حاضر مزهر وماضٍ عريق

العراقة والأصالة سمتان وثيقتا الصلة بالمملكة العربيَّة السعوديَّة، يؤكدهما تقادم السنين، ويذكر بهما تتابع إهلالات الشهور والأيام، وإن اليوم الوطني الذي تهل تباشيره على بلادنا العزيزة مع إشراقة يوم الثلاثاء 28 - 11 - 1435هـ ليسطر في سجَّل التاريخ حاضرًا مزهرًا وماضيًا عريقًا، كما أنه يحمل إلينا عبقًا تاريخيًّا مجيّدًا خطه الإخلاص والصبر والجلد لدى المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيَّب الله ثراه- ورجاله الأوفياء، مشوبًا بعزيمة ماضية ورؤية نافذة أثمرت بحمد الله تعالى كيانًا شامخًا متماسكًا مازال منذ تلك الفينة وهو في رقي وازدهار حتَّى بلغ مراتب عليا في الحضارة والمدنية، وصار محط الأنظار ورقمًا متقدمًا في الحضور الإقليمي والعالمي.

إنها البصيرة المدركة، والنظرات الصائبة التي تمتع بها المؤسس -رحمه الله-، ثمَّ القيادة الحكيمة التي تمتع بها أنجاله الملوك من بعده وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه- حيث الحاضر المزهر والواقع الزاخر بألوان المعرفة والمدنية والإنسانيَّة فمؤسسات التَّعليم، العالية منها على وجه الخصوص معالم حضارية تزدان بها كل مدن بلادنا العزيزة ومحافظاتها، بل فاضت خيراتها، فاستقى من معينها القاصي والداني، وتفيأ ظلالها واستطاب ثمارها الصَّغير والكبير، وما ذاك إلا تجسيد لحكمة القائد المؤسس -رحمه الله- وحكمة أبنائه من بعده الرامية إلى بناء الإنسان العالم، والمجتمع الواعي، والدولة المعرفية، مستشعرين بذلك قيمة الإنسان والوطن، وساعين إلى النهوض، والارتقاء به إلى مصاف الأمم المتقدمة، ومعتزين بقدرات المواطن وإمكاناته وولائه الصَّادق لوطنه وقيادته.

وإن ذلك التوجُّه الحكيم قد أثمر بفضل الله تعالى - وعبر سنين طوال - انطلاقات فريدة وإبداعات نوعية في شتَّى المجالات السياسيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والخدميَّة... وغيرها.

فالامتداد الأفقي للجامعات العريقة والناشئة وانتشار كلياتها في كلِّ ناحية من أنحاء بلادنا؛ ولّد حراكًا علميًّا وتفهمًا مجتمعيًا واسعًا لأهمية الدراسات الجامعية، وضرورتها لمستقبل الأجيال من جانب، وللمحافظة على المكتسبات المتحققة لبلادنا العزيزة من جانب آخر، فالعلم - بعد الله - خير حافظ، وخير مُطَوِّر، لا سيما أن حكومتنا الرشيدة ما فتئت ولا تزال تدعم بسخاء، وترعى بعناية، وتتابع بعين الخبير الناقد، وتبادر إلى أكثر مما يُتَوقع، ولا أدل على ذلك من التوجُّه النوعي علميًّا واقتصاديًّا وسياسيًا... وغير ذلك.

ويشهد للعلم والثقافة الانتشار الواسع للجامعات والمراكز والمؤسسات البحثية في أرجاء البلاد، والأقسام المفتتحة حديثًا في الجامعات، التي تحاكي أحدث ما توصلت إليه المعرفة والتقنية المتطورة.

وأما السياسة الموفقة فمضرب المثل إقليميًّا ودوليًا، فمواقف حكومتنا الرشيدة مشرفة وكريمة في جميع القضايا التي تهم الوطن والمواطن، بل تتعدى ذلك إلى القضايا الإسلاميَّة والإنسانيَّة على وجه العموم.

ويظهر النجاح الاقتصادي فيتمثَّل في التطوّر المتتابع والمتانة الاقتصاديَّة، ولا أدل على ذلك من الميزانيات الكبرى التي حققتها المملكة العربيَّة السعوديَّة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله-، والمشروعات الاقتصاديَّة العملاقة، وكل ذلك بفضل من الله تعالى أولاً، ثمَّ بإدارة ناجحة موفقة تضع الأمور مواضعها، وتحرص كل الحرص على مصالح الوطن والمواطن. ولست هنا في معرض التعداد، بل هي إلماحات لخيرات كثيرة متع الله تعالى بها بلادنا، لذا يحق لنا أن نحتفي ونعتز بيوم ميلاد المملكة العربيَّة السعوديَّة، وتذكر عطاءات مؤسسها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمة الله عليه، ومواقفه العظيمة له ولجميع المخلصين الكرام من أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء، سائلاً المولى عزَّ وجلَّ أن يديم عز بلادنا وأمنها واستقرارها، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد الذين أرفع لهم ولكافة أبناء الأسرة المالكة أسمى التهاني والتبريكات بمناسبة اليوم الوطني الأغر، راجيًا الله تعالى لولاة أمرنا ولوطننا العزيز دوام الرفعة والشموخ. والله الموفق.

د. عبدالرحمن بن محمد العاصمي - مدير جامعة سلمان بن عبدالعزيز