28-09-2014

نحن وربيعهم العربي الذي انتكس عليهم !

يكرر بعض (المحللين) العرب الذين تباشروا بالثورات العربية، وخاصة من عرب الشمال، ومن دار في فلكهم وتأثر بمدرستهم، أنّ المملكة ليس لها استراتيجية في السياسة الخارجية واضحة المعالم. ويجدون من البعض، ومن في أنفسهم ضغنة لسبب أو لآخر، قبولاً، وأحياناً تصفيقاً.

دعونا نطرح سياسات المملكة الخارجية، وتحديداً في عهد الملك عبد الله - حفظه الله - على بساط البحث، ونرى النتائج.

واجهت المملكة تحديات مختلفة على المستوى الخارجي، كان أهمها التحدي الليبي في زمن القذافي الذي كان يبذل قصارى جهده وجهد مخابراته للنَّيْل من استقرار المملكة، بأي ثمن، حتى بلغ به جنونه أن خطط لاغتيال كبار الشخصيات في المملكة. وكذلك التحدي الإيراني، الذي حشد للهيمنة على المنطقة كل قواه، واخترق العراق بعد احتلالها من الأمريكيين، وسيطر على قرارها داخلياً وخارجياً؛ حتى أعلن عميلهم المالكي في تصريح له أنّ العراق يدير حرباً غير معلنة مع المملكة. واستطاعت إيران كذلك أن تستحوذ على بشار الأسد، فأعطاها من التسهيلات على المستوى الاستراتيجي ما مكنها من السيطرة وتكريس نفوذها على التراب السوري، ومن خلال (حزب الله) الذي كان أداتها للسيطرة على لبنان والنفاذ إلى ضاف البحر الأبيض المتوسط صرفت المليارات، حتى يقال إنّ تكلفة حزب الله الإجمالية على الخزينة الإيرانية منذ تأسيسه وحتى الآن تُضاهي ديون الدولة اللبنانية كاملة، أي خمسون مليار دولار . وفي اليمن، عمل الملالي على استقطاب الحوثيين، وإلحاقهم بالمذهب الجعفري بدلاً من المذهب الزيدي، وأنفقوا لتحقيق ذلك مليارات الدولارات.

والنتيجة بعد كل ذلك، هي كما يلي:

سقط القذافي وانتهى نظامه إلى أبد الآبدين.

سقط المالكي، وتضاءل نفوذ إيران في العراق وسوف يتضاءل أكثر، وها هي إيران متورطة مع الأسد، وبقاؤه يستنزفها أكثر، وسوف يستنزفها أكثر وأكثر مستقبلاً.

حزب الله ومعه حلفاؤه من 8 آذار، يشعرون أنهم في أضعف أوضاعهم على الإطلاق في الداخل اللبناني بعد تورط حزب الله في الحرب الأهلية السورية .

الحوثيون لن تبقى ميليشياتهم إلاّ بالمال، فإن توقف الإيرانيون عن الدفع، نكثوا عهودهم، وعادوا إلى الزيدية بعد أن تشيّعوا؛ واليمن مرشحة - بالمناسبة - الآن لتكون (بؤرة) استنزاف جديدة إضافية على الخزينة الإيرانية.

إيران من الداخل تعاني من حصار اقتصادي عالمي يتزايد، وأزمات اجتماعية واقتـصــادية تتفاقم، وعملتها الوطنية في تدهور مستمر.

آخرون راهنوا على سقوطنا، وتفككنا، وفتحوا خزائنهم لبعض الأذناب ينفقون عليهم بكل سخاء وجنون لتحقيق إسقاطنا؛ فانتهوا إلى الإفلاس السياسي، والتراجع إلى الصفوف الخلفية.

جماعة الإخوان التي وقفت معها أمريكا والغرب لتحكم مصر، كان همها وهدفها بناء (دولة الخلافة) وإسقاط كل الأنظمة العربية بما فيها المملكة، فانتفض شعب مصر عليها، وأسقطها فوقفت معه ومع انتفاضته المملكة بكل قوة ومساندة.

أمريكا (أوباما) الذي كان قد صفق لما سمّاه الربيع العربي، ها هو يبعث بوزير خارجيته إلى جدة، ليعقد حلفاً بمباركة المملكة ضد الإرهاب بعد أن (جز) الإرهابيون رؤوس مواطنيه في سوريا، في اعتراف ضمني أنّ أية عملية عالمية أو إقليمية لا توفق عليها الرياض، فضلاً عن أن تشارك فيها، فلن يكتب لها النجاح . وهذا يعني أنّ المملكة الآن هي القوة الإقليمية الأولى بلا منازع.

لم تصل قوة المملكة الاقتصادية في تاريخها إلى ما هي عليه الآن، يكفي أن تعرف أنّ أرصدتها النقدية المعلنة تناهز مبلغاً يقترب من 800 مليار دولار أي ما يعادل (3 ترليونات ريال)!

والسؤال: هل يعقل أن تتم كل هذه الانتصارات وهذا القدر من النجاح في التعاملات الدبلوماسية ومواجهة التحديات، لو كان ليس لدى المملكة استراتيجية ثابتة ومتماسكة ومتزنة؟..

الأرقام لا تكذب أيها السادة وهذه هي الأرقام.

نعم كان الرجل الذي أدار هذه الدبلوماسية، وقاد السفينة إلى بر الأمان بكل اقتدار ومهارة في بحر متلاطم الأمواج، هو الملك عبد الله؛ ولعل هذه الشعبية الكاسحة الذي يحظى بها هذا الزعيم الفذ لدى السعوديين، دافعها وباعثها والأساس الذي ترتكز عليه لأنهم رأوا بأعينهم مَن حولهم وكيف كانوا وكيف أصبحوا، ويرون بلادهم وهي تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء ونمو قيمتها ومكانتها إقليمياً وعالمياً يوماً بعد الآخر، فأدركوا تميُّز هذا الزعيم . وهذا بيت القصيد ومربط الفرس من شعبيته غير المسبوقة، لا حرمنا الله منه .

إلى اللقاء ..

مقالات أخرى للكاتب