغيرها، منذ اكتمال توحيد المملكة، وما قبلها من سنوات؛ لأن هذا يقتضي من الباحث الاعتماد على المصادر الموثوق بها في نقل ما تتوافر فيها من معلومات، وتحليلها، وصولاً إلى تحديد الانطباع الشخصي والرؤية الخاصة فيما يجده من معلومات.

* * *

غير أن الملك عبدالعزيز، بكل ما صدر من كتب ووثائق ودراسات وأبحاث، وهي كثيرة ومهمة، يكاد يتفق الجميع - بمن فيهم المؤرِّخون - على تميزه بوصفه حاكماً ذا شخصية مهابة وآسرة، حكيماً في اتخاذ القرارات وأخذ المواقف المناسبة في أمكنة وأزمنة وأزمات كانت تعصف خلالها بالوطن الفوضى والحروب، بينما كان عبدالعزيز يرسم للجزيرة العربية بثقة واقتدار مستقبلاً وحياة جديدة، انتهت بالوحدة القائمة حالياً، دون أن يكون لخصومه القدرة على الحيلولة دون وصول عبدالعزيز لتحقيق هذا الهدف.

* * *

قصدت من هذا أن أوضح للحضور أن ما أُعطي لي من محاور اقترحها صاحب دار بلاد العرب، الأستاذ الدكتور محمد آل زلفة، لا يكفيها هوامش أو مختارات أنتقيها لكم لتعبر بصدق عن حقب تميزت بالثراء في الإنجازات، اعتماداً على ما يُسمى خريطة الطريق التي رسمها الملك الموحّد لنفسه ولمن خلفه في الملك من أبنائه ولشعبه أيضاً؛ إذ إن الحديث عن الأمن والاقتصاد والاتصالات - على سبيل المثال وليس الحصر - بكل التفاصيل الدقيقة، ودور الوحدة في إنجاز ما تم إنجازه نوعياً وكمياً، يتطلب وقتاً أطول؛ حتى يتم الإلمام بذلك، وهو ما لا تتيحه هذه الندوة بحكم زمنها القصير المحدد.

* * *

فالمملكة قبل استرداد الملك عبدالعزيز للحكم، وقبل توحيدها، كانت صحراء قاحلة، تعمُّ فيها الفوضى، وينتشر فيها الجهل والفقر، وتحتاج إلى عبقرية فكرية، وعقل راجح، وحكيم في الزعامة والقيادة، يتعامل مع الناس بين اللين والشدة، بحسب ما تقتضيه الحال.. وهذا ما كان عليه الملك عبدالعزيز؛ فكان مشجعاً ليلتف الجميع حول قيادته، دعماً ومساندة وتوافقاً في الرؤى؛ ما حقق لوطننا ومواطنينا في عهده الكثير من المنجزات الحضارية، وليتواصل هذا النمو والتطور مع أبنائه الملوك من بعده؛ ما يعني أحقية هذا الزعيم بأن نقف في اليوم الوطني وفي كل يوم احتراماً ووفاءً له، فقد حقق أكبر منجز، وهو توحيد الوطن تحت راية التوحيد، وبمسمى المملكة العربية السعودية.

* * *

وإن أهم مرتكز اعتمد عليه الملك عبدالعزيز في إرساء دعائم حكمه - بعد الاعتماد على الله - هو الأمن؛ إذ أدرك بذكائه ودهائه ومعرفته أنه بدون استتباب الأمن واستقرار البلاد فلن يكون بمقدوره أن ينجز الأهداف التي رسمها لوطنه. وهكذا مضى يرسم منذ البداية ملامح خططه وبرامجه للتغلب على ما يعكّر أمن وطنه ومواطنيه، مع أنه كان آنذاك يواجه الكثير من التحديات في الداخل ومن الخارج، غير أن عزيمته وإيمانه وشجاعته كانت هي الأقوى.

* * *

يقول اللواء حسان الغاطي، قائد القوات الخاصة لأمن الطرق في المملكة سابقاً، في بحث منشور له: إن انعدام الأمن على الطرق المؤدية للمشاعر المقدسة قبل عهد الملك عبدالعزيز شجَّع الرعاة من القبائل فيها على فرض رسوم مالية على القوافل الوافدة لأداء الحج أو العمرة، بل وإرغام سلطة الشريف الحاكم - آنذاك- بدفع فدية عمن لم يستطع دفع فدية عن نفسه، وهو ما حدث عندما قام أعيان تلك القبائل باحتجاز أميرة أفغانية، ولم يُفك أسرها إلا بعد أن قام الشريف بدفع فديتها للقبيلة. هذا مثال للوضع الأمني قبل استعادة الملك عبدالعزيز الحكم وتوحيد البلاد.

* * *

فإذا كان الوضع على هذا النحو قبل عهد الملك عبدالعزيز، فما الذي حدث في عهده؟ يقول الباحث حسان الغاطي: لقد عمد الملك المؤسس عبدالعزيز إلى اتخاذ الإجراءات الأمنية الكفيلة بضمان الحق لكل مستحق على الطرق داخل المدن والقرى والهجر وخارجها، فأسند مسؤولية إحضار الجناة إلى شيوخ القبائل، وتأديب كل من يتعرض لسالكي الطريق تأديباً يوقف أمثال هؤلاء المعتدين عند حدهم، وكذلك تسيير الدوريات الخيالة وفق تنظيم الورديات المعمول به في عصرنا الحاضر، وإقامة المتاريس ونقاط التفتيش بمداخل ومخارج المدن والقرى والهجر.

* * *

إذاً لقد نجح الملك عبدالعزيز في فرض النظام والالتزام به من الجميع، فأمن بذلك الهيبة لدولته الناشئة؛ وبالتالي حوَّل المجتمع من قبائل متناحرة، يقتل بعضها بعضاً، إلى مواطنين متحابين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم في هذا الوطن، فوطَّن البادية، وشجَّع أفرادها على التعليم، والانتقال من الرعي إلى الزراعة والعمل، وكأنه بذلك أراد أن يلامس ويحاكي الأساليب الحضارية غير المعروفة في بلاده لتمكين المواطنين من التعليم والتعلم، وصولاً إلى إشراكهم بجدية في خدمة أنفسهم ووطنهم في دولة آمنة ومستقرة.

* * *

وفي هذا يقول السياسي البريطاني أنتوني ناتنج عن إنجازات الملك عبدالعزيز: «لقد نجح الملك عبدالعزيز في تحويل مجتمع الجزيرة العربية من قبائل مقتتلة إلى شعب يعي معنى المواطنة والاستقرار والتحوُّل من طور البداوة والرعي والارتحال إلى الزراعة والأسرة، كما أنه نشر روح المعرفة وطلب العلم، بل تطوير مفاهيم مجتمع برمته، والانتقال به من التخلف إلى مرحلة جديدة تماماً من الحضارة البشرية رقياً وتقدماً».

* * *

وإذا كانت المملكة في عهد الملك عبدالعزيز قد تميّزت باستقرار أمني لم تشهده من قبل، فها هو الدكتور عبدالرحمن بن سليمان الخليفي يتساءل في بحث منشور له بعنوان: الأمن في عهد الملك عبدالعزيز عن سر استتاب الأمن والاستقرار في هذه الأرض في عالم يسوده الخوف والقلاقل والفساد، ليجيب بأن هذا ثمرة الاستجابة لدعوة التوحيد، واعتماد المملكة في عهد الملك عبدالعزيز على الشريعة الإسلامية في تعاملها مع كل المستجدات، فكان أن تم القضاء على الإجرام، ومن ثم حفظ الأمن والنظام.

* * *

يضيف الدكتور عبدالرحمن الخليفي في استشهاد آخر على صحة ما أشار إليه من قبل: ولما أرسلت حكومة الولايات المتحدة في عهد الرئيس (روزفلت) إلى الملك عبدالعزيز تسأله عن السر في انعدام الجريمة في بلاده رد - رحمه الله- إليهم رداً رائعاً، إذ أرسل إليهم نسخة من المصحف الشريف، وقال: هذا دستورنا فاتبعوه، إن فيه الهداية إلى الحق المبين.

* * *

والأمن الذي كان هاجس الملك عبدالعزيز يرتبط بالمواصلات كما يرتبط بغيرها، ولهذا سارع الملك عبدالعزيز بإنشاء سكة الحديد من الرياض إلى المنطقة الشرقية، وتعبيد الطرق البرية، واستخدام المواصلات السلكية واللاسلكية في المملكة، وسمح لوسائل النقل من سيارات وغيرها بدخول المملكة لاستخدامها فيما ينفع الناس، سواء في نقل البضائع وتنقل المسافرين بدلاً من الإبل والحيوانات الأخرى، أو بجعلها في خدمة الأجهزة الحكومية. ولم يغفل الملك عبدالعزيز المواصلات البحرية، وما تتطلبه من تجهيز وتحسين موانئ تستخدم لهذا الغرض، وكذلك المواصلات الجوية، حيث دخلت مجموعة من الطائرات في الخدمة لدى الخطوط السعودية خلال فترة عهده، مما مكن المسافرين من اختصار الفترة الزمنية في التنقل بين مناطق ومدن المملكة.

* * *

ولعله من باب التذكير، أن نشير إلى شيء من التحديات التي واجهها الملك عبدالعزيز، وهو يقوم بجهد كهذا، فقد أشار الدكتور محمد بن عبدالله السلمان في بحث نشر له في مجلة الدرعية، بأن دخول مثل هذه الوسائل الحديثة للمواصلات لم يمض في أرض سهلة، ولم يجد الترحيب من بعض الذين رأوا فيه مخالفة للدين الإسلامي عن جهل منهم، فقد كان من الأشياء التي أخذها الإخوان على الملك عبدالعزيز، وجعلوها سبباً لثورتهم عليه، إدخاله البرق والتلغراف والسيارات إلى بلاد الإسلام، فقد كان المعترض - والكلام للدكتور محمد السلمان - يرى أن إدخال التلغراف إلى البلاد رجس من عمل الشيطان، فسأل الملك عبدالعزيز المعترض: هل الشيطان يقرأ القرآن؟ قال: لا، فأمر - رحمه الله- عامل مركز التليفون (السنترال) بقراءة القرآن، وأسمع المعترض قراءة القرآن من التليفون حتى اقتنع.

* * *

وفي رواية أخرى اخترتها من بحث الدكتور السلمان، منسوبة إلى حافظ وهبة، أن بعض المشايخ حضروا إلى الملك عبدالعزيز في الرياض عام 1331هـ/ 1912م لما علموا بعزمه على إنشاء محطات لاسلكية في الرياض وبعض المدن الكبيرة في نجد، فقالوا له: يا طويل العمر لقد غشك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله إلى بلادنا، فقال الملك: لقد أخطأتم فلن يغشنا أحد، ثم قال: «إخواني المشايخ أنتم الآن فوق رأسي، تماسكوا بعضكم ببعض، لا تدعوني أهز رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وتعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي مرة ثانية». وكان بعضهم يعتقد أنها من عمل الجن، وأنها لا تعمل إلا بعد أن يذبح لها.

* * *

ومثل ذلك ما أشار إليه الدكتور السلمان في بحثه حول الاعتراض الذي واجهه الملك عبدالعزيز حين تم إدخال البرقية إلى البلاد، فرأى فيها المعترضون أنها من مكائد الكفار، إلى درجة أن قاضي الأفلاج آنذاك لما جاءته برقية ثبوت شهر رمضان لم يلتفت إليها، فرد عليهم الملك عبدالعزيز بأنهم ليسوا أحرص على الدين منه. وهكذا كانت التحديات باسم الدين تواجه الملك عبدالعزيز، غير أن إخماده لثورة الإخوان - وكان هؤلاء أشد المعارضين لاستخدام الوسائل الحديثة عن جهل - من بين أهم ما ساعده على إدخالها، والانتفاع بها، وكان يأخذ قراراته بتدرج وهدوء.

* * *

إنَّ هذه العقلية - وأقصد بذلك الملك عبدالعزيز- التي تدير الحكم في البلاد كما لو أنها قد درست في أشهر الجامعات في العالم، وحصلت منها على أعلى الشهادات، هي ليست كذلك، لكنها في فهمها وخبرتها وحكمتها ومعرفتها تفوقت على خريجي الجامعات.

* * *

يقول الشيخ محمد سرور الصبان: أمرني الملك عبدالعزيز يوماً أن أكتب ما يمليه عليّ، فصرت أكتب ما يمليه بلغة مصححة، ولما أَكملت الإملاء قال لي: اقرأ ما كتبت. فقرأته عليه فضحك، وقال: إنني أعرف أنك متعلم، تحسن الكتابة بالعربية الصحيحة، لكني أخاطب بهذه الكتابة الذين يفهمونها. فقلت: سمعاً وطاعة. وعدَّلت ما كتبت، فأعجبه، وأمر بصدوره.

* * *

وعلى هذا النحو فقد أشار الشيخ عبدالعزيز التويجري في كتابه (لسراة الليل هتف الصباح)، بحسب ما نقله عنه الدكتور إسماعيل ياغي في بحث نُشر له في مجلة الدرعية، بما نصه: إن إرادة الله شاءت أن يتم توحيد البلاد على يد المؤسس البطل جلالة الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - أسس دولة عصرية، وأنشأ نظاماً، وأقام نهضة.. وتلك مهمات هيَّأ الله لها رجالاً عظاماً، لا يتكررون بسهولة؛ لأن تأسيس الدول وإنشاء النُّظم يحتاج إلى إرادة صلبة، وعزيمة صادقة، لتفجر طاقة فعل هائلة بين المكان والزمان، وبين التاريخ والجغرافيا؛ وذلك لبناء الدولة التي سلَّمها لأهله وشعبه آمنةً مستقرةً.

* * *

وما قاله الشيخ التويجري من أن الملك عبدالعزيز أسس دولة عصرية، وأنشأ نظاماً، وأقام نهضة.. يمكن أن نتعرف عليه من خلال استعراضنا لبعض ما تم إنجازه في عهده، فقد أنشأ مجلس الوزراء في السنة الأخيرة قبل وفاته بعام، وكان قد أنشأ من قبل وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والمواصلات والصحة ومؤسسة النقد والإذاعة وسكة الحديد ورعاية الشباب، وكذلك إدخال الطيران إلى الخدمة في البلاد من خلال الخطوط السعودية بشراء أربع طائرات في المرحلة الأولى، وغير ذلك كثير.

* * *

وبين أهم ما يميّز عهد الملك عبدالعزيز تبكيره في سَنّ الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تنظم سير العمل في الدولة الناشئة، وتحفظ حقوق المواطنين، كما تحفظ للوطن حقوقه. فقد صدر نظام توحيد المملكة أولاً؛ لتتوالى الأنظمة بعد ذلك؛ إذ صدرت أنظمة للمحكمة التجارية وإدارة الحج والغرف الصناعية والتجارية والمصارف والطرق، ونظام للتليفون، ومثله لتوحيد الطوابع والبرق وجمعية الإسعاف والمستشفيات، كما تم الإعلان عن نظام الحكم (وهو ملكي)، ونظام العمل والعمال، وغيرها كثير.

* * *

ولا ننسى أن مرحلة التأسيس للمملكة العربية السعودية شهدت منذ دخول الملك عبدالعزيز الرياض العناية بالجوانب الدينية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، وتأسيس العديد من المؤسسات الإدارية منها المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى، وإدارة المقاطعات، ورئاسة القضاء والمحاكم الشرعية، والمديرية العامة للحج، فضلاً عن عنايته بالتعليم ونشر المعرفة من خلال تشجيع طلاب العلم وتأسيس المدارس والمعاهد والكليات، وإصدار النظم الخاصة بها، ونشر المؤلفات، وإنشاء المكتبات، ومديرية المعارف، وإصدار جريدة أم القرى، وانتشار المطابع، وتوطين البدو، وتأسيس الهجر. وقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط في أحد أعدادها إلى هذا وغيره في تقرير لها بعنوان: «الملك عبدالعزيز فراسة الصحراء وعبقرية البناء».

* * *

ويسجل للملك عبدالعزيز ضمن ما يمكن أن يُقال عن فترة حكمه: أنه بحث عن مصادر ترفع من مستوى دخل المواطن، وتعزّز من وضع الاقتصاد في البلاد، وتعتمد المملكة عليها في بناء الدولة، فكان أن ألهمه الله وفي فترة مبكرة من حكمه إلى البحث عن الذهب الأسود في باطن الأرض، حيث النفط الذي كان على يقين - رحمه الله - بأن أرضه المباركة تختزن الشيء الكثير منه، فكان أن تم التنقيب عنه، ومن ثم حفر أول حقل بترول وتصدير أول شحنة بترول من المملكة إلى الخارج من ميناء رأس تنورة بحضور الملك عبدالعزيز شخصياً.

* * *

يقول الأستاذ الدكتور عبدالله العثيمين في كتابه (تاريخ المملكة العربية السعودية) عن الدخل والتنظيم المالي بأن الدخل أثناء عملية توحيد أجزاء البلاد كان يعتمد على ما يؤخذ زكاة على الإبل والغنم من البادية، وزكاة التمر والحبوب من الحاضرة، وكذلك ما كان يغنم في المعارك مع الخصوم أو الغارات على من رفضوا الدخول في الطاعة، ولأن الدخل من هذه المصادر لم يكن كافياً فقد وضعت ضريبة على من لا يشتركون من الحاضرة في الجهاد سميت ضريبة الجهاد، وعندما لا تكفي كان يتم الاقتراض من أغنياء البلاد، وكذلك رسوم الجمارك على البضائع الواردة إلى الموانئ ودخل الحج.

* * *

يضيف الدكتور عبدالله العثيمين بأن التنقيب عن النفط بدأ فعلياً عام 1352هـ - 1933م، وفي عام 1357هـ/ 1938م اكتشف النفط قرب مدينة الدمام بكميات تجارية، وهذا ما أنعش الاقتصاد، وأظهر عدم الحاجة إلى كثير من الضرائب التي أشرنا إليها من قبل فتم إلغاؤها، بل إن هذا الاكتشاف فتح المجال أمام إجراء تنظيمات مالية لضبط المصروفات والواردات وخاصة مسألة النقود، فقد كانت - كما يقول الدكتور العثيمين - هناك عملات متنوعة منتشرة في مناطق البلاد، منها ما هو عثماني أو بريطاني أو هندي ومنها الريال الفرنسي، ولما وحَّد الملك عبدالعزيز الحجاز أصدر عملة نحاسية من فئات القرش ونصف وربع، ثم سك من الفضة الريال العربي السعودي ونصفه وربعه، وبعد ذلك أصدرت الدولة الجنيه الذهبي السعودي، كما أصدرت أول عملة ورقية باسم إيصالات الحجاج، وكل هذا يشير إلى حجم المتطلبات التي واجهها الملك عبدالعزيز لتنظيم إدارة الدولة بطريقة علمية، وما قام به من عمل للتغلب على المعوقات.

* * *

لقد اكتفيت بإشارات سريعة في حديثي لكم عن الحالة التي كانت عليها المملكة في عهد الملك عبدالعزيز وما قبله، واخترت لذلك بعض المظاهر أو المشاهد التي تؤكّد الفارق الكبير بين ما كان قبل فترة حكم الملك عبدالعزيز وما عاشه المواطنون في عهده، ودون أن أتوسع بأكثر من ذلك، إذ إن الوقت لا يسعني للحديث عن تتابع الإنجازات في عهود أبناء الملك عبدالعزيز الذين تولوا سدة الحكم وقيادة البلاد إلى ما وصلت إليه، حيث شهدت المملكة وتشهد ما يمكن اعتباره تطورات غير مسبوقة تاريخياً في كل الميادين والمجالات، وهي ما لا تخطئها العين الفاحصة الممتنة بهذا التطور الهائل.

إثر ذلك قدم اللواء الركن خالد بن ناصر المرعيد ورقة عمل سلط فيها الضوء على القدرات المهارية الإستراتيجية الحربية للملك عبدالعزيز، منطلقاً في ورقته من استعادة الملك عبدالعزيز للرياض، مستعرضًا وضوح الفكر الإستراتيجي للمؤسس، حيث كان قارئاً للأحداث السابقة واللاحقة في تنفيذ خطة استعادة الرياض التي صاحبها تفكير إستراتيجي للدولة يحقق الاستقرار، بالإضافة إلى مقدرته على تجاوز التحديات الصعبة التي صاحبت استعادته للحكم، وبراعة خطته الإستراتيجية لاستعادة الرياض، عبر تطبيقه نظريات ومفاهيم حربية تميزت بالمفاجأة والسرعة والحسم والجرأة.

بعدها قدم الدكتور محمد آل زلفة ورقة عمل تحدث فيها عن بناء الملك عبدالعزيز - رحمه الله - للدولة والتحديات الإقليمية والدولية في عهده، وكيف استطاع رغم كل التحديات التي واكبت بناء الدولة من تأسيس هذا الوطن بإمكانات بسيطة.

وعدّ آل زلفة استعادة الملك عبدالعزيز للرياض عام 1902م حدثاً كبيراً وفتحاً مبيناً، حيث كانت هي المدينة والعاصمة التي أطلق عليها الرحالة الإنجليزي ويليام بلجريف -وهو أول رحالة أجنبي تطأ قدماه هذه المدينة في عام 1869م «قلب القلوب» - نعم إنها بحق قلب القلوب، فلقد تركها عبدالعزيز وهو في السنوات الأخيرة من طفولته، وفي مطلع سنوات شبابه لم يشغل قلبه -ككثير من أقرانه - بحب أي شيء سوى هذه المدينة التي عاشت تملأ كل جوانح قلبه طوال سنوات المنفى، يحلم بها في منامه، ويفكر فيها طوال ساعات صحوه، يذهب كل ليلة بعد انفضاض مجلس والده ويسلك طريقه في رحلة حول الكويت حيث لا سكن ولا ساكن، ينقطع فيه إلى الله مبتهلاً إليه بأن يعجل عودته إلى الرياض، لدرجة أصبح معها والده الحريص عليه جداً -لأنه كان ولده المميز الذي يعقد عليه الآمل دون تقليل من قيمة إخواته - أصبح يشك أين يذهب عبدالعزيز كل ليلة بعد أن يغادر كل رواد مجلسه، ظل الوالد قلقاً حتى عرف الحقيقة.

يذكر المؤرخون بأن عبدالعزيز لم يعش مرحلة طفولة ولا مرحلة مراهقة تجاوز الإحساس بهذه المراحل الطبيعية في حياة كل إنسان، لانشغاله بما كان أهم، لذا فقد كان فتح الرياض وعلى يد عبدالعزيز وبقدرات عبدالعزيز وبتخطيط عبدالعزيز مع قلة صادقة من إخوانه وأبناء عمومته ورجاله الصادقين المخلصين يعد فتح الفتوح لعبدالعزيز والمستقبل السياسي الواسع الآفاق لعبدالعزيز.

قلبُ القلوبِ فُتح فتداعت له شرايين قلوب حواضر نجد التي كانت حواضر وبلدات وقرى لا يربطها رابط ولا يجمعها جامع، متعددة الولاءات، منها ما كان يتبع لحكم ابن رشيد لا حباً فيه ولكن خوفاً منه، ومنها ما كان يربط أمنها بتعاقدات مع بعض البوادي المجاورة، إذ يضمنون لتلك البلدة أو القرية أمنها من تعديات قبيلة أخرى مقابل مبلغ يدفع سنوياً أو فصلياً.

وهكذا كان معظم سكان بلدات نجد وقراها، وربما يتشابه الحال مع أحوال بعض بلدات وقرى المنطقة الجنوبية. استجابت القبائل للانضواء تحت راية الملك عبدالعزيز، وجاءت زعامات معظم وسط نجد- وخاصة العارض- تعلن طاعتها.

هذا الحدث المهم، وهذا التطور السريع في نجد، وخلال أقل من سنتين، وما حققه فيها عبدالعزيز من الانتصارات وفي هذه الفترة القصيرة، سرت أخبارها مسرى البرق، ليس في نجد فقط، بل تجاوزتها إلى مراكز القوى داخل الجزيرة العربية، حيث الأحساء وحائل ومكة المكرمة، وهذه المناطق الثلاث تحكم بشكل مباشر من قبل الدولة العثمانية، حيث مكة والأحساء - وبحكم شبه مباشر - حيث ابن رشيد الحليف القوي للدولة العثمانية في نجد، ما جعل هذه القوى تشعر بخطر ما يحدث شعوراً استجابت له المراكز الكبرى للدولة العثمانية في المناطق المحيطة بالجزيرة العربية، مثل ولايتي بغداد ودمشق، وطبعاً دق إنذار الخطر في حكومة المركز استانبول، التي كانت تحرص على الحفاظ على مناطق نفوذها في المشرق العربي بعد أن فقدت كثيراً من أراضيها ونفوذها في بلاد البلقان وفي بعض المناطق المحاذية لروسيا، فضلاً عن فقدانها لنفوذها منذ وقت مبكر في مصر وفي غيرها من الأماكن.

لذا استنفرت الدولة العثمانية كل رجالاتها في كل المناطق المحيطة بنجد لمتابعة ما يحدث فيها وفي ما يفكر عبدالعزيز، وما مدى استجابة السكان والقبائل له؟ كتبت التقارير وكل أدلى بدلوه، والكل أجمع على ما يشكله تحرك الملك عبدالعزيز من مخاطر على النفوذ العثماني.

والواقع أن ابن رشيد وشريف مكة لم يكونا حريصين على ما يهدد الدولة العثمانية من خطر، فربما هذا لم يكن يعنيهما كثيراً وإنما ما كان يعنيهما في المقام الأول هو ما كان يهددهما ويهدد وجودهما، مع أن الملك عبدالعزيز لم يبادر أياً منهما بالعداء، ولا يعتبر إخراج ابن رشيد وحاميته من الرياض عدوناً بل استعادة لحق.

أما شريف مكة فقد ذهب في موقفه من الملك عبدالعزيز بعيداً إلى نبش صحائف التاريخ، حيث تذكر ما كان للدولتين السعوديتين الأولى والثانية من صراع طويل مع البيت الهاشمي استمر لما يقرب من قرن، كانت الغلبة في معظم ذلك الصراع للسعوديين.

ما زاد من توتر الشريف وقلقه من سرعة تحرك الملك عبدالعزيز انفضاض أهم قبائل الحجاز من حوله وهما قبيلتا عتيبة وسبيع وكذلك قبيلة البقوم، وقبيلة عتيبة خاصة تشكل العمود الفقري لحماية الحجاز وأمنه، وانحيازها إلى الملك عبدالعزيز منذ السنوات المبكرة الأولى لاستعادة حكمه على نجد، حيث شاركوا بقوة في ضم القصيم لحكمه عام 1904م مع قبائل نجد الكبرى الأخرى مثل مطير وحرب.

أنظر تفاصيل هذه المشاركة في كتابنا «التجهيزات العسكرية والاقتصادية أثناء ضم منطقة القصيم» الصادر عن دار بلاد العرب، والمعروض ضمن الكتب المعروضة للتوقيع في قاعة هذه الندوة.

أما ابن الرشيد الذي أجبر على الجلاء عن داخلية نجد فأصبح نفوذه محصوراً في حائل والقصيم، وسرعان ما فقد نفوذه على القصيم في أول تصادم بينه وبين عبدالعزيز عام 1904م، مع أنه كان مسنوداً بقوة عثمانية بعد مواجهات عنيفة.

موقف الدولة العثمانية من الملك عبدالعزيز

كما ذكرت في بداية ورقتي هذه فإن الدولة العثمانية كانت ومنذ استعادة الملك عبدالعزيز للرياض وهي ترصد تحركاته، من خلال ما كان يرفعه إليها رجالاتها -ومن يدور في فلكهم- في كل من الحجاز وشرق الجزيرة العربية وبغداد والبصرة وحائل، وكانت تحس بقلق شديد خاصة بعد احتكاكه الأول بحليفها ابن رشيد في القصيم، وما لحق بجيشها الذي دعمت به ابن رشيد من كل من بغداد والبصرة من هزيمة، بيد أن عبدالعزيز لم تأخذه نشوة النصر مثل بعض القادة فيلحق الإهانة بمن انتصر عليه، بل كرَّم من ألحقت بهم الهزيمة من الجيش العثماني في القصيم، وأمن سلامة عودتهم إلى البصرة وبغداد، وبعث إلى السلطان عبد الحميد بخطاب يؤكد فيه ولاءَه للدولة العثمانية، معللاً له أن هدفه كان هو استعادة الأمن والاستقرار في منطقة نجد التي افتقدته لمدة طويلة.

وهنا تتجلي حنكة القائد في ميادين القتال وفي أروقة السياسة، فبضم القصيم أصبحت معظم أقاليم نجد تحت سيطرة الملك عبدالعزيز.

ولكن لا يستقيم الأمر لأحوال نجد السياسية والاقتصادية دون أن يضم إليها جناحها الشرقي وهي الأحساء بكل سواحلها ومدنها الساحلية، وأهمها القطيف.

ولكن الأحساء كانت تحت حكم الدولة العثمانية المباشر منذ عام 1872م، حينما استغلت الدولة العثمانية ذلك الصراع الذي كان بين أبناء الإمام فيصل بن تركي بعد وفاته عبدالله الأمير الشرعي وأخيه الأمير سعود، مما أدى في النهاية إلى تدخل الدولة العثمانية وسيطرتها على الأحساء. انقسم المجتمع النجدي بمن فيهم العلماء بين مؤيد ومعارض لهذا الطرف أو ذاك، وتلا ذلك انفلات القبائل، كل يصول ويجول على شاكلته، وهذه الفتنة أدت في النهاية إلى سقوط الدولة، ومن ثم إندلاع ما يمكن وصفه بالحروب الأهلية التي لم يطفىء أوارها إلا عودة الملك عبدالعزيز عام 1902م.

كان الملك عبدالعزيز يتحاشى الاحتكاك بالدولة العثمانية، ولكن كان يتنامى إلى علمه - من خلال تواصله الدائم مع قيادات سكان الأحساء - الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها أهل الأحساء نتيجة لضعف الحكم العثماني العاجز عن حماية الأهالي من صولات القبائل البدوية المحيطة بالأحساء التي لم تدخل بعد في طاعة الملك عبدالعزيز، فقد كانت تدرك تماماً بأن عبدالعزيز لن يتركها تصول وتجول كيفما تشاء، ولذا تقدم سكان الأحساء إلى الملك عبدالعزيز يطلبون انقاذهم من صولات تلك القبائل ومن ضعف الحكم والإدارة العثمانية. فاستجاب لهذه الدعوة وليس في نيته إلحاق أذى بالحامية العثمانية، ودخل الأحساء ضمن خطة ولكنه راعى أن لا يتضرر أحدٌ بما في ذلك الجنود العثمانيون الذين أمن سفرهم بأسلحتهم إلى ميناء العقير ومنه إلى البحرين ومن هناك إلى البصرة.

وحقق لأهل الأحساء ما طلبوا وأعاد لهم ما كانوا يفتقدونه وهو الأمن، بينما حقق لنفسه استعادة الأحساء إلى حكمه وأصبح له نافذة بحرية على العالم الخارجي، وهنا أصبح له احتكاك مع بريطانيا، وهي قوة عظمى لها نفوذ على معظم سواحل الخليج، وتربطها اتفاقيات مع حكامه.

ما هي ردة فعل الدولة العثمانية على الإستيلاء على الأحساء؟

كانت ردة فعل الدولة العثمانية عنيفة ولكن كان من الصعوبة بمكان أن تفعل الشيء الكثير وهي تدرك الظروف الصعبة التي تعيشها وهي في أحرج مراحل ضعفها.

حاولت أن تستعيد الأحساء بالقوة - أو هكذا أعلنت - ووجهت قوة عسكرية تحت قيادة واحد من أبرز قيادتها ليس في المجال العسكري فحسب بل وفي المجال السياسي وصاحب خبرة كبيرة في أحوال الجزيرة العربية، ذلك هو القائد سليمان كمالي باشا الذي كان متصرفاً لعسير قبل أن توكل إليه باشوية البصرة كنقطة انطلاق لاستعادة الأحساء، ولكن الباشا وعلى ضوء كل المعطيات أشار على حكومته بأن استعادة الأحساء بالقوة قد لا يكون ممكناً، ولكن الممكن هو الدخول في مفاوضات مع الملك عبدالعزيز تمنحه الدولة حق حكم الأحساء له ولأبنائه مقابل أن يعلن دخوله الاسمي في طاعة الخليفة أي السلطان.

استجاب الملك عبدالعزيز لما طلب منه وتعهدت الدولة بضمان ما تعهدت له به.

لم تمض إلا سنة واحدة على هذا الاتفاق حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى وانضمت الدولة العثمانية إلى جانب لمانيا وخسرت الحرب ومعها كل أملاكها، ويصبح الملك عبدالعزيز سيد سواحل الخليج بل سيد نجد كلها، ومن سوء حظ خصمه التقليدي ابن رشيد انضمامه إلى جانب الدولة العثمانية في الحرب العالمية، فخسر بخسارة حليفته وخسر حكمه على حائل في أول مواجهة له بالقرب من حائل مع عبدالعزيز في عام 1920/ 1340هـ. وبخسارة الدولة العثمانية في الحرب تطوى صفحة من العلاقات السعودية العثمانية دامت لأكثر من قرنين لم تكن في كل الظروف جيدة.

الحرب العالمية الأولى غيرت الخريطة السياسية للجزيرة العربية

باندلاع الحرب العالمية الأولى كانت القوى المحلية المحيطة بالملك عبدالعزيز في ظروف أجبرت كل منها على البحث عن ما يساعدها على الاحتفاظ بما كان يبسط عليه حكمه، وهذا ما فعله ابن رشيد وعرفنا كيف فقد حكمه. وكان قد وقع في السنة الأولى من اندلاع الحرب مع شريف مكة الحسين ابن علي الذي ظل السنة الأولى من الحرب 1914م وجزء من الثانية 1915م موالياً للدولة العثمانية منحازاً إليها في الحرب وظن أنه باتفاقه مع ابن رشيد -الذي كان بدوره منحازاً إلى العثمانيين- سيشكلا حلفاً ضد ابن سعود الذي حاول أن يبقى على الحياد في هذه الحرب. ولكن فارق الشريف حليفه وقاد ثورة ضد العثمانيين وإنحاز إلى بريطانيا تاركاً ابن رشيد وحيداً، بل بذل الشريف أقصى محاولاته في إقناع الملك عبدالعزيز في الدخول إلى جانبه ضد الدولة العثمانية والانحياز إلى الإنجليز الذين وعدوا الشريف بأنه سيكون ملكاً على العرب، والملك عبدالعزيز يعرف من خلال فراسته السياسية وقدرته على فهم الأمور بأن وعود بريطانيا ليست إلا كلاماً على ورق، ولكنه في الوقت نفسه ما كان يريد أن يرى الشريف ملكاً على كل العرب ولو تعشماً، حيث إنه - أي الملك عبدالعزيز - كان يعد خلال تلك الفترة أقوى الساسة العرب بحكم ما يملكه من قوة المحاربين والمساحة التي يبسط عليها نفوذه بشكل كامل، بينما العرب الذين ثاروا على الدولة العثمانية في بلاد الشام أو ثورة الشريف في الحجاز الذي اعتقد البعض من ثوار العرب بأنه قائد ثورتهم فأطلق عليها الثورة العربية الكبرى. هؤلاء الثوار وقائد الثورة وضعوا ثقتهم المطلقة في حكومة بريطانيا ووعودها التي لم تف منها إلا بوعد واحد وهو وعد اليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين.

وانضم إلى جانب الثوار ضد الدولة العثمانية السيد محمد بن علي الإدريسي حاكم جازان حيث وعدته بريطانيا هو الآخر بأنه سيكون سيداً على جازان وعسير وأجزاء من سواحل وجبال اليمن، إلا أنه بنهاية الحرب عام 1918م لم تف بريطانيا بأي وعد من وعودها، وتركت حلفاءها الذين انحازوا إلى جانبها في الحرب لقدرهم، ولم تحم أياً منهم أمام الملك عبدالعزيز الذي كان مشروعه منذ الأساس إقامة دولة كبرى في جزيرة العرب بقوته وقوة رجاله، وليس اعتماداً على أحد، فامتد نفوذه ليشمل عسير وجازان والحجاز ونجران وكل نجد، وهنا قامت أكبر وحدة في الجزيرة العربية منذ قرون، أصبحت تعرف حينما اكتملت أجزاء وحدتها بالمملكة العربية السعودية.

علاقة المملكة ببريطانيا

بدأت علاقات الملك عبدالعزيز ببريطانيا منذ استيلائه على الأحساء عام 1913م، حيث حاول قبل هذا التاريخ أن يدخل في علاقة معها، ولكنها كانت ترفض بحجة أن علاقتها بالدولة العثمانية صاحبة السيادة على الأحساء وسواحله.

كانت علاقته في بداية الأمر مع بريطانيا مقتصرة على طريقة التعامل بين جارين يعيشان في منطقة واحدة، من حيث تنظيم التجارة وتبادل المنافع. ولكن بريطانيا كانت قلقة من أية محاولة يقوم بها الملك عبدالعزيز ضد حكام الخليج ويطلبون منحهم من الضمانات ما يزيل عنهم الشكوك مع إشارته الواضحة لتذكير بريطانيا بأن هذه المناطق كانت طوال القرن التاسع عشر أجزاء من الدولة السعودية.

بيد أن حكام هذه المشيخات أصبحوا يتوجسون خيفة من عبدالعزيز رغم قوة الروابط التي تربط هذه الأسر الحاكمة بعضها ببعض. وكان أمير قطر الشيخ جاسم آل ثاني وبحكم موقع إمارته الأقرب من الأحساء يشكل قلقاً للملك عبدالعزيز بسبب علاقته بالدولة العثمانية التي كان لها حامية في قطر وحاولت استخدام أراضي قطر لإنزال القوات العثمانية من أجل استعادة الأحساء. إضافة إلى هذا فقد فتح الشيخ جاسم قطر لكل المعارضين لحكم الملك عبدالعزيز، ومنهم أبناء عمومته، وبعض القيادات النجدية الأخرى، فكان هذا الموقف من أمير قطر يقلق الملك عبدالعزيز الذي تعهد لبريطانيا بأنه لن يمد نفوذه على أي أراضٍ من أملاك مشائخ الخليج الداخلة تحت الحماية البريطانية، ولكن لن يسمح لأي منهم يهدد أمن واستقرار حكمه، ولكن القدر ساعد الملك عبدالعزيز على تجنب الدخول مع شيخ قطر في إشكال، وذلك بوفاته أي شيخ قطر وبانسحاب الحامية العثمانية منها. بعد توقيع الملك عبدالعزيز اتفاقه مع الدولة العثمانية، تطورت العلاقات السعودية البريطانية بعد احتلال بريطانيا للعراق 1916م، وبهذا أصبح لنجد -مناطق نفوذ الملك عبدالعزيز- تماس مع حدود العراق، والذي أصبح تحت النفوذ البريطاني، مما أوجب على الطرفين وضع معالم حدود فاصلة بين العراق ونجد، وهنا أصبحت بريطانيا القوة التي على ابن سعود الحديث معها حول هذه المسائل. دخل الملك عبدالعزيز في مفاوضات على قضية ترسيم الحدود ليس فقط بين العراق ونجد بل بين نجد والكويت - الداخلة تحت الحماية البريطانية -، أضيف إلى ذلك فيما بعد الحدود بين نجد والأردن، وكان المتحدث باسم كل هذه الأطراف هو بريطانيا من جهة والملك عبدالعزيز من جهة أخرى.

مرت قضايا الحدود بمراحل مختلفة، ولاسيما الحدود التي ترسم لأول مرة وتفصل بين قبائل لم تكن يوماً تعرف الحدود، ولكن الملك عبدالعزيز كان حريصاً على تثبيت الحدود لأغراض أمنية في الدرجة الأولى، حيث إن كثيراً من القبائل اعتادت على السلب والنهب وإغارة بعضها على بعض. استطاع الملك عبدالعزيز ضبط القبائل التي تحت سيطرته، ولكن القبائل القاطنة للأراضي العراقية أو النازحة إليها حديثاً كانت لا تتوقف عن القيام بالغارات على القبائل السعودية ومن ثم تعود إلى الأراضي العراقية في ظل عجز حكومتها عن ضبطها.

هذا الأمر عاظم القلق مما جعل الملك عبدالعزيز يهدد بأنه سيضطر إلى مطاردة القبائل غير الخاضعة للقانون حتى داخل الأراضي العراقية.

انتهت قضية الحدود بين نجد والعراق، ونجد والأردن باتفاقية جدة وبحرة عام 1924م، وتم الاتفاق النهائي حول هذه القضية، وكان الممثل لبريطانيا نيابة عن العراق والأردن السير جلبرت كليتون الذي كتب يومياته ومحاضر الجلسات التي عقدت بينه وبين الملك عبدالعزيز بحضور ممثلين عن العراق والأردن، ولكن لم يكن لهم صوت. وهذه اليوميات والمحاضر تعد من أهم مصادر تاريخ بناء الحدود الدولية للمملكة العربية السعودية في شمالها وشمالها الغربي، ولأهميتها قامت دار بلاد العرب بترجمتها إلى اللغة العربية، وهذه الترجمة هي ضمن الكتب التي سيتم توقيعها في نهاية هذه الندوة.

علاقة المملكة باليمن

بنهاية الحرب العالمية الأولى، خرج الملك عبدالعزيز منتصراً بتوحيد مملكة شاسعة كانت قبل وحدتها تتكون من إمارات خرج بعضها من نير الحكم العثماني، مثل إمارة عسير التي لم يجد غالبية سكانها بداً من الانضمام إلى الدولة التي كونها الملك عبدالعزيز، أو مملكة الحجاز التي وجدت نفسها غير قادرة على البقاء بعد أن تخلت عنها بريطانيا، أو إمارة الإدريسي الذي خذلته بريطانيا، فكاد أن يصبح لقمة سائغة لإمام اليمن، أو إمارة ابن رشيد في حائل التي لم يكن لديها مقومات إقامة إمارة فسقطت حينما وجدت أن ليس أمامها إلا الانضمام إلى مملكة ابن سعود. وهناك مشيخات صغيرة يرأسها بعض أمراء أو مشائخ القبائل مثل آل شعلان في الجوف الذين انضموا للملك عبدالعزيز، وكذلك منطقة نجران التي حافظت على وضعها القبلي لقرون طويلة دخل قادتها طواعية في مملكة ابن سعود.

هذه المناطق جميعاً هي ما أصبحت تعرف بالمملكة العربية السعودية. وتم إعلان وحدتها تحت هذا المسمى الجديد في عام 1932م.

وهناك في الركن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية قامت مملكة اليمن إثر انسحاب القوات العثمانية منها بعد هزيمتها في الحرب.

استطاع إمام اليمن وبمساعدة العثمانيين في بداية الأمر أن يوحد اليمن الشمالي ويقيم مملكته، وأصبح بينها وبين المملكة العربية السعودية حدود مشتركة، وادعت اليمن أن الإدريسي الذي دخل ضمن الوحدة السعودية اقتطع أجزاءً من أراضي اليمن، وهذا الإدعاء غير صحيح، فما كان عليه حكم الإدريسي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ليس به شبر واحد يتبع للأراضي اليمنية، ولم تكن عسير أو نجران لها علاقة لا سياسياً ولا جغرافياً باليمن، ولكن إمام اليمن ظل يدعي بدون حق بأن هناك أراضي يمنية اقتطعتها السعودية، ولم يثبت أحقيته من الناحية التاريخية أو السياسية، وأصر على موقفه وأعلن الحرب على السعودية، واحتل نجران وأجزاءً من الجبال الجنوبية لمنطقة عسير، مما اضطر الملك عبدالعزيز إلى الدخول في حرب مع إمام اليمن 1932م دفاعاً عن أرضه ومواطنيه، حربٍ خرج منها منتصراً، ورجع إمام اليمن إلى الاعتراف بالحقيقة.

انتهت هذه الحرب بتوقيع اتفاقية الطائف عام 1934م، وتم ترسيم الحدود بشكل نهائي، ثم أعيد تأكيد هذه الاتفاقية في عام 1999م، وقد وقعها من الجانب السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن الجانب اليمني الرئيس علي عبدالله صالح، وبهذا الاتفاق انتهت كل قضايا الخلاف بين البلدين.

وقد مرت المحادثات بين اليمن والمملكة العربية السعودية بمراحل مختلفة تبادل الطرفان فيها العديد من الوفود ودونت العديد من المحاضر، وأصدر الملك عبدالعزيز كتاباً نشر فيه جميع الوثائق والمحاضر والرسائل والبرقيات المتبادلة بينه وبين إمام اليمن ليبين للعالم العربي والإسلامي أنه لم يترك وسيلة لتجنب الحرب مع إمام اليمن إلا وطرقها، ولكي يثبت للرأي العام العربي والإسلامي أيضاً أنه لم يكن يوماً معتدياً على شبر واحد من أرض اليمن. تم نشر هذا الكتاب عام 1932م، وأصبح في عداد الكتب النادرة، وقامت دار بلاد العرب بإعادة نشره، وهو من ضمن الكتب التي سيتم توقيعها في هذا المساء. وفي هذه المناسبة الوطنية، ومن الكتب الأخرى الكتاب الذي صدر في عام 1415/ 1995م ونفد وأعادت الدار نشره، وهو ضمن ما سيوقع في هذا المساء أيضاً، وهي دراسة بعنوان عسير في عهد الملك عبدالعزيز، تناول هذا الكتاب العلاقات السعودية اليمنية منذ بداية تكوين الدولتين العربيتين الحديثتين.

وآتي إلى نهاية هذه الورقة لأبين أن بناء الدولة السعودية الحديثة ونشأة علاقاتها مع القوى المحلية والإقليمية والدولية لم تكن سهلة أبداً، بل واجهت الكثير من التحديات والتضحيات. ولأثبت أيضاً بأن الملك عبدالعزيز مؤسس دولة من طراز مختلف ناضل من أجل توحيد بلاده، وناضل من أجل تثبيت حدودها، وجعل لها علاقات دولية مبنية على أسس سليمة، وجعل لها موقعاً سياسياً مميزاً نفاخر به نحن أبناء هذا الجيل الذي يجهل الكثير منه كيف وكانت جسامة تضحيات آبائنا وأجدادنا حتى صنعوا لنا هذا الوطن العظيم، ونتذكر في احتفالنا بهذا اليوم الوطني أن واجبنا وهو الحفاظ على وحدته ورفع رايته عالية.

في تأسيس المملكة العربية السعودية رغم وجود قوى دولية وإقليمية مثل الدولة العثمانية وبريطانيا، حيث أسهمت سياسة وحنكة الملك عبدالعزيز وسياسته بعيدة المدى في توسيع رقعة الدولة واستقرارها وتنظيم علاقتها بالدول.

وقبل الختام سمح للحضور بالمداخلة حيث تداخل أولاً الدكتور فهد بن جمعة عن شح الموارد الاقتصادية فترة ما قبل البترول ثم أعقبها بسؤال حول دوافع إصرار الملك عبدالعزيز منهجياً ونظرياً في البحث عن كميات البترول؟ وأجاب رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك الذي أوضح أن الدكتور لديه الإجابة الكافية بحكم تخصصه في هذا المجال، وأكمل المالك حديثه أن الملك المؤسس - طيب الله ثراه - لديه مجموعة من المستشارين ينتمون لمختلف الدول العربية، والملك عبدالعزيز الذي استطاع توحيد البلاد بهذا التخطيط العسكري وهو ليس عسكرياً بهذا الفكر وهو ليس مفكراً بهذا العلم وهو لم يدرس بالجامعات، فأعتقد أن هذه الدوافع ألهمته أن يتوجه للبحث عن مصدر قادر للنهوض بالمملكة كدولة ناشئة،، وكما هو معلوم بإجماع المؤرخين الأجانب والعرب أن الملك عبدالعزيز يتمتع بمزايا يجد نفسه أمامها محتاراً ويتساءل كيف يجد هذه الصفات، فالرجل أشبه ما يكون في أمة وليس فرداً واحداً. كما أشار المالك إلى رضا الله عز وجل وتوفيقه له دور كبير بالتزامه دينياً وبرّه بوالديه كذلك احترامه لخصومه، فتزوج من خصومه واستطاع كسب بعض خصومه للعمل جانباً إليه بعد توحيد البلاد وقبلها.

فالملك عبدالعزيز كان يعرف أن الضرائب التي تؤخذ في تلك الحقبة لا يمكن أن تسير أمور دولة وتغني شعبها، فضلاً أنها تمهد للتطوير الذي نراه اليوم لذا كان يعلم وجود البترول لدى الدول الأخرى، ويعتقد أن هذه المساحات الشاسعة في البلاد لابد أن يكون في بعض مناطقها تتوفر بها المادة الغنية القادرة على النهوض بالمملكة. واختتم رئيس التحرير مداخلته قائلاً: هناك أسرار كثيرة جداً ولا يعرفها سوى الملك عبدالعزيز نفسه -رحمه الله.

وفي المداخلة الثانية تحدث قائد القوات الجوية سابقاً الفريق ركن عبدالعزيز هنيدي موضحاً أن الوضع السائد في الجزيرة العربية تلك الحقبه عبارة عن حروب ونزاعات وحالة عدم استقرار مما يوجد لدى البعض اعتقاداً بإمكانية وجود شخص ينهي هذه الإشكالات ويوفر حلولها، وحكمة الله عز وجل اقتضت بإرادة لهذا الرجل أن يوحد المملكة، كما أنه يتميز بعبقرية فكرية انعسكت على تعاونه مع الآخرين ويأخذ بأيديهم للقيادة ومساندته في تسيير دفة أمور البلاد. وأضاف هنيدي أن المؤسس أدخل الطائرات وطورها.

كذلك الحب الكبير الذي وهبه الله عز وجل في قلوب الآخرين والدليل انتشار اسم عبدالعزيز بين مختلف الأسر والقبائل إضافة إلى أسماء أبنائه الملوك، فأصبح كل رجل اسمه عبدالعزيز يكنى بأبي سعود تيمناً بالملك المؤسس - طيب الله ثراه - وهكذا بقية الأسماء كفهد وفيصل وسعود وغيرهم. ودعا قائد القوات الجوية سابقاً أن الوضع الحالي والمتغيرات حولنا يستلزم التعاون والتكاتف فيما بيننا ونحافظ على استقرار بلادنا.

وفي المداخلة الأخيرة وجه الدكتور عبدالرحمن المديرس سؤالاً إلى أحد المحاضرين الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى سابقاً حول إستراتيجية الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بعلاقته مع بريطانيا خاصة بعد وصوله للأحساء، ووطدّ العلاقة أكثر مما انعكست على علاقته المستقبلية، فكيف نجح الملك عبدالعزيز أن يرعب خصومه ويضعفهم وفشل المجاورين رغم خبرتهم الطويلة ولم يستطيعوا المحافظة على سلطتهم؟ وأجابه الدكتور آل زلفه أن الملك عبدالعزيز كانت إمكانياته أقل قياساً بوضع المنطقة حينها، ولكن لديه إيمان ورؤية واقعية ولم يكن خيالياً كبعض الحكام مثل الشريف حسين، وشهدت حقبته سقوط الخلافة العثمانية حتى عُرض عليه أن يكون خليفاً جديداً فأجابهم برد يتميز بالواقعية والمنطق، حيث قال - رحمه الله - إنه يفكر بتسيير أموره على المملكة وتحديداً وسطها المسمى هضبة نجد، ولم يغريه العرض بالقبول لاستشعار مخاطرة ذلك الفعل، ويلخص الدكتور محمد آل زلفة أن المؤسس - رحمه الله - تعامل مع السياسة بمنطق ومع قبائل الجزيرة العربية الذين لا يقتنعون بسهولة، حيث كان أقلهم نصيباً من الغنائم التي يكتسبونها خلال معاركهم، إضافة إلى الظروف الصعبة المختلفة تضاريسياً واجتماعياً، كما أنه استطاع أن يستقطب الرجال من أبناء القبائل في جيشه وحاربوا ضد خصومهم كذلك رجال الأسر المتحضرة، فكان الملك عبدالعزيز لا يملك شيئاً وفي ذهابه لأية منطقة يعتمد على رجالها أنفسهم.